وطنا اليوم – خاص – تابعت وطنا اليوم ما تم من سجال حواري حول المقال الذي كتب الوزير السابق الدكتور رجائي المعشر تحت عنوان ” ‘الأردنيين المسيحيين’ وليس بـ ‘المسيحيين الأردنيين” مقال المعشر تناول قضية مهمة يمتاز بها المجتمع الاردني المتسامح حيث ذكر المعشر في مقاله بأن الاردنيين المسيحيين يصرون على تسميتهم بـ «الأردنيين المسيحيين» وليس بـ «المسيحيين الأردنيين» فهم أولاً وأخيراً أردنيون ولدوا على العقيدة المسيحية. وينتمي الأردني المسيحي إلى المنطقة التي يعيش فيها فهو أردني من ابناء البلقاء أو الكرك أو عمان أو مأدبا أو عجلون….إلخ.
والأردني المسيحي ينتمي إلى عائلته وعشيرته ويلتزم بتحالفات عشيرته مع عشائر منطقته. وهذه التحالفات لمن لا يعلم هي تحالفات عشائر مسيحية اسلامية وليست تحالفات عشائر مسيحية مسيحية أو مسلمة مسلمة. وأخيراً أذكّر بأن الأردني المسيحي عربي شرقي يفتخر بشرقيته وعروبته، ويفخر أيضاً بحضارته العربية الإسلامية وهو يتحلى بذات القيم والعادات التي يتحلى بها المسلم العربي.
واضاف المعشر أرى في بعض الأحيان لجوء قلة من المسؤولين وبعض المواطنين إلى رجال الدين لمعالجة قضايا لا تعنيهم ولا يجوز إقحامهم فيها لأنها في كثير من الأحيان تنعكس سلبا عليهم
أسوق هذه المقدمة لأنني في الآونة الأخيرة اشاهد ظواهر غريبة مرفوضة. فهناك من يحاول اختزال الأردني المسيحي إلى أقلية يتعامل معها بعيدا عن الحقائق التي ذكرت.
واشار المعشر الى ظاهرة أخرى أصبحت تستفز الأردني المسيحي هي اعتماد رجال الدين المسيحيين كممثلين للأردني المسيحي في المناسبات الاجتماعية أو في الشؤون السياسية
وهناك من يريد أن ينفي عن الأردني المسيحي دوره الوطني وعمقه العائلي والعشائري والمناطقي. وآخرون والحمد لله هم قلة يحاولون إثارة الفتنة من خلال خطاب الكراهية الذي يعتمدونه كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، عند وفاة أردني مسيحي أو في مناسبات أعياده على سبيل المثال. وآخرون عن جهل أو علم والله أعلم يحاولون إيجاد شرخ بين الكنائس المعترف بها في الأردن عن طريق تمييز كنيسة على أخرى في تعاملاتها مع مؤسسات الدولة. وآخرون يحاولون وضع تشريع للأحوال الشخصية للأردنيين المسيحيين ناسين أو متناسين أنهم أردنيون ويخضعون لجميع القوانين النافذة في البلاد.
وظاهرة أخرى أصبحت تستفز الأردني المسيحي هي اعتماد رجال الدين المسيحيين كممثلين للأردني المسيحي في المناسبات الاجتماعية أو في الشؤون السياسية. وأؤكد هنا أن الأردني المسيحي يحترم رجال الدين ويجلهم كونهم المرشدين الروحيين له، ويسمع الأردني المسيحي لأقوالهم في كل ما يتعلق بشؤونه الدينية والروحية. ولكنه يرفض أن يكون رجال الدين المسيحيين ممثلين عنه في علاقاته الاجتماعية أو في علاقاته مع مؤسسات الدولة. فرأى رجل الدين في الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي هو رأيه الخاص أو رأي الكنيسة إذا كان ينطق باسمها. ولهذا الرأي كل الاحترام،
ولكن هذا لا يعني أبدا أنه رأى رعيته. وكم من حالة كان فيها رأي الرعية مخالفا لرأي الكنيسة، أذكر منها توحيد الأعياد في الأردن فقد تم ذلك بالرغم من معارضة الكنائس ولإصرار الرعية عليه.
الأردني المسيحي مواطن يتمتع بكامل حقوق المواطنة وملتزم بكافة واجباتها. فهو يشارك في الانتخابات النيابية لاختيار ممثليه عن الدائرة الانتخابية التي يقطن فيها. وينتخب من بين المرشحين ممثلين عنه مسلمين كانوا أم مسيحيين. فهؤلاء هم من يمثلونه في علاقاته مع الدولة وليس رجال الدين المسيحي.
وكم من حالة كان فيها رأي الرعية مخالفا لرأي الكنيسة، أذكر منها توحيد الأعياد في الأردن فقد تم ذلك بالرغم من معارضة الكنائس ولإصرار الرعية عليه
وختم المعشر أردت توضيح ذلك لأنني أرى في بعض الأحيان لجوء قلة من المسؤولين وبعض المواطنين إلى رجال الدين لمعالجة قضايا لا تعنيهم ولا يجوز إقحامهم فيها لأنها في كثير من الأحيان تنعكس سلبا عليهم وتخلق خلافات بينهم وبين رعيتهم، والأولى برجال الدين أن يكونوا في منأى عنها.
وسيظل الأردني المسيحي ثابتا على العهد ملتزما بوطنه التزاما أزليا وسيظل الأردنيون المسيحيون على ولائهم الصادق الأمين لقيادتهم الهاشمية.
واستخدم المعشر في نهاية مقاله تعبير “ملح الأرض”.
بدوره العين طلال الشرفات عضو حزب الميثاق الوطني قال في رده على مقالة المعشر يقال ان السياسي لا يكتب كي لا يستثير اعداء الداخل، ولكن الوطني الشريف يهتز ” شاربه “
راقت لي كثيراً مقالة العين الدكتور رجائي المعشر عن الأردنيين المسيحيين وحضورهم الوطني المجرد وإصراره الشديد المدافع عن هوية الدولة الأردنية بعيداً عن اعتبارات الأعراق والطوائف والجهات وتوظيفها المجزّأ، مما يشكّل هذا ترسيخ راقٍ لحماية الواقع المشرق للدولة الأردنية بعيداً عن استحضار الألوان المرافقة، واستدعاء عوامل التقسيم التي تهدم وحدة الكيان الوطني، وتخرق مفاهيم التوحد التي شكلتها الفسيفساء الأردنية الجميلة وحملها البيروقراط الوطني بأمانة وعفوية وإخلاص حتى عهد قريب.
المجتمع الأردني مجتمع محافظ بسواده الأعظم، وبمسلميه ومسيحييه، ومهاجريه وأنصاره، مجتمع متجانس يتشارك بالحب، ويتعاطى الرفعة، وينبذ خيانة مضامين الهوية الوطنية الأردنية بأساليبها المدانة؛ المعلن منها والمشفّر ، ويؤمن بثنائية مقدسة للهوية الراسخة والرسالة النبيلة التي جسدتها تضحيات الهاشميين الأخيار منذ الثورة العربية الكبرى وحتى يومنا هذا.
رسالة الثورة العربية ومشروعها النهضوي أعطت للهوية الوطنية عمقها وصلابتها منذ تأسيس الدولة واستقلالها ونهضتها الباسقة بتوأمة خالدة بين الأردنيين وبناتهم الأوائل والهاشميين الأحرار الذين صانوا هوية الوطن من غدر المستعمر وصلف المحتل، وأخيراً وليس آخراً لاءات الملك المعزز الثلاث التي قطعت قول كل خطيب.
وبشكل مستهجن قال الشرفات تاريخياً ودون إجحاف؛ كان المحافظون وبعض العقلاء من الفئات الأخرى هم من حفظ للوطن أمنه واستقراره منذ الاستقلال وحتى الربيع العربي، والسبب يكمن في أن الإيمان لا يتغير في حين أن القناعات والصفقات السياسية تتغير وتتبخر وتندثر مع مصالح روادها، والمحافظون الأردنيون باعتبارهم عمق الدولة لن يقبلوا – بالقطع – أن تتحول هويتنا الوطنية الأردنية إلى لون يجسدها بعض المحظوظين والمترفين وشذّاذ النوايا ممن تسلل بعضهم إلى مواقع الحكم فظنوا زوراً أن هوية الدولة إلى فراغ او فراق، أو إزاحتها إلى لون يجاوز لون الدم والعلم بمعطيات مؤقتة فشل الليبراليون الجدد قبل عقود في مصادرتها، وكان مصيرهم يتأرجح بين القضيان والخذلان، وحقائب السفر والاختفاء. تلك الهوية المخضّبة بالدم لن تصادرها الوقيعة والتقية والنكران، هوية لا تنكر الألوان المخلصة، ولكنها لن تأخذ هوية الدولة إلى الاختبار المشين أو الوهم اللعين.
من يخلص للأردن وقيادته نطبع على وجنتيه كل القبل الشريفة أياً كان لونه او ثوته، واقتسام الحلم الأردني منوط بالإخلاص ومغادرة مساحات التقية السياسية الخبيثة، والشراكة الوطنية مشروطة بالنبل والصدق، والنصائح المعلّبة المبتورة ترتد على أصحابها، والمشورة الممهورة بالقلق، والتي لا تستند إلى شرف الموقع وأمانة المسؤولية ستكشف أصحابها طال الزمن أم قصر في هذا الوطن النبيل بشعبه الأصيل وقيادته الشريفة.
يقال ان السياسي لا يكتب كي لا يستثير اعداء الداخل، ولكن الوطني الشريف يهتز ” شاربه ” كلما أحس بنكران لهوية وطن او خذلان لقيادة جابت الكون من أجل رفعة الوطن ومصالح شعبه، الوطني المخلص، يحذّر دون ان يتهم، ويقرع الجرس دون ان يثير الذعر، ويتمنى صادقاً ان تكون مخاوفه هواجس حرص، فقد بات واضحاً ان شبق السلطة قد اعمى عيون نفر ليس بالقليل عند قدسية القسم وشرف المسؤولية، وبات اكثر وضوحاً عظم المخاطر وجسامة التحديات.
الهوية الوطنية الأردنية هي شمس الحقيقة ومساحات الإيمان الوطني نحو أفق التحديث والتطوير، وقبول الشراكة مع الوان الطيف السياسي الآخر مشروط بخطاب واحد معلن وواضح يؤمن ويلتزم بثنائية الهوية والرسالة دون لبس او ابهام.
فيما رد النائب السابق وعضو الحزب المدني الديموقراطي قيس زيادين على مقاله العين طلال الشرفات تحت عنوان “لكي لا نذهب بعيداً بحديث المعشر ” ، وقال زيادين من غير المنطقي ان تتحول قضية فنية تتعلق بالميراث بالدين المسيحي الى قضية تنصل من تاريخ او اصل
طالعت امس مقالا للصديق طلال الشرفات تناول فيه ابعاد من مقال القامة الوطنية الدكتور رجائي المعشر. الصديق الشرفات ابتعد قليلا بالتحليل واستعمل ديباجة “الوطنية” من باب ان كل من يخالف الراي هو غير وطني بمعنى او باخر.
الصديق الشرفات تناول الموضوع بطريقة لم يقصدها المعشر بالقسوة تلك ابدا. بل قامتنا الدكتور رجائي كتب بعمومية ودون اتهامية بل اقرب لدرس في التاريخ ولو اختلف جزئيا بقضية الميراث.
شخصيا تعلمت وساعلم اولادي اننا عرب اولا، اردنيون، كركيون مسيحيون ابناء هذا المشرق و هذه الارض، و مهما ازدادت ادوات الصهيونية برعايه و تشجيع خطاب الكراهية، لن تؤثر او تسلخنا عن عروبتنا و اردنيتنا.
فعندما تطالب مجموعه من “المواطنين” تعديل قانون يخصها، فهذه ليست جريمة، فالاردني المسيحي، يتزوج بكنيسة بموجب قوانين خاصة، يتعمد كذلك، و عند الطلاق تطبق الاحكام الدينية فلماذا عند الميراث يختلف الموضوع وتصبح وكانها انسلاخ عن العشيرة او الوطن؟
الموضوع بسيط، مطالبة بتعديل قانون معين لنبقيه ضمن حدوده، فتعديل قانون الميراث لن يقلل من عروبة الاردني المسيحي ولا من انتمائه ولا من فخره بعشيرته و تاريخ وطنه الذي تضرب به الامثال. الموضوع ابسط من ذلك، وحق لكل من يطالب به كما هو حق لمن يعترض عليه، لكن دون مزاودة وطنية.
مقال الدكتور رجائي كان متوازناً وعبر عن وجهه نظر قد اختلف بالذهاب بعيدا فيها، لكن البناء الاحق على المقال هو تجن على كاتب المقال وعلى من يطالب بالمساواة.
فانا مع المساواة مسيحيا بالميراث و هذا لا ينتقص من وطنيتي، بل ما ينتقص منها هو مصطلحات مثل التعايش و غيرها، فالاصل انها مواطنة.
دمتم بود