عبد الفتاح طوقان يكتب… المجالي الاب و الشيخ و رئيس مجلس الوزراء لا الوزراء

4 يناير 2023
عبد الفتاح طوقان يكتب… المجالي الاب و الشيخ و رئيس مجلس الوزراء لا الوزراء

. م.عبد الفتاح طوقان

عند الحديث عن شيخ بحجم  الدكتور عبد السلام عطاالله  المجالي ، رئيس الوزراء الأردني الذي رحل فارسا وما رحل من قلب ووجدان الشعب الاردني، يكون من الصعب إعطائه حقه لانه نموذج فريد من الرؤساء اتسعت عبائته للجميع وكان بحجم الاب الناصح الحنون والعاشق لتنشئة أجيال مرتبطه بالوطن ، ساعيا للحقيقة وان كانت مؤلمة لكن خبرته الطبية ومنذ عاد من سوريا حيث حصل علي اجازة في الطب عام ١٩٤٩، وهو المداوي  لهموم الوطن السياسية والمعالج لامراضه حتى وان كانت وصفاته مره لكن شخصيته ودفء حديثه ورؤيته للمستقبل وصوته الهاديء وخلفيته الطبيه كانت تخفف من مرارة وفرط علاج اضطراب القرارات السياسية وهو ما حدث في معاهده وادي عربه علي سبيل الذكر لا الحصر وهو الذي ترآس فريق التفاوض وكانت له اراء جديره ان يستمع اليها، ولكن …..!!!.

عرفته اثناء ترآسه الجامعة الأردنية  عام ١٩٨٢ وهو الذي تراسها  أعوام ١٩٨٠ – ١٩٨٩من خلال دعواته المستمره لتناول الغذاء بمعيته وسمو الأمير الحسن للشباب و الشابات، من داخل و خارج الحرم الجامعي ومن المحافظات كافة، وكان يجلس في الصفوف الخلفية وبجانبه الأمير ويترك للشباب إدارة الحوار والنقاش و يستمع بهدوء الاب الحاني ويتحاور حولها مع امير الشباب آنذاك وولي العهد الأمير الحسن بن طلال امد الله في عمره.

و كانت أبواب مكتبه مفتوحه للجميع بدون أي موعد مسبق لحل كل المشاكل و مساعده المحتاجون من الطلبة  مثلما كان منزله في الدوار الرابع و الخامس في مدينه عمان ،عندما تسلم منصب رئيس الوزراء لفترتين ١٩٩٣- ١٩٩٥ و ١٩٩٧ – ١٩٩٨،   كل ثلاثاء نجتمع مع جمع كبير من الوزراء والاعلاميون والمثقفون في امتع واجرآء حوارات و نقاشات سياسية كان تراقب أداء حكومته اكثر مما يفعل مجلس النواب،  وكان أيضا يترك المجال للجميع ان يتحدثوا وينتقدوا ويصبون ما في عقولهم في بوتقة تصهر تلك الأفكار لتتحول الي واقع سياسي.

 و كان يحرص علي اعلام حر وطني صادق لا نفاق ولا رياء،  وقالت لي الإعلامية العربية في لقاء عشاء في بيروت بشارع مونو بوجود المرحوم سمير القصير ،و الصديق الإعلامي البارز  نخله الحاج مدير اخبار فضائية العربية ، الصديقة جزيل خوري وهي المذيعة اللبنانية الشهيرة و نقلا علي لسان دولة الرئيس عبد السلام المجالي، ان الملك الحسين طلب برامج حوارية بسقف عال، و قد عهد لي المجالي بذلك لكنه تفاجىء ان الحوارات بدون سقف او خطوط حمراء فخشى ان ينزعج الملك الراحل ، خصوصا و ان الحلقات تتوالى و الخطوط ترفع واحده تلو الأخرى. وابلغها أن الملك الحسين و الأمير زيد بن شاكر قد ايدوا ذلك الحوار، فاطمىن قلبه بعد ان كان يعتقد ان قطار الاعلام اسرع مما يجب . و راجعني مازحا ” يا عبد هل انت من تشكل الحكومات و السياسات ” فضحكت وابلغته ان هناك خط مفتوح مع الأمير زيد بن شاكر وهنا ارتاح و اخبرته ان دولة زيد الرفاعي قد اتي للتلفزيون بالأمس و استقبله مديره الأستاذ هاشم خريسات وكنت بمعيته علي باب التلفزيون فقال لي الرفاعي ضاحكا “يا عبد اتابعك وصوتك يصهلل ويزآر مثل الأسد يفرز كل جرح غافي”، فقلت له دولتك هذه شهاده اعتز بها”  . و لكن في يوم اخر طلبني الي مكتبه و أعاد ما قاله لموقف اخر حين اقيل وزير الاعلام ومعه اخرون من حكومته بعد تصريح “عدم صحة ما حدث لخالد مشعل ”  ولتلك قصة فيما موقع اخر.

