حسين الرّواشدة
السؤال الاهم الذي تطرحه استطلاعات الرأي المتعاقبة ، ويتكرر باستمرار : هل تسير الأمور في الاردن بالاتجاه الصحيح ؟ النتائج غالبا ما تأتي مخيبة للامال ، (18%) فقط من المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن الأمورتسير بالاتجاه الصحيح، فيما يرى 80% من الأردنيين ( حسب آخر استطلاع / تشرين الاول 2022 لمركز الدراسات الاستراتيجية) ان الامور تسير بالاتجاه السلبي (نقطة).
عندما يكون السؤال الى اين نسير: في الاتجاه الصحيح ام الخاطئ ؟ لا يهم من هو المقصود بذلك: الحكومة ام ادارات الدوله ام المجتمع، صحيح ان الحكومات ( ومعها ادارات الدولة ) تتحمل مسؤولية ما انتهى اليه المجتمع من خيبات وانكسارات، لكن الصحيح ،ايضا ، أن المجتمع باحزابه ونقاباته وقواه المختلفة ،مسؤول ايضا عن هذا المصير، سواء حين صمت عن الكلام ، او انسحب من الواقع ،او شارك في الخطأ، او جلس متفرجا على الشرفات.
ما اقصده ،هنا، هو ان ازمتنا لا تتعلق فقط بأداء الحكومات التي تعاقبت علينا، ولا بنهاية صلاحية النخب الوظيفية التي تطفو على سطوح المجال العام، او الاخرى التي تغلغلت فيه، وانما تتعلق ،ايضا، بمجتمع فقد بوصلته ،وانكفأ على نفسه ،ولم يفلح في تحديد مساراته ، وافراز افضل ما فيه.
هنا كان يجب على الدوله -بمختلف مؤسساتها واجهزتها – ان تتدخل لتصحيح خياراتها، والتدخل يحتاج الى مسألتين : اولاهما دفع حركة السياسة التي تعطلت منذ سنوات لتكون فاعلا حقيقيا ومقنعا، ثم تغيير نهج السياسة نحو اتجاهات اخرى تتناسب مع حاجات الناس ، وما جرى من تطورات في الداخل والاقليم والخارج، وما افرزته السياقات الاقتصادية من خوف وخيبة ،واحساس بالتهميش ،وغياب العدالة ،والخطر القادم.
اما المسألة الثانية ، فهي اعادة “الهيبة” والاحترام للمجتمع ، والتوقف نهائيا عن العبث فيه، وافساح المجال امامه لكي يشارك ويكون حاضرا في المشهد العام، وهذه كلها تحتاج الى ردم فجوة الثقة التي اتسعت بينه وبين حكوماته ومؤسساته، كما تحتاج الى “تمكينه” من تنظيم نفسه بنفسه، وتحديد خياراته، وبناء قدراته وتحصين جبهاته الداخلية.
اذا اضفنا للمسألتين السابقتين ما يجري حولنا من تصاعد لحالة الصراع ، واحتدام الحروب والمواجهات، ثم الاشتباك الدولي على المنطقة واقتراب مرحلة تقسيم الغنائم بين الكبار الدوليين والاقليميين، فيما سمي ب”بصفقة القرن” التي بدأ تنفيذها فعلا ( بعد عودة اليمين الصهيوني للحكم) ، فان السؤال: هل ما فعلناه حتى الآن يتناسب مع طموحات الاردنيين ، ويردّ حيرتهم ، ويطمئنهم بانهم انجزوا وحققوا ما يستحقونه، وبأن بلدهم الذي ظل صامدا في مواجهة العواصف التي اجتاحت عالمنا العربي سيكون قادرا على مواجهة التحديات المتوقعة القادمة؟ هذا السؤال ليس مشروعا ووجيها فقط، وانما ضروري وملح في آن معا.
لا املك اجابة واضحة او تقديرا للموقف السياسي العام في بلدنا، لكنني استطيع ان اقول : اننا لم نغادر بعد نقطة اللايقين السياسي لاسباب قد تبدو غير مفهومة احيانا، والاهم من ذلك ان ثقة الناس بمؤسساتهم ونخبهم تراجعت، فيما لا تزال الاخطار الداخلية (الاقتصادية تحديدا) تتصاعد، وفرص الامل والفرج تتضاءل.
يمكن ان اقول ايضا بشكل عام فيما يتعلق بالملف الداخلي الذي يشكل “مركزا” لحصانة الدولة وتمتين جدرانها لمواجهة اي خطر: اذا كنا نريد ان نسير على طريق السلامة يجب ان نؤسس لمرحلة من التقويم والنقد والحراك المجتمعي ، لا للتسليم بالواقع والمحاصصة وتقليب المصالح والمواقع وفق المعادلات القائمة، وهذا يحتاج الى مصلحين ، و سياسيين حقيقيين ، ونخب صادقة ، ومناهج وبرامج سياسية ، والى قيم وطنية وسياسية واجتماعية تتجاوز ما ألفناه من قيم الشطارة ، واعراف البزنس ، ومقولات الجغرافيا ، واعتبارات المكافأة والترضية ، ومبررات تقديم اصحاب الحظوة على اصحاب الكفاءة.
لا ادري اذا كان ما نكتبه يصل لأسماع المعنين ام لا ؟ ما علينا ، واجبنا ان نفعل ذلك دون كلل او ملل .