بقلم : سهل الزواهرة
لا عصا إلا عصا مُوسى الكليم أما فرعونه فأشباهه كثيرة في كل زمان و مكان يُطِلُّون بِرُؤوسهم المُتخمة كِبرًا لا يُرهقهم تقلبات عداد السنين أو تزاحم الفُصول و اضطرابها ، نَسَلتهم أُمهاتهم و في أفواههم ملاعِق من ذهبٍٍ يأكلون بها العسل و يبيعون الأخضر و يحرقون اليابس و يَشِبُّون و على أكتافهم بنادق محشوَّة برصاصٍ و فتنةٍ يَذودون بهما عن حِرزِ آبائهم و غنائم أجدادِهم من طينٍ و حُدودٍ تَورَّثوها فأورثوها كبقرةٍ لا تَسرُّ إلا إياهم و نواظر فِرق التحميد و التبجيل التي تسير بنسق النفع خلفهم حمايةً أو أمامهم فداءً أو عن أيمانهم و شمائلهم استعراضًا و استعلاءً، و تتهاوى في ظل تلك المعادلة البغيضة كل ما سواها من أمور فتتأخر مُرغمة، فالفقر يغدو قدرًا و الغلاء قضاء و البؤس واقعًا و تُلقى الأسباب على كل تافه و عظيم تَهربًا من غُرم المسؤولية و اللحظة.
و تنتشر خُطب التخذيل و مواعظ التسليم و تسير بهما رُكبان النِفاق و قوافل الحِبر الرخيص لتُرسخ حقائق مزعومة لم يألفها حتى إنسان الغاب الاول ، أكاذيب تقوم على تعبيد الخلق و شركنة الأوطان و تحويلها إلى حُصون من ورق لا تقي إلا أصحاب الحُظوة و أولياء النعم الذين يتخذون الأمانة وظيفة و الأثواب ريشًا يُحلِّقون به فوق جراحات الأجيال و تاريخ الأرض الضارب في الجُذور فيجعلونه كأنه وُلد أمس فلا قيمة إلا بِتِبرِهِم المُقدَّس و لا صوتَ إلا رجع صدى نشيدهم الحصري المكتوب على ألواحٍ من معدنٍ أُنزل ذات تاريخ و غفلة ….
على كل سُلطة سواء اختارها شعبها أو اختارت نفسها لشعبها أن تدرك أنها موجودة لخدمة و رفاه ذلك الشعب ما أمكنها و ليس تسخير الشعب ذاته لرفاهها هي وخدمة بقاءها و جعله مُجرد سلعة في سوقٍ تَصبُّ كل أرباحه في جُيوب تلك السلطة و أدوات ترسيخها ، و أن أسوأ دور قد تُمارسه سُلطة في زمان ما هو اختلاق تناقضات مُصطنعة بين جهات و لايتها و تأليب الكل ضد البعض بِحجج واهية زاعمةً أن الخطر من ذلك البعض يستدعي التكاتف و الحذر ، مُتناسية أن الإضعاف لا يمكن أن يكون طريقة لتخليق قُوة و أن التفريق لا يَسود مُمارسه و لو اقنع نفسه بذلك ، و أن منطق التلغيم الاستباقي و المغامرة بالمراهنة عليه غالبًا ما ينفجر في وجه أصحابه و أن التحريض ليس إلا أداة إفلاس و كذلك الإنكار هو أداة لتسعير الفوضى و أن الفرز الولائي لا يُمارسه أهل النباهة و الحِكمة في عهود زالت فيها جبال التعمية و رُدمت أودية التضليل ، و أن أفضل من يعي التاريخ هو من يقرأه فيتعظ فيحذر لا من يتوهم أنه يصنعه فيغفل فيسقط ….