الفرق بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء:

كانت رؤيته للاشياء دليلا علي انه من كبار الشخصيات لا من حاملي اسم المنصب ، و في ذات مره قال في اجتماع الثلاثاء بطاقة ملئت فمه عندما خاطبه اخد الحضور يادولة رئيس الوزراء فاجابه :” انا لست رئيس الوزراء ، انا رئيس مجلس الوزراء وهناك فرق هائل بين وظيفة عليا ومهام سياسية تبني علي الخبرات” و عندما سئلته طالبا توضيح المقصود من حديثه افاد :” هناك فرق هائل بين رئيس وزراء  يتبع كل وزير قرارته و لا يمر قرار الا بموافقة الرئيس نفسه و حسب رغبته و ميوله  ويكون مسؤولا امام الملك عن أداء الفريق، وهو نظام ديكتاتوري غير فاعل و لكنه متبع في بعض من الجهوريات العربية ، يجعل كل الوزراء مجرد كمالة عدد ، بينما رئيس مجلس وزراء الأردن هو منصب اداري يمثل فيه الرئيس قانونيا مجلس الوزراء ، ويعني ان كل وزير مسؤول بشكل كامل عن السياسات الخاصة بوزارته و مشارك في تحمل المسؤولية الجماعية مع زملائه الوزراء والقرار بالأغلبية حيث دور رئيس مجلس الوزراء هو إدارة الجلسات التي تعقد وتحضير جدول اعمال المجلس ، التنسيق بين الوزراء  و يخضع هو وكامل وزرائه للمسؤولية و المسائلة امام برلمان منتخب بشقيه مجلس النواب و الاعيان “.

و للأسف فان اغلب من تسلموا كانوا من الصنف الأول و قليل من كانوا بهده الروعه و الروح الديمقراطية .

رئاسة وفد التفاوض ” و محاولة عدم ابقاؤها صورية ”  :

دعى الرئيس د.عبد السلام المجالي الي اجتماع في نادى الملك الحسين واطلق عليه اجتماع ال٧٥ حيث ضم ٧٥ شخصية مثلت كل الأحزاب و التوجهات و الشباب تحت شعار اطلقه الملك الحسين ” الازدحام يعيق الحركة” ، وحظيت بتلك الدعوة من قبل الرئيس المجالي ، لبيتها بحراره حيث كنت طامحا في ان يكون حزبا اردنيا وطنيا غير مرتبط مع الأجهزة الأمنية ولا التنظيمات الخارجية او ممولا من الخارج و كانوا كثرة في الساحة للعلم .

وقبل ان ينتهي دولة د. عبد الرؤوف الروابده  – الذي تسلم منصب رئاسه الوزراء لاحقا كواحد من اقوى الشخصيات الكاريزمية و التنفيذية – من انهاء كلمته التى كانت بداية انطلاق حزبه الذي اختار له اسما براقا يدل على التوجه  “حزب اليقظة ”  جاء هاتفا خاصا للرئيس المجالي و اعلن بعد عودته من الرد علي الهاتف ان جلالة الملك الحسين وقد ابلغه باختياره رئيسا لوفد التفاوض مع الجانب الاسرائيلي و ضروره حضوره للقصر.

اعتذر المجالي عن اكمال الجلسة وخرج مسرعا و خرجت معه وكان يضع يده علي كتفي وهو الذي كان بمثابة الوالد و الموجه رحمه الله . قلت له ، دولة الرئيس لا تتسرع في الموافقة علي كل ما يعرض عليك من الجانب  الإسرائيلي فهم أعداء يبحثون عن مصالحم في   اتفاقات مشؤومه ولنستفيد من اخطاء تجربة السادات ” المهرول في أحضان إسرائيل راغبا في الظهور كبطل حرب و سلام غير عابئا بالنتائج” ،  فاجابني :” يا عبد لا توصي حريص ” و رددت عليه ” و ذكر ان نفعت الذكري ” و دلف مسرعا الي سياره مرسيدس سوداء و بجانبه احدالحرس لمقابله الملك الحسين رحمه الله .

