وطنا اليوم:منذ أيام قليلة، وضعت العديد من العائلات في الأردن، كما في دول العالم، قائمة ببعض المتطلبات التي ينتظرون قدوم “الجمعة البيضاء أو السوداء” من أجل شرائها، والاستمتاع بالتسوق من خلال التخفيضات الكبرى التي تطلقها الآلاف من المحلات التجارية.
وعلى الرغم من أنها “حركة تنشيطية اقتصادية”، إلا أن كثيرين يرون بأنها فرصة لشراء بعض المستلزمات التي تتميز بارتفاع أسعارها في الموسم الشرائي الطبيعي، بينما قد ينخفض سعرها خلال هذه الفترة الترويجية إلى أقل من النصف أو قد يصل إلى 90 % من التخفيض.
وفي خضم هذه الفترة التي تنطلق في مختلف دول العالم، تتسابق المحلات التجارية إلى تقديم عروضها من خلال الإعلانات التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي، ويبحث عنها الكثيرون هذه الأيام، في سبيل إيجاد العروض الأقوى وتحديد وجهتهم الشرائية المقبلة بناءً على تلك الإعلانات.
وشهر تشرين الثاني (نوفمبر) هو الفترة التي تبدأ بها تلك العروض التجارية التسويقية، وعُرفت على مدار سنوات منذ انطلاقها في العام 1869، بـ”الجمعة السوداء”، بعد أن ارتبطت بعطلة التسوق في الولايات المتحدة، بيد أن العديد من الدول العربية حاولت تغيير المسمى إلى “الجمعة البيضاء”، لكونها مربحة وفرصة ذهبية “للمستهلكين”، عدا عن عزوف البعض عن تسميتها “السوداء” كونها مرتبطة بيوم الجمعة واستبدالها بـ”البيضاء”.
وبحسب تقارير صحفية سابقة النشر، فقد تبين أن مصطلح الجمعة البيضاء جاء بعد أن قام أحد مواقع التسوق الإلكتروني في العالم العربي بإطلاق مبادرة الجمعة البيضاء العام 2014 ردا على الجمعة السوداء في أسواق أوروبا والولايات المتحدة، وتم اختيار اللون الأبيض بدلا من الأسود نظرا لخصوصية يوم الجمعة لدى الشعوب العربية والمسلمة.
وفي هذه الفترة، تستغل ربات البيوت الانخفاض الملموس على بعض المنتجات مرتفعة الأسعار في الأيام المعتادة، كما تفعل أم لين التي تنتظر هذه الفترة منذ الصيف الماضي من أجل شراء شاشة تلفاز كبيرة، إضافة إلى الأدوات الكهربائية التي تحتاجها في المطبخ، على أن يكون السعر منخفضا بشكل مناسب.
وتقول أم لين إنها استغلت هذه الفترة قبل أعوام عدة بعد أن قامت بتجديد الثلاجة وفرن الغاز، وتشعر بالحماس لهذا العام من أجل التسوق والبحث عن منتجات أخرى منخفضة السعر.
خبير علم الاجتماع الاقتصادي حسام عايش، يرى أن هناك مشكلة قد تحدث في حال أن حجم الإنفاق للأسر ينخفض لأسباب تتعلق بارتفاع الأسعار أو أن دخل الأسر تراجع بسبب أزمة كورونا وما قبلها من ظروف اقتصادية، وهذا الدخل لم يستعد عافيