التعامل مع المرض المزمن لاحد الزوجين

27 نوفمبر 2022
التعامل مع المرض المزمن لاحد الزوجين

لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً )                                          د.سمير ابومغلي)

مهني ارشاد نفسي

 ( بالسراء والضراء ، بالصحة والمرض ) هذه العبارات التي اعتدنا سماعها من كاتب العقود عندما ينهي توثيقه للزواج وهي النصيحة الاولى للزوجين قبل بدء حياتهما المستقبلية كشريكين تعاهدا على دعم بعضهما البعض في السراء والضراء وكلبنة جديدة تضاف للبناء الاجتماعي تمارس دورها بكل دافعية الاستبشار بالحياة الزوجية والاسرية السعيدة والتفاؤل بديمومتها والعمل عليه هو سبيل نجاحها ’ والايجابية في الحياة هي الاصل ولكن مع ذلك يجب على الزوجين ان يضعا باعتبارهما ان الحياة مهما كانت جميلة وممتعة الا انه قد يطرا مايعكر صفوها ويقلب ميزانها وعليهما الاستعداد النفسي لكل ماهو طارئ , وكما اعدا انفسهم لفرحها وحبورها عليهم الاستعداد لشقاءها ونصبها وتعبها 

تمر الحياة الزوجية ومنذ لحظتها الاولى بالعديد من المواقف الضاغطة التي تشكل تحديا واختبارا للكشف عن متانة او ضعف العلاقة بين الزوجين وتعطي مؤشرا على جودة الحياة الاسرية ومتانة بنيانها , فالوضع الاقتصادي او الاجتماعي او الصحي سيلقي يوما ما بظلاله على هذه العلاقة فاما ان تصمد وتتعاضد وتتحد وتواجه واما ان تنهار وتتفسخ وتنهار 

المرض ذلك الضيف المفاجئ الثقيل الذي يحل ضيفا مكروها على الاسرة فيصيب أحد الزوجين بمرض يؤثر في  حياتهما تأثيرًا شديدًا، ويهز بعنف كيانهما ويغير من ادوارهما ، ويقع العبئ الأكبر في الغالب على الطرف السليم، الذي عليه أن يتحمل أعباء إضافية كبيرة.

ياخذ المرض اشكالا مختلفة ويتباين في شكله وشدته , كذلك تتباين درجة الارتباط بين الزوجين ومتانة الرباط بينهما , ولكل حالة مرضية انعكاسها المختلف  على الزوجين , فالمرض العابر والقابل للشفاء وسريعه حتما لايتساوى في تاثيره مع المرض المزمن ، او المعيق الا ان التحمل والصبر او الانفصال يبقى متوقفا على متانة البناء الزوجي ودرجة الارتباط وعمق المحبة .

نرى في العيادة النفسية وخاصة في جلسات الارشاد الاسري كثيرا من الحالات التي انهكها المرض ليس على الصعيد البدني فقط وانما على الصعيد الاسري والاجتماعي ، فهذه (ميمونة) التي عانت من انفصال زوجها عنها بعد معرفته باصابتها بالتهاب الكبد تقول ان زوجها ابلغها برغبته بالانفصال معللا بانه حاول ان يتاقلم مع الوضع الجديد ولكنه لم يستطع وعلى الرغم من حبه لي الا ان ذلك فوق طاقته , على الرغم من المفاجاة التي اذهلتني كوننا ناضلنا من اجل زواجنا الا انني اثرت الانسحاب فاخذت طفلتي ورحلت الى بيت والدي 

وتلك (صادقة ) المرأة الأربعينية، تقول و قد أنهكها  العلاج الكيميائي، افكر دائما بحال اولادي وما طرا من مشكلات  بينهم وبين  والدهم منذ بداية مرضي، وتعذرزوجي  الدائم وحججه بانشغاله بعمله عن مرافقتي لجلسات العلاج  فهي غالبا ما تحضر برفقة اخوها او اختها فمنذ أن أُصيبت بالسرطان،تغيرت معاملته لها واصبح اكثر عصبية ونزقا ودائم التغيب عن المنزل ، ولاتخفي انها لاحظت تغير في سلوكه الذكوري حيث اصبح اكثر عناية بنفسه ويتحدث بلمحات عن ضيقه وان هناك من ينصحه بالزواج 

تعكس( خديجة) حب زوجها واخلاصه لها بقولها انه مذ عرف باصابتها بالسرطان اصبح اكثر حنانا وعطفا , يحاول جهده للتخفيف عني اعباء المنزل والاولاد , يصحبني لجلسات الكيماوي كاننا خارجين بنزهه مبتسما متفائلا , لم يعد يخرج كثيرا مع اصدقاءه , لم اعد اسمعه يتحدث عن تكاليف الحياة على الرغم من زيادتها نتيجة المرض , اراه يتالم بصمت محاولا ان لايريني المه , يغضب ان اعتذرت له عن حالتي بقوله أما كان يمكن أن أكون أنا المبتلى بهذا البلاء؟ أفكنت أرضى أن يتركني شريك عمري ؟ لمدة عامين تسمع( خديجة) صلواته ودعائه لها بان تتشافى وتعود له حبيبة كما احبها اول مرة 

المرض ليس اختيارا لم يختر المصاب به ان يكون مريضا , المرض ابتلاء وليس مداعاة ان يتخلى الزوج عن زوجه لمرضه ويتركه ، فان تخلي احد الزوجين عن صاحبه المريض يزيد في حزنه والمه ويعمق من مرضه ويؤخر في شفاءه فكم من الدراسات والابحاث اكدت دور التعاطف والارتباط في التخفيف من حدة المرض بل اكدت بعضها دورها في الشفاء التام ولذلك ينبغي ان يتعلم الزوجان كيفية عيش اللحظة الراهنة , فقد يكون الوضع الجديد سببا في تجدد الحب واعادة الالق اليه ،ومن الطبيعي ان يتحدث الزوجان عن مشاعرهما وعزمهما على مواجهة وضعهما الجديد مهما تطلب الامر , كما يمكن اشراك العائلة او الاصدقاء باداء بعض المهام الجانبية للتخفيف عليهما , ومن المؤكد ان مراجعة الاخصائي النفسي تسهم كثيرا في تخفيف اثر بعض الاضطرابات النفسية المصاحبة للمرض 

الزواج في جذره يهدف لتحقيق السكن والمودة والرحمة بين شخصين ربطهما الحب والمجتمع ، ومن شروطه الديمومة و وفاء كل منهما  للآخرفي السراء والضراء  سواء في حياته الطبيعية أو وقت مرضه،  مؤقتا أو مزمنا،وليس من المبالغة القول بان ذلك الوفاء مطلوب حتى بعد الوفاة
إن من واجب الزوجين ان يقف احدهما للآخر  في محنته، و وأن لا يتخلى عنه، ولا بد أن يكون الزوج وفياً لزوجته والزوجة وفية لزوجها،حتى تنعكس هذه القيم على ابناءهم في علاقاتهم المستقبلية
أن تخلي احد الزوجين عن الاخر في مرضه ، هو نوع من نكران الجميل وعدم احترام وتقدير الذات للشخص نفسه , أن مثل هذا الزوج (زوج او زوجة )  انتهازي له إسقاطات نفسية تتعلق بالمرونه النفسية وتحمل اعباء اتخاذ القرار وبالأنانية , وعدم احترام العهود , ليس لديه أي إحساس إنساني وغير قادر على الوفاء والصدق والإخلاص، ويكون منبوذا اجتماعيا، وبالتالي فهو شخص لا يحترم نفسه ولا يحترم الآخرين