مذكرات الدكتور عبد السلام المجالي “رحلة عمر “:

اجتمعت مع الدكتور المجالي مجددا في فندق البستان وهو في طريقة الي الباكستان ، بعد انتهاء المفاوضات و خروجه من الحكم ،علي حدود امارة دبي و الشارقة بمفردنا في غرفته الخاصة بالطابق الأخير من فندق البستان ، نتحدث  بينما دولة الدكتور عدنان بدران ( لم يكن بعد رئيسا للوزراء” نائما علي اريكة غافيا و الوقت ليلا في غرفة مجاورة لكننا نراه ممدا وهو يشخر تعبا) ، و قال لي الدكتور المجالي انه اثناء التفاوض كان الملك الحسين يقوم بمطالعة حثيثه ومراقبة لكل ما يحدث من حوارات و لديه كاميرات خاصة لذلك وضعها الفريق سعد خير نائب مدير المخابرات  قبل ان يصبح مديرا لها ، في أماكن التفاوض غير ظاهرة للعيان وفي فندق المريديان بعمان ومدينة العقبة .

 وأضاف الرئيس المجالي ” أبو شادي” كما يطلقون عليه انه ذهب للملك الحسين قائلا :” جلالة الملك رجاء حار الا تقبل مسبقا بكل ما يعرضه الإسرائيليون ، واجعلنا نفاوضهم لا نتفاجيء بموافقتك المسبقة ودون علمنا،  واذا لديك ياصاحب الجلالة أي قرار او اراء نحن ملتزمون بها لكن ليآتي التوجه من خلالنا والا ما فائدة لجنة تفاوض ؟، فما كان من الملك الحسين الا ان نهره وغادر الغرفة تاركا إياه وحيدا .

والقصة الثانية حدثني عن خطورة باسم عوض الله وارتباطه وتوجهاته وانتهازيته والاجنده التي يحملها، و لكن عندما صدرت المذكرات التي تحمل ” رحلة العمر…من بيت الشعر الي سده الحكم ” و صدرت في ٤١٨ صفحة عام ٢٠١٣ ، راجعته عن سبب عدم ذكر الوقائع الهامة فيما نشر من مسيرته علما  ذكره محاولة الانتحار في لندن وخطفه من قبل الفدائين وهو وزير في عمان ، ولماذا تغاضي عن بعض مراحل أوصى فيها بحل البرلمان الحادي عشر وسن قانون الصوت الواحد بناءآ علي طلب من الملك و بمساعده احد اهم وزراء الداخلية ومفكريها سلامه حماد الحاصل على دراسات القانون من فرنسا ، فقال لي وهو الاكاديمي و السياسي العريق” المعني في بطن الشاعر وانت من عآئلة كلها شعراء و ساسة، لا داعي للاستفاضه و ضحك ضحكته المعهوده ” ففهمت قصده رحمة الله عليه.

رحل العم و الاب و الشيخ و الطبيب و رئيس الوزراء الابي الشهم و المتواضع ، المفكر و الاكاديمي الذي رفض بشده تعيين وزراء أوصى بهم صديقه الأمير الحسن و غيرهم ، وبقت ذكراه و صورة تجمعنا في مقهى نجيب محفوظ بالقاهرة في منطقة خان الخليلي ، دولة الرئيس عبد السلام المجالي، معالي سامي قموه، دولة الدكتور هاني الملقي ( كان حينها سيفر الأردن في القاهره) مهر علي ظهرها بخط هاني الملقي و املاء الدكتور عبد السلام المجالي في بيت السفير الأردني بالقاهره و بحضور الأخ  قائلا اكتب ياهاني :” دولة عبد السلام المجالي، معالي سامي قموه، معالي هاني الملقي و معالي د.عبد الفتاح طوقان ” فاعترض هاني قائلا سعادته فهو ليس وزيرا بعد ، فاجابه المجالي هذه وصيتي لك عندما تآتي رئيسا للوزراء، رحل المجالي العاشق لتراب الأردن واحد كبار رجالاتها ممن خرجوا “أجيال و أجيال ” تحترمه و تحبه و تقدره أبا و شيخا ورمزا شامخا لكل من اردا يوما ان يصبح رئيسا “لمجلس الوزراء “.

الفاتحة