‏هذا خيار الملك والأردنيين ، معا

6 فبراير 2023
‏هذا خيار الملك والأردنيين ، معا

حسين الرواشدة

أهم سؤالين يجب أن نفكر بهما ، ونتكاتف للإجابة عنهما في هذه المرحلة ، هما : ماذا يريد الأردنيون من الدولة ؟ وماذا تريد الدولة من الأردنيين ؟

أعرف ، تماما ، أن الإجابات سهلة نظريا، وأن في “الدستور ” والقوانين والمواثيق ما يكفي لحسم كل ذلك ، لكن ما أقصده هو التوافق عمليا ، في سياق الواقع و الممكن ، على بناء مرحلة مختلفة ، او- أن شئت – الخروج من دائرة التلاوم والشك والاتهامات المتبادلة ، ومن إطار الاستعصاء والاقصاء والمزايدة ، والوضع القائم بكل ما فيه ، الى واقع جديد ، عنوانه المكاشفات والمصالحات ، وصولا إلى “وئام وطني”، نتجاوز فيه اخطاءنا ، ونفتح صفحة جديدة ، لأردن جديد فعلا .

إذا سألتني : لماذا ؟ سأقول بصراحة: إن بلدنا بانتظار مرحلة صعبة ، وربما اصعب مما نتصور، لا يمكن أن يتحملها أو يواجهها ونحن بمثل هذه الحالة التي نعرفها ، ونكاد نجمع على تشخيصها، لا يكفي أن نوّزع فيما بيننا تهمة المسؤولية عما جرى ، وما قد يجري ، لان أية خسارة تداهمنا لن تستثنى احدا.

الأردنيون يجب أن يفهموا هذه المعادلة ، وإدارات الدولة يجب أن تستعيد همة الأردنيين ، وترفع الوصيات عنهم ، ليباشروا مهماتهم الوطنية برضى وقناعة ، هذا هو الحل الوحيد لصناعة “المناعة الوطنية “، و القوة والصمود ، على مساري النظام السياسي ، والجبهة الداخلية .

من أين نبدأ ؟ الدولة بكافة إدارتها ، والمجتمع ‫بكل فئاته، مطالبون بترسيم حدود علاقة استعادة الثقة بينهما ، بدون الثقة سنظل ندور في حلقة مفرغة ، نستهلك فيها طاقاتنا ونقاشاتنا ، ونهدم كل ما بنينا من انجازات ، مطالبون ،أيضا ، بطرد حالة الأحساس بالعجز التي تلبسناها ، و امتلاك الإرادة الحقه بأننا قادرون على الإنجاز والفعل والتغيير ، وأن بلدنا لديه من الإمكانيات البشرية ، والموارد الطبيعية ، ما يكفي ، وربما يزيد ، للانطلاق نحو محطة فارقة ، من خلال تحول حقيقي استدعته اللحظة التاريخية ، بما فيها من أزمات خانقة ، أو تهديد وجودي ،ولا مجال للهروب من هذه اللحظة ، أو التكيف معها ، وإنما خيارنا مواجهتها فقط.

هل نحن جاهزون لذلك؟ منذ نحو 30 عاما شهد بلدنا ثلاثة تحولات سياسية ، اثنان جاءا في سياق مطالب من الشارع ، ثم استجابه من النظام السياسي (1989و 2011) ، فيما جاء الثالث بمبادرة من النظام السياسي دون أي ضغط شعبي ، تمثل ذلك بإطلاق منظومة التحديث في مساراتها الثلاثة، ما يعني أن الدولة ، من أعلى مرجعيتها ، أجابت- نظريا- عن السؤالين اللذين طرحناهما سلفا .

صحيح أن البيروقراطية ،في بعض الإدارات العامة ، ما زالت “تتمنع” عن الدخول بجرأة في مسارات التحديث ، صحيح، أيضا، أن المجتمع لم ينخرط كما يلزم فيهما، حتى الآن، لكن المؤكد أن الإرادة السياسية أصبحت محسومة باتجاه التحديث أو الاصلاح ، وأن التأخير أو زرع الإعاقات ، مسألة وقت ستنتهي ، ولا بد أن تنتهي ، لانه لا مصلحة لأحد ببقاء الوضع القائم على ما هو عليه .

على ماذا يجب أن نراهن؟ بصراحة ، على فاعلين أساسيين ، الأول : إرادة الملك و رغبته لتحديث الدولة ، وهذه اجزم أنها موجودة و محسومة تماما، الملك هو الذي حرك هذه العجلة ، وهو الذي يدفع باتجاه ضمان سيرورتها بالاتجاه الصحيح ، سبق وأشرت انه قال ذلك بوضوح ( لن اسمح لأحد ان يتدخل في ذلك ).

الثاني: المجتمع ،بكل قو اه ونخبة و طاقاته، إذا تمكن من طرد هواجسه، وخرج من حالة السواد العام ، وتجاوز المعوقات البيروقراطية ، وسطوة المناخات المفرطة بالخوف والتشاؤم ، ومصائد التيئيس التي تنصب له ، (وهي موجودة للأسف )، فإنه سيكون بمثابة الدينامو المحرك للعجلة التي اطلقها الملك ،والمعين له لتحقيق ما يريده، عندها -فقط – ستتحرك إدارات الدولة كلها في هذا الاتجاه ، دون إبطاء ، وسيكون عنوان المرحلة “ممنوع الخطأ “، وممنوع إعاقة التحديث الذي تلازمت فيه الإرادة السياسية العليا، مع الإرادة الشعبية.