د. مفضي المومني
تفصلنا أيام أو أكثر عن الجلسة الحاسمة لمجلس التعليم العالي لإعلان نتائج التقييم الجدلي لرؤساء الجامعات الحكومية العشرة، بعد تسلم تقييمات مجالس الأمناء التي مررت بسلام… ! عدا جامعة واحدة خرج من مجلس أمنائها تقرير تفرد به الرئيس أثار إشكالية…! أتبع بتقرير أصولي للمجلس بكامل الأعضاء..!، وجدلية التقييم أتت من ملاحظات من وزراء تعليم عالي سابقين وأكاديميين ومتابعين وجهات أخرى، واتضح من مجمل الملاحظات أن التقييم ربما لم يكن في محله، ولا بتوقيته المناسب وذهب البعض لجدلية عدم قانونيته.
أعتقد وكما رشح أن التقييم وحيثياته وضع الوزير والمجلس علي المحك، ولربما تمنو أنهم لم يفعلوه، فالنتائج أيا كانت؛ لها ما لها وعليها ما عليها، وطرحت اسئلة وجب التمحيص فيها، ومنها: هل يجب تطبيق التقييم بنفس المعايير على جميع الرؤساء بغض النظر عن فترة تكليفهم..!، فمنهم من عين منذ سنه وأشهر ومنهم من هو على مشارف نهاية فترته ومنهم بين بين، وأيضاً السؤال الأهم؛ نفس الرؤساء تم تعيينهم من ذات المجلس والوزير الذي لم يغب عن المجلس حيث كان نائب الرئيس وهو الآن رئيس المجلس كونه وزير التعليم العالي، والسؤال الآخر؛ هل هنالك خطة عمل لكل رئيس جامعة ذات بعد استراتيجي تنفيذي مجدولة زمنياً لفترة تكليفه..!؟ ليتم محاسبته على تحقيق أهدافها، أو أنه تقييم عام مرن حد الشد والقصر والمد والجزر… ! كيفما يرى أو يريد أو يبيت صاحب التقييم..!، وهل يمتلك الرؤساء بالمطلق أدوات إدارة جامعاتهم من تمويل، وسياسات، ومديونيات، وتشريعات، وبرامج…وحمل ثقيل مؤرق من إدارات سابقة يحتاج تصحيحها لسنوات تفوق مدة تكليفهم…! وغيرها؛ لم يضعوها هم ولم يكن لهم يد بوجودها ولكن هكذا ورثوها… لأن تعيينهم بالأصل وكما أعلن أو سبب؛ جاء بسبب إخفاق من سبقهم، إذ أن طبيعة الأمور تقول الناجح يستمر..! ، والرؤساء الحاليين موضوع التقييم مطلوب منهم عندما تم تكليفهم تغييرها أو التأثير الإيجابي بها وحل المشاكل الموروثة وهذا يحتاج ربما نصف فترة تكليفهم المقررة بالتشريعات أو أكثر..!، وبرز أيضاً؛ بقصد أو من غير قصد إرتباط عمليات التقييم بتغيير الوزير سابقاً وربما يكرس ذلك لاحقاً، وهنا يكمن شيطان التفاصيل… ! ويطرح البعض التوجهات الشخصية لأي وزير، وارتباطها بكولسات تغرق في حسابات الإبعاد والتقريب من باب تصفية الحسابات… أو تكريس رؤساء من جماعة س أو ص، أو توجهات للمحاصصة والمنح بفرض أسماء يتطلب تعيينها إقصاءات بغض النظر عن الإنجاز أو الكفاءة أو الفترة أو حسابات المنطق، وحدث مثل هذا سابقاً.
قضية أخرى طرحت علي المستوى الوطني، هل من مصلحة سمعة التعليم العالي في وطننا والذي يعاني الكثير من المحددات والإشكاليات، أن يتم التعامل مع رؤساء الجامعات كمدراء تنفيذيين أو مدراء تسويق بالقطعة وبلغة السوق لتحقيق أهداف مبيعات اسبوعية أو شهرية..! ضمن إمكانات مادية محدودة لا بل ضئيلة بالمقارنة مع الجامعات العالمية، ومديونيات كبيرة ومشاكل ومعيقات داخلية وخارجية مفروضة ومكرسة ومتوارثة..! ، ليتم إعفائهم بجرة قلم، وبما لا يليق بمكانة رئيس الجامعة والتي يجب أن تتصف بالقيادة والإلهام والرؤى والأستراتيجيات، وتمثل هيبة الجامعة والتعليم العالي والوطن وسمعته الأكاديمية، فهل فكرنا كيف سينظر لنا من دول أخرى تبتعث طلبتها لجامعاتنا، ودول ومؤسسات تقيم أو ستقيم شراكات أو تعاون مع جامعاتنا..!.
وقضية أخرى أشير لها في معمعة التقييمات؛ ألأكاديمي الحصيف، وبعد سنين طويلة من الخبرة والشهرة الأكاديمية لن يغامر بسمعته ويضعها تحت رحمة وزير قادم أو مغادر أو ربما مغامر…! ليختم مسيرته الأكاديمية بوسم ( رئيس جامعة معفى… أو معزول… وبالشعبي مكحوش..!)، فيؤثر التنحي والإنسحاب للحفاظ على سمعته التي افنى حياته لأجلها… على أن يصبح مشروع رئيس معفى..!، وهذا سيتيح ويمكن الوصوليين أصحاب الكفاءات المتدنية وأصحاب الواسطات والتزلفات والنفاق من تسيد المشهد… وبعدها سنندب جميعا حضنا العاثر وتأخرنا عن ركب التقدم لا بل تذيله بهمتهم، ففاقد الشيء لا يعطيه… !.
تحدثت سابقاً عن تقييم رؤساء الجامعات وضرورته، وأن يكون بنائياً مرحلياً لأخذ تغذية راجعة للتصحيح، وأن يكون نهائياً إما بعد ثلاث سنوات كما وجهت الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية أو في نهاية الفترة (أربع سنوات) لتقرير التمديد من عدمه، وأن يشرع للتقييم وبشكل دوري محدد، وضمن أسس ومعايير حصيفة مؤسسية غير مرتبطة بتغيير الوزراء… ولا بتدخلات من أي كان.
مما يبعد العبثية، وإشاعة مناخات عدم الإستقرار في جامعاتنا. (وكل هذا لا ينطبق على أي رئيس لديه إشكاليات واضحة لا يمكن السكوت عنها…هنا يكون العزل واجباً دون إبطاء..! وحدث مثل هذا).
اما السيناريوهات المتوقعة بعد كل ما سبق وغيره مما أثير… فيتوقع أن يأخذ الوزير ومجلس التعليم العالي ولجنة التقييم بكل الحيثيات والأبعاد، السطحية والعميقة وسمعة التعليم العالي ومصلحة الوطن، أو الأخذ بالولاية وتكريسها إيجاباً أو سلباً بين فرض رأي دولة الرئيس المستمد من أجهزته أو قناعاته، ومدى إقناع الوزير لدولته برأيه بغض النظر عن النتائج…أو التضحيات…! ويتوقع ضمن جميع المعطيات أن يكون القرار بصورة ما إحدى السيناريوهات التالية:
1- إلغاء أو تعليق الإعلان عن نتائج التقييم، وارجاء القرار لحين وضع معايير تقييم نظامية قانونية تؤسس لتقييم نظامي بأدوات فعالة ومقبولة يرضى بها الجميع.
2- تكرار مشاهد وممارسات سابقة؛ الأخذ بالولاية العامة من قبل دولة الرئيس والوزير ، ومن ثم وضع المجلس بالواجهة…! وإعفاء وتعيين من 3-5 رؤساء، بغض النظر عن التقييمات، والتي ستكون غطاء لتمرير قرار مسبق..!.
3- إعفاء أو طلب تقديم إستقالات للرؤساء القريبين من نهاية مدة تكليفهم…أو استمرارية لنهاية المدة واستمرارية للبقية حسب فتراتهم… بتحديد او دون تحديد فترة سماح..!.
4- الأخذ بالتقييمات بمهنية وحيادية من قبل مجلس التعليم العالي؛ ودون تدخل لأصحاب الولاية أو أي جهات، وأستمرارية بدون ملاحظات للبعض، واستمرارية مع ملاحظات للبعض وإعطائهم فترة إمهال( عطوه) لنهاية العام الدراسي للبعض أو مدة امهال أطول لحديثي التعيين، سيما أن هنالك تشابه كبير في عمل الجامعات وإداراتها وظروفها حالياً، وهنالك نجاحات متفاوته في إدارة ملفات مختلفة هنا وهناك، ولا يوجد حالات متطرفة تستوجب الجراحة، ولا حالات متميزة خارقة للعادة…!.
5- تأجيل للقرار… قد يتبعه تغيير الحكومة… وننتظر بعدها ما يدور برأس أي وزير جديد…وتستمر الامور بعشوائيتها وضبابيتها… ومزاجية الوزير القادم، إذا لم تضبطه تشريعات تؤسس لعملية تقييم نظامية تسير بهدوء دون أي ضجيج إعلامي.
وإلى يخرج الدخان الأبيض من مدخنة قاعة اجتماعات مجلس التعليم العالي، نبقى على أمل أن نؤسس لتطوير التعليم العالي وملفاته كاملة، وأن لا يبقى مسمار جحا( تغيير رؤساء الجامعات) هو الأبرز والأسرع لتلميع أي وزير قادم… !؛ لا يري تطوير التعليم العالي إلا من (خرم الباب)… ويتجاهل عينا زرقاء اليمامة ( إستعارة من مقامات الجزيل خالد الكركي ذات ندوة..!)… حمى الله الأردن.