سليمان الطعاني
إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم أنهم معرّضون للأخطار التي قد تداهمهم في أي وقت، وحذّرهم من أن أمنهم تحت التهديد، وأن اقتصادهم في مهب الريح، ثم شكّك في وطنية معارضيك، وبذلك تستطيع ان تسيطر عليهم وتمرر مخططاتك واجنداتك التي تريدها، هذه الاستراتيجية الإعلامية التي طبقها هتلر لتعبئة ألمانيا لدخول الحرب العالمية الثانية.
أدرك هتلر أن الإعلام هو الوسيلة القادرة على هذا الفعل باستخدام الترويج والتضليل والكذب. فعيّن جوبلز وزيراً للدعاية، والذي أسس فن الدعاية السياسية وروّج للفكر النازي وصاحب شعار، أعطني إعلاما بلا ضمير أعطِكَ شعباً بلا وعي.
بعبقرية إعلامية خبيثة أثرت وألهمت شعبًا، رسخ جوبلز مفهوم “البروباجندا السياسية”، ولا زالت كلماته محفورة في أذاهان كل من أرادوا تمرير السياسات على شعوبهم بالكذب، اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، سياسة تأطير تجعل ﻋﻘﻠﻚ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻻ ﺇﺭﺍﺩﻳﺂ، ﻭﻣﻨﻌﺖ ﻋﻘﻠﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ المتاحة، أسلوب ﻗﻮﻱ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺿﻊ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﻫﻤﻴﺔ ﺗﻘﻴﺪ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ! “فن إدارة الأوطان” بالأكاذيب والأوهام التي ليست من الواقع في شيء والتي تجعل الناس لا يرون الا ما يرى أصحاب نظرية صناعة الكذب.
الإعلام المظلِل ظل دائما يوهم الشعوب بالانتصار الحتمي القادم في النهاية، أو الرخاء المنتظر في المستقبل القريب، وأن احلامهم سوف تتحقق في النهاية وما على الناس الا الصبر والصبر فقط أمام الفقر والعوز وضيق ذات اليد لأن وطنهم يستحق منهم ذلك وأمام الارهاصات والالام التي يواجهونها إن هم أرادوا الخير لوطنهم!!
أوهام وأكاذيب نراها يومياً عبر الإعلام تكسب بها الحكومات وقتا أطول وعمراً أطول، بإعطاء الآمال الكاذبة وخلق السراب الذي يزيد من تحمل الجميع للأوضاع الصعبة، وتغذية الوهم والأمل الزائف وخلق بقعة ضوء في الأفق يطيل حتما في عمر المعاناة دون تقديم حلول ناجعة وبرامج صحيحة.
ليس هناك أبشع من تغييب رأي الناس واحتكار الوطنية، وتضليل الوعي بتزييف الواقع بالكذب الممنهج .
يبقى تضليل الاعلام كذباً، وتلاعباً بالعقول ويخدم سياسات واجندات، ولكنه كذب ممنهج، يُراد به ما يراد، فالخبر والمعلومة كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتناً، وإذا مرت على الطيب حملت طيباً.
إعلاميو اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، هؤلاء المتلاعبون بالعقول إن كانوا يستحقون من الناحية المهنية بعض التقدير فانهم من الناحية الأخلاقية يستحقون كل احتقار.
الكذب في الإعلام لا يدوم طويلا، وسيكون أقصر في السنوات القادمة، مع ازدياد أدوات التحقق من المعلومات سواء من قبل الإعلاميين أو المتابعين أنفسهم، الأمر الذي يجب أن يدفع الصحفيين إلى الالتزام بالحقيقة دون محاولة خلق أي أكاذيب أو إضافة معلومات زائفة، حتى وإن كانت بهدف تدعيم رسالة القصّة الإخبارية، لأن غاية خدمة القضايا الإنسانية العادلة لا تكون عبر وسيلة الكذب والتضليل.