وطنا اليوم:لا تزال تداعيات تطبيق نظام “سويفت” الأمريكي تنعكس على السوق العراقية، والتي تشهد حاليا ركودا غير مسبوق وشحة في السلع الأساسية، وذلك جرّاء توقف الحوالات السوداء، والتلكؤ الحاصل في التحويلات المالية الرسمية التي تمر عبر المصارف المحلية.
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تطبّق الولايات المتحدة نظام “سويفت” المعرف محليا بـ”المنصة الإلكترونية” لمراقبة حركة الدولار في نافذة بيع العملة الأجنبية التابعة للبنك المركزي العراقي، وذلك لمنع عمليات غسيل الأموال وتهريب الدولار إلى دول الجوار، ولاسيما إيران.
تعطل التجارة
من جهته، قال المصرفي العراقي إبراهيم السامرائي، إن “أبرز تداعيات تطبيق المنصة الإلكترونية هو توقف الحوالات السوداء، والتي كانت المحرّك الأساسي للسوق العراقية، حيث كانت خلال دقائق يجري تحويل ملايين الدولارات، وهذا ميزته السرعة في التعامل التجاري للمستوردين”.
وأضاف السامرائي أن “الحوالات اليوم لا بد لها أن تمر عبر المنصة الإلكترونية والتي جرى تطبيقها بشكل مفاجئ بدون تهيئة الكوادر المصرفية في البنك المحلية في كيفية التعامل معها وإنجاز الحوالات بسرعة، فالبعض من الموظفين لا يميّز حتى بين الحروف الإنجليزية”.
ولفت إلى أن “توقف الحوالات السوداء تسبب بتوقع شبه تام للتعامل التجاري بين الداخل والخارج، وبدأت البضائع تتلاشى من الأسواق، وهذا ينذر بالتهاب الأسعار، لأن صغار التجار من الذين غير مسجلين بشكل رسمي لدى الدولة ولا يدفعون ضرائب هم من يحرّكون السوق باستيراد مختلف المواد”.
وأشار السامرائي إلى أن “الحوالات السوداء ارتفعت أسعارها، فاليوم يجري تحويل 10 آلاف دولار إلى تركيا أو الإمارات بنحو 400 إلى 600 دولار، بعدما كانت قبل تطبيق المنصة لا تتعدى 30 إلى 40 دولارا”.
وأكد المصرفي العراقي أن “توقف الحوالات السوداء، وتلكؤ التحويل الرسمي الذي لا يتم إلا بعد مضي 10 يوم إلى شهر كامل، سبب بحرج كبير للتجار الكبار المسجلين رسميا لدى الدولة سواء مع الجهات التي يستورد منها أو صغار التجار (الوكلاء) الذين يتعامل معهم بالدولار وبالسعر الموازي”.
ورغم خفض الحكومة العراقية سعر صرف الدينار إلى 1320 دينارا للدولار الواحد في 7 شباط/ فبراير الماضي وتطبيقه مباشرة، لكنه لا يزال في السواق الموازي (السوداء) يعادل نحو 1580 دينارا، وهذا ادى إلى ارتفاع كبير في الأسعار بالسوق المحلية.
إجراءات ضرورية
وفي المقابل، رأى الخبير الاقتصادي العراقي، الدكتور صلاح عريبي العبيدي أن “إجراءات الحكومة الجديدة المرتبطة بالبنك الفيدرالي الأمريكي كان لها أثرها في السوق العراقي، وذلك بارتفاع سعر صرف الدولار والسلع، لكن المنصة الإلكترونية هي ضرورية ومتبعة في كل دول العالم”.
وأضاف العبيدي أن “الكثير من التجار في العراق لم يتفاعل مع المنصة الإلكترونية على اعتبار أنها تحتاج إلى وثائق وإجراءات حقيقية، لأن منهم من كان يتعامل في السابق بطرق غير شرعية، وبالتالي يتهربون من الضريبة”.
ولفت إلى أن “المنصة الإلكترونية توضّح كل المفردات والاستيرادات والجهة المستوردة بوثائق رسمية وتذهب إلى الضريبة، لكن الكثير من التجار عزفوا عن التعامل معها وهذا أدى إلى حدوث إرباك في السوق العراقي وتوقف الكثير من الحوالات المالية للتجار، وبالتالي توقف تجارتهم وهذا يؤثر في الحركة السوقية وارتفاع الأسعار”.
من جانب آخر، يضيف العبيدي، أن “المنصة الالكترونية بحاجة إلى وقت للتكيف مع السوق العراقي، وأنه بمرور الوقت سينضم التجار إليها كونها المنفذ الوحيد ولا بديل عنها، وأن تأخر الحوالات يعود سببه إلى تقديمهم وثائق غير متكملة لأن المدة المحددة للحوالة من 7 إلى 15 يوما، وأن هناك توجيهات من البنك المركزي بتسهيل العملية والإسراع بها”.
وأشار إلى أن “التجار بالفعل يشكون من تأخر عملية الحوالات، لكن لا مفر من المنصة الإلكترونية، لأن بقاء الحوالات السوداء وتهريب العملة الأجنبية من البلد هو الذي أدى إلى تردي الوضع الاقتصادي وشحة الدولار”.
وأوضح العبيدي أن “البنك المركزي كان يبيع في السابق من 200 إلى 300 مليون دولار يوميا، لكن اليوم لا يبيع سوى 70 إلى 100 مليون دولار، وهذا يعطينا تصور كيف كانت تهرّب الأموال من العراق بطرق غير شرعية، وبالتالي يؤثر في الاقتصاد العراقي”.
وبيّن الخبير الاقتصادي أن “سبب الفجوة الموجودة حاليا بين السعرين الرسمي والموازي للدولار، لأن اجراءات البنك المركزي لم تؤت أكلها على الواقع العراقي، وذلك بسبب عدم الرقابة على المصارف التي تتسلم الدولار من مزاد بيع العملة وبالتالي تبيعها للسوق العراقية، واستمرار التجار بالتعامل مع السوق السوداء”.
وتابع: “إضافة إلى أن السوق العراقي يعتمد على الدولار كعملة أساسية في البلد بموازاة الدينار العراقي، وهذا غير صحيح، لذلك لا بد للبنك المركزي اعتماد اجراءات حقيقية تلزم الكثير من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص بالتعامل بالدينار العراقي، وتكون الحوالات عن طريق البنك”.
وأردف العبيدي، قائلا: “بعض المصارف والمؤسسات تستغل الفرق بين السعر الرسمي والموازي لتحقيق أموال طائلة من خلال المضاربات في السوق، وبالتالي لا تزال هناك فجوة كبيرة جدا بين السعرين، لذلك أن على الحكومة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة”.
وكان محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، قد أكد خلال تصريح له في منتصف شباط/ فبراير الماضي، أن المنصة وجدت لحماية القطاع المصرفي، فيما أشار إلى عزم البنك المركزي على استقرار سعر صرف الدولار.
وقال العلاق لوكالة الانباء العراقية، إن “المنصة الالكترونية الجديدة لتجنب وقوع أية عقوبات على الجهات التي تقوم بعمليات التحويل سواء كانت مصارف أو غيرها، فهي حماية للقطاع المصرفي وللبنك المركزي وللبنوك من الوقوع في أي اشكال يتعلق بالتحويلات المالية الخارجية وهذا يخدم جميع الأطراف”.
وحول سعر صرف الدولار أوضح العلاق، أن “مسؤولية البنك المركزي إغلاق الفرق في سعر الصرف، وخطواتنا جادة وحثيثة، ونتلقى دعماً كبيراً من جميع الاطراف لتحقيق الهدف”، مضيفا، أن “مباحثاتنا مع صندوق النقد الدولي كانت مثمرة جدا واتفقنا على البرامج التي تخدم بشكل مباشر وغير مباشر لتحقيق هذا الهدف”
