تسجيلات مسرّبة تفضح عنصرية الشرطة الإسرائيلية

5 أبريل 2023
تسجيلات مسرّبة تفضح عنصرية الشرطة الإسرائيلية

وطنا اليوم:كشفت القناة الإسرائيلية 12، ليلة الثلاثاء، عن تصريحات عنصرية لمفتش شرطة الاحتلال كوبي شبتاي ضد المواطنين العرب، وتفضح تواطؤها عليهم، وهم من جهتهم يطالبون باستقالته.
وحسب ما نشرته القناة العبرية، من تسريبات لمحادثة هاتفية بين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وقائد شرطة الاحتلال كوبي شبتاي، فقد دارت المحادثة كالتالي:

« بن غفير: العنف في المجتمع العربي يتصاعد، وهناك جريمة تلو الجريمة، وهذا يستوجب إقامة ميليشيات “الحرس القومي”.
كوبي شبتاي: لا يوجد ما نفعله، فهم يقتل أحدهم الآخر، وهذه هي طبيعتهم.. هذه هي عقلية العرب.
بن غفير: يمكن وقف ذلك. علينا منع جرائم القتل لدى العرب ولدى اليهود.
شبتاي: نحن نعمل الآن في اللد والرملة، ونستعين برجال جمهور ودين هناك».
بعد الكشف عن هذه التصريحات العنصرية حملت الشرطة على الوزير بردٍّ نادر، قالت فيه إن “بن غفير يقوم بتسجيل محادثات خاصة، ومن المشكوك فيه بعد اليوم أن نطلعه على ما يجري وتقديم التقارير له”.

وسارع شبتاي لمحاولة تقليص وطأة النشر عن تصريحاته العنصرية الاستفزازية بتعميم بيان زَعَمَ فيه أن التسريب أخرجَ حديثه من سياقه، وأن ما قاله للوزير كان حديثاً أوسع مما نشر، وقد دار حول تفشي الجريمة في البلدات العربية.
وقبيل منتصف ليلة أمس، قام شبتاي بمهاتفة رئيس “القائمة العربية الموحدة” النائب منصور عباس، وأوضح له أنه لم تكن لديه نيّة المساس بالمواطنين العرب. ومن جهته طالبه منصور عباس بالتراجع علانية عن تصريحاته، بعدما أثنى على عمله في العامين الأخيرين ضد تفشي الجريمة في الشارع العربي.
يشار إلى أن أراضي 48 تشهد، منذ العام 2000 تقريباً، انفلاتاً في ظاهرة العنف والجريمة على أنواعها، خاصة جرائم قتل في ظل تشكيل عصابات إجرام قطرية ومحلية كثيرة. وفي السنوات الأخيرة، تشكّل جرائم القتل العربية نحو 50% وأكثر من مجمل جرائم القتل في إسرائيل، رغم أن نسبتهم السكانية تعادل 19% فقط. ومنذ بدء العام الجاري ارتكبت 46 جريمة قتل معظمها ترتبط بعصابات إجرام.

“فخار يكسر بعضه”
ويوضح الباحث الخبير في مجال الإجرام بروفيسور بادي حسيس، من جامعة حيفا، أن استشراء الجريمة داخل المجتمع العربي الفلسطيني الإسرائيلي له عدة تفسيرات، منها ظاهرة الثأر، والصراع على الموارد، الآخذة بالتقلّص نتيجة سياسات تضييق الخناق الإسرائيلية، لكنه تضاعفَ عدة مرات في العقدين الأخيرين.
وتؤكد “لجنة المتابعة العليا”، الهيئة السياسية التمثيلية الجامعة الأعلى لفلسطينيي الداخل، أن تفشي الجريمة في الشارع العربي، بعد العام 2000، يدلل على سياسة إسرائيلية منهجية متواطئة مع الجريمة والمجرمين، كجزء من عملية انتقام من فلسطينيي الداخل لمشاركتهم في هبة القدس والأقصى في مطلع الانتفاضة الثانية. وتؤكد “لجنة المتابعة العليا” أن الحكومة الإسرائيلية تتحمل مسؤولية كبيرة عن حالة الانفلات هذه، وتتساءل كيف كانت ستتصرف لو كان ضحايا الظاهرة يهوداً، أو كانت الأسلحة النارية المتوفرة في كل مكان تستخدم ضد يهود؟ كما تشدّد “لجنة المتابعة” أن الحكومات الإسرائيلية تعمل على تدمير المجتمع العربي الفلسطيني من الداخل، منذ العام 2000، على مبدأ “فخّار يكسر بعضه”.

سلاح الجريمة سيستخدم ضد اليهود أيضاً
يذكر أن القناة العبرية 12 قد كشفت، قبل أقل من عام، على لسان قائد كبير في الشرطة، قوله إنها مقيدة في عملها ضد عصابات الإجرام، لأن جهاز المخابرات العامة (الشاباك) يعارض ملاحقة رؤساء عصابات الإجرام كونهم عملاء ومتعاونين معه.
كما صرحَ عدد من قادة كبار سابقين في الشرطة الإسرائيلية أنهم لا يصدقون المزاعم بأن الشرطة الإسرائيلية لا تملك الطاقات والأدوات الكافية لجمع الأسلحة غير المرخّصة المتوفرة لكل من يريد، ويشكّكون بدوافعها، ويحذرّون من أن هذه الأسلحة، التي تهرّب بالأساس بأغلبيتها الساحقة من القواعد العسكرية، وتباع في أسواق الجريمة، ستُستخدم يوماً ما في عمليات ضد اليهود أيضاً، كما حصل في هبّة الكرامة، في مايو/ أيار 2021. كما سبق أن وجّهَ ما يُعرف بـ “مراقب الدولة” انتقادات مباشرة للشرطة الإسرائيلية لفشلها في منع انتشار السلاح، مؤكداً، بناءً على دراسة خاصة، أن 90% من هذه الأسلحة مصدرها الجيش، حيث تُسرق أو تُهرَّب من قواعد عسكرية.

مقارنة مع الشرطة الفلسطينية
وأمام مزاعم وافتراءات مفتش عام الشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي وغيره، حول وجود ثقافة عنف وعقلية قتل عريبة، لا بدّ من التذكير بأن عدد جرائم القتل في البلدات العربية ذاتها، قبل العام 2000، كان قليلاً كما تظهر المعطيات. كما أن عدد الجرائم في الضفة الغربية، التي يقطنها نحو مليوني نسمة، قليل جداً. وفي العام المنصرم (2022)، على سبيل المثال، ارتُكبت هناك نحو 30 جريمة قتل، وفق ما أكده الناطق بلسان الشرطة الفلسطينية لؤي ارزيقات. وفي السنة ذاتها ارتُكبت 130 جريمة قتل في أراضي 48، التي يقطنها نحو مليون ونصف المليون فلسطيني، وهكذا في قطاع غزة، حيث يقطنه ذات الشعب الفلسطيني، لكن الفارق أن الشرطة الفلسطينية تعمل في الناحية الوقائية، وفي الردع، بعكس الشرطة الإسرائيلية التي قضت، قبل سنوات، على كل عصابات الإجرام اليهودية.

سقوط أخلاقي
على خلفية تصريحات كوبي شبتاي، سادت حالة غضب واستنكار، ودعوات لاستقالته وإقالته، من قبل الفعاليات السياسية والأهلية داخل أراضي 48. ودانت “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” و”الحزب الشيوعي الإسرائيلي” هذه التصريحات، وقالت إن «قائد الشرطة، ووزيره، أثبتا، مرة أخرى، سقوطهما الأخلاقي والمهني، إذ إن بن غفير يستغل دماء العرب للترويج لمخططه الفاشي بإقامة ميليشيات “الحرس القومي”، بينما يتهرب قائدُ الشرطة من المسؤولية بادعاءات استعلائية عنصرية».
وأضاف بيان لـ “الجبهة” و”الحزب”: «بن غفير وشبتاي يدركان جيداً أن الإجرام في المجتمع العربي يستشرس في العقدين الأخيرين فقط، بالأساس بسبب سياسة الإهمال والتمييز الحكومية التي منحت عصابات الإجرام المنظم فرصة التغلغل بين المواطنين العرب دون أي قيد، بل من خلال تدخل مباشر للعرب من عملاء “الأمن العام- الشاباك” بنشاط هذه العصابات”.

عقلية عنصرية مريضة
من جهته، قال رئيس مركز “وجود” للدفاع عن حقوق العرب في النقب، المحامي طلب الصانع، معقّباً: “إذا كانت هذه هي عقلية المفوض العام للشرطة الإسرائيلية، فلا ينبغي أن نستغرب أنها تقوم بإطلاق النار على الطبيب العربي محمد العصيبي، ويخفون الأدلة”.
وقال أيضاً إن تصريحات مفوض الشرطة العام تؤكد أنه يعاني من عقلية عنصرية عدائية، لا يمكن أن تتعامل مع الجريمة في المجتمع العربي بنجاعة، طالما أنها تتهم المواطنين العرب “بعقلية إجرامية، وأنهم يقتلون بعضهم البعض، وهذه عقليتهم”.
وأضاف الصانع: ” تشير جميع الدراسات أن انتشار العنف والجريمة في المجتمع العربي، ابتداءً من أكتوبر 2000، بتشجيع من قوات الأمن والشرطة، وغض الطرف من طرفهم، في أفضل الأحوال، ومنح حصانة للضالعين في الجريمة مقابل تعاونهم مع جهاز الشباك أو الشرطة”.
كما أوضحَ الصانع أن “مرور الوزير المسؤول بصمت على هذه التفوهات العنصرية، يثبت أنه غير لائق لمثل هذا المنصب الحساس والمسؤول”.
وطالب رئيس مركز “وجود” مفتش الشرطة الإسرائيلية باعتذار فوري، وإلا فإنه سيحرص “على التوجّه للقضاء واتخاذ الإجراءات القانونية ضده.

بن غفير وشبتاي وجهان لسياسة واحدة
من جهته قال حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” إن التسريبات المذكورة كشفت الوجه الحقيقي للشرطة الإسرائيليّة، التي تتعامل مع العرب كأشخاص أقلّ قيمة من اليهود، لا كمواطنين متساوين، وتحاول بشكل عنصري تبرير تواطئها مع عصابات الإجرام بتحميل العرب مسؤولية عمليات القتل، لا السلاح المنفلت، ومصدره الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. موضحاً أن “الجميع يحاول الآن نيل رضا الغالبية الفاشية التي تحكم إسرائيل، وأن هذا العنصري شبتاي ليس إلا تحصيل حاصل لقيم الفاشية والفوقية اليهودية في المجتمع الإسرائيلي. الدم العربي من ناحيتهم رخيص، ورخيص جداً، ولا يمكن أن يتساوى مع الدم اليهودي”.
ومضى “التجمع الوطني” في إدانته للتصريحات العنصرية التي تتغذى من سياسات عامة: “مرّة أخرى تفضح إسرائيل نفسها بنفسها، ونعرف ما يجري عبر التسريبات. فأي باحث في تاريخ العرب في إسرائيل بعد النكبة يعرف كيف تسرّبت لنا تفاصيل مجازرها، من خلافات الفرق العسكرية بين بعضها البعض، أو من تباهي المجرمين بمجازرهم. عقلية النكبة لم تتغيّر، لا في نظرة الإسرائيليين لأنفسهم ولا في نظرتهم للعرب”.
ويرى “التجمع” أنه “ليس مهمًّا إقالة شبتاي من منصبه أو لا، قد يكون هذا مطلباً محقًّاً في دولة طبيعية، أو دولة كل مواطنيها، لكن في إسرائيل القضية قضيّة عقلية، وليست قضيّة تصريحات، وجهاز الشرطة نفسه جهاز عنصري، ووزير الشرطة وزير عنصري في وزارة عنصرية لا نتوقع منها شيئًا”.
كبقية الأحزاب العربية، اكتفى “التجمع” بالتنديد والدعوة للعمل دون مبادرة فعلية، وخلص للقول: “لا بديل عن نضال جماهيري على المستويين الشعبي المحلي والدولي لفضح هذه السياسات والقيادات العنصريّة التي تقود المؤسسة الإسرائيلية، وتستبيح الدم العربي بذرائع عنصريّة”