المسترئسون والمستوزرون والمتنفعون والكساد

27 أبريل 2023
المسترئسون والمستوزرون والمتنفعون والكساد

ابراهيم عبدالمجيد القيسي

حسبنا من الإنجازات الحكومية كساد بضاعة بياعي البطولات والقلة القليلة من باعة حليب السباع المغشوش، ولو تجاوزنا عن حالة شبه الاستقرار الدستوري المتمثلة بعدم “العبث” بالحكومات، حتى تنتهي مدتها الدستورية، فحسبنا من الإنجاز أن عواصف الاستيزار والاسترئاس ورياضة الهبوط بالبراشوتات قد توقفت او انخفضت، إلى الدرجة التي لا تثمر معها مناكفة المناكفين للدولة، ولا الوطنيات العرمرمية التي تهيج في الرأي العام، كغيث أعجب الكافرين زرعه ليهيج وينقلب فتراه مصفرا محطما تذروه رياح، رغم تلوثها أصبحت مألوفة على عتبات مذبح الكذب والخبث والصوت العالي، الذي يزايد على كل شيء، وفي الحقيقة لا نرى داخل المضمار إلا رهط من “هواة” اللعب بالبيضة والحجر، وهي اللعبة القديمة التي سئمناها ولا يوجد محترفون بها، حيث لا ميسي ولا رونالدو في الميدان، سوى حميدان الذي حفظنا حركاته عن ظهر غيب، وارتضينا بؤسه الذي يعبر عن بساطته.

قلناها؛ وما زلنا نرددها: مع وجود هذه الجحافل من الأبطال وبياعي الانتصارات على طواحين الهواء، هل نفتقر إلى أشخاص يديرون الدولة والحكومات، لاجتراح التغيير والقفز عن التحديات وتجاوزها بنجاح؟ وماذا لو أحضرنا كل الحصادين الى البيادر، فهل سيزداد المحصول؟.

لا بأس عليكم يا من تشعرون بالسأم من بعد طول انتظار لشغور الدوار الرابع وكل الدواوير حتى السابع، اطمئنوا على البلد والبيادر، فلا طوفان يغرق المحصول ولا آفات، سوى أسراب من حشرات تبحث عن مخلفات وفضلات، وهي ليست بالخطر الكبير فقليل من دخان الرؤوس المحروقة يكفيها، ويخفيها، وكل الرؤوس على “دكة البدلاء تنتظر محروقة”، ودخانها وصل لعنان السماء.

لا علاقة مباشرة تربطني برئيس الحكومة بشر، ولا أبحث عن مثلها، ولا أستطيب القنص والتصيد على حساب الحق ولا الظلم، فنواطير الرابع علموا أن لا محاصيل ولا حقول تستوجب السهر سوى الصمود، وإغلاق الطريق أمام الباحثين عن الفرص بحد ذاتها، وهاهي الحكومة صامدة، ولم تقترف حماقات، او تفتعل بطولات، ولم تتخفى خلف القصر او تستند لبواباته، بل وقفت على المسافة نفسها من الجميع ولم تفتح أو تترك بابا ولا نافذة ولا “خزقا” للتنفيع، ولا تهمها حرفة التلميع.. والقافلة على هدى من التسكين والهدوء والمنطق والموضوعية تسير، حتى يحين موعد تجديد النواطير.

شاهدنا عبقريات فرق ممن سبقوا فريق بشر لمواجهة كوفيد الحقير، وخشينا معهم، أن نعود إلى ما قبل التاريخ، فالأبواب والنوافذ كلها فتحت آنذاك، ورصدت الضمائر الحية ألف حالة تسلل صحيحة، لكن لم يملك الحكم في النهاية إلا ان (يصفّر) عليها، و(يوقف اللعب البدائي)، ولو استمر الوضع على تلك الحال لتساوى الفساد مع الكساد، ولشرعنا في رحلة تيه في متاهات معتمة، لا تنوير فيها سوى فتاشات المسترئس والمستوزر والمستمدر، ولتلمسنا طريقنا عندئذ على صوت نباح كلاب الليل وزعيق البوم .. لكن شاء الله اولا ثم الملك ان نكتفي بذلك المقدار من التخبيص، وجاءت حكومة عادية وليست خارقة، ولم تقم بأية بطولة ولا حتى بحركة استعراضية أو بهلوانية، وأوقفت الإنهيار الذي قاده الفيروس كوفيد ووفر بيئة لأمراض أخرى خطيرة، وخبيرة في ساحتنا الأردنية، وقد تجنبها الأردن بلقاح “بشر”.

لا إنجاز تدعيه الحكومة ويستحق كأس البطولات المزعومات، لكن الإعجاز يكمن في الصمود وعدم الإنهيار، فلا رمال متحركة لا في موزمبيق ولا في الكناري، او على شاشات سيارات لمبرجيني وفراري، لكن “عندياتنا” مئات من حكومات خبيرة في نبش الرمال وتحريكها بالسحر الأسود والملوّن، بينما أثبتت حكومة بشر بأن ثبات ارضنا تحت أقدامنا من أن تميد بفعل السحرة، أهم ألف مرة من محاولة خلخلة الأركان، واهتزاز الأعمدة في مركب شاء له القدر ان يكون أمانة في عنق الهاشميين، وفي أعناق أبنائه الشرفاء الذين عفّت نفوسهم وتسامت عن الدّونيات والفساد وحتى عن الإتجار بالكلام.

كنا على موعد، بعد أن انتهى شهر الصيام وتحررت الشياطين من أصفادها، ولا يحيرني سوى “القطاريز” الذين ينفذون ما تطلبه منهم الشياطين، وهم اول ضحايا الخبث والخبائث والخبثاء الذين يشعرون بأنهم عاطلون عن العمل، بل دبّ في اوصالهم الشلل من فرط الإنتظار على ضفاف البيادر، ابتغاء تغيير نواطيرها ومصادرة تعب الحصّادين ونزع بركة محصولهم.

أقترح عليهم عملا سهلا يبدد شعورهم بالبطالة، ويكافىء خبراتهم الأسطورية، وهو إجراء تمارين وهمية تحاكي إنقاذ قارة أطلنطا من الطوفان العظيم، فبيادر الأردن منيعة ومحروسة بعين الله، وحكمة ملك، وبسواعد وعقول وضمائر مباركة.

الله يعطيكو ويصبركو ويعينكو تستنولكو كمان شوية، وحتى يحين الموعد، اسندوا الربابة، واستلّوا الشبّابة، وانفخوا لحن (الناي الحزين).. فأنتم من معشر الرعاة الفخريين لمهرجانات ومعارض “الهموم المستحيلة”.
سحقا للعاطلين.