بقلم : سهل الزواهرة
“الأوطان تضيع دومًا على أيدي رجال نكتشف متأخرين أنهم لم يكونوا رجالًا أصلا …”
تعدو و تعدو ليلى في بَيداء ذهني المُنهك فزعةً ترتجف، تلتفت ألفَ التفاتة قلقلة من طعنةٍ جديدةٍ تُصيب كرامتها و تُعجِّل في أجلها المكتوب الذي تواطأ على دُنوه ذئاب تحكَّمت في مداخل و مخارج آل ليلى ، ذئاب آخت قارون بالدم و المصير طَمعًا فحفظ لها و لذراريها مفاتيح البلد فجيَّرت كل بوق شاذ عضوًا في نُخبة النهب التي لا خوف يردعها و لا خجل يلجُمها ، فعاثت إفسادا بحرثٍ مُقدَّس و نسلٍ مُسخَّر تمت بَرمجة أدمغته حَصرًا لالتقاط موجات التبرير و التعامي و التبصيم، و إلا فألف أفعى تفغر فاها مُخونة مُشككة مُصنفة الخلق بين وطني مُوالٍ صادق أو عميلٍ مأجور مارق ….
و تُلقي ليلى جسدها النحيل بين صحراء مُذَهبة و وادٍ يانع و تُسلَّم طائعًة ستائر أحلامها و مُستقبلها لثلة توَسمت فيهم خائبًة حِرصًا و قُدرةً و فعلًا و حِفظًا فكان الحرص غفلةً و القُدرة عجزًا و الفعل كلامًا و الحِفظُ تفريطا ، فبَهتت الصحراء و أجدبَ الوادي، و توجهت المُعاول المُبرمجة بدأبٍ لتبني بالهدم أمجادًا و أرصدةً صبَّت في آبار لا تقنع بأعماق لا تشبع ، آبار تكبَّرت مياهها على زرعنا ، فجفاف عم و فقر طم و استحكم الهم و قيمة ذَوَت على السواء في عين الجار و بعيد الدار ، فبات المُستقبل دُمية شريطية يقوم على تزويقها صيصان الحُظوة كلٌّ يتسابق في مِضمار التزلف الذي لا ينتهي، يُلقون حِبالهم وعصيهم يؤازرهم أناشيدُ من نقيق على جنبات النهر الأسير ليُلبِّسوا على الناس أمرَهم كلٌّ بأجرهِ و رزقته المُغمَّسة بالكذب وطول الأمل ….
ليلى لا تحتاج أباطيل لتبييضها و لا يُعتِّقها تخاريف تائه ، و لا ينسج أساطيرها عناكب غفلة ، ليلى تسمو حين يرتقي بنوها، و لا تنعم كلابها في بؤس أهلها ، تُعانق السماء و تُخصِب الأرض حين يفيض الخير على العامة و يتمرمغ الرفاه على ترابها كصبي ثائر غافَلَ أمَهُ ذات ربيعٍ ليسعد ، ترقى عندما يعتلي سياسة الناس و أمرهم أهلُ الكفاءة و الحرص و التواضع فلا صُدفة ولا كِبر ولا عناد و لا فرادة مُتَوهمة و لا اختباء خلف عباءة و رقم و حظ و لا إمعان في سُلوكِ ذات الدروب المُختَبرة و اللجان المُبتكرة التي ضاعت في دهاليزها ليلى و نورها الذي اختلسته ومضات الدُجى و معامل التجريب و مراهنات السُكارى …
ليلى ربابة شاعر بدوي عاشق تشرَّب كلماته الوهبلية من سطورٍ لم يَسط عليها عيَّار و لم يتلاعب بنظمها الشُطَّار ، كلمات لا يعي شيفرتها إلا من لوَّحت شمسُها جبينَه المُرهَق و شابت ذوائبه الليلية على أكتافها النبطية و لم يجحد سيرتها الأولى أو يزور أحرفها فداءً لركوبة رخيصة تحمله إلى النعيم المسروق من أناتٍ أبى صداها الرجوع خوفًا و شفقة…
اعلموا آل ليلى أن الوطنية ليست علمٌ يرُف و لا ضرب بدُف و لا بتصفيق أكف ، و إذا كانت كذلك فقُبحت هكذا وطنية و تعس من توهم ذلك ، فكم راية استسلام بيضاء اعتلت هامة أوطان و كم من دُفٍّ تصدر أقرانه في دُور الفجور و كم من كفٍّ ضرب توأَمه بحرارة نفاقًا لِمُنعِم مُتكرم أو رهبةً من ظالم مُتحكِم …
سُئِل مُتغلِّب مُحتال : كيف خدعت الناسَ و استنعجتهم و استعبدت حاضرهم ؟ فأجاب : مكَّنت أراذل الناس من رقاب الناس فاستلذ الأراذل و وجدوا في هذا المكان حقهم المُتوارث و الذي في سبيل الحفاظ عليه كل أمر مُطاع و كل حرام يحل ، و في المقابل استمرأ الناس العبودية و طأطأة الرقاب خوفًا تارة و مُسالمة و أملًا أخرى ، ثم إني زورت تاريخهم و أوهمتهم أني تاريخهم التليد و مستقبلهم المُشرق ، فقدسوا تاريخي و تمسكوا بنور مستقبلهم معي ، فأصبحت لهم قدرا و أصبحوا لي مطايا ….
وتستمر ليلى باللهاث و خلفها الذئب يعدو و يحلف أنه لا يريد بليلى شرًا، و الذئب يعلم و ليلى تعلم و نحن نعلم ، أنه لا تصدقوا إذا قيل لكم يوما أن الذئب أحب ليلى أو أراد بها خيرًا أو لها نجاة ….
و هل ليلى إلا وطن ، و هل الوطن إلا إنسان بهويته التي خُلق عليها على أرضهِ التي خُلقت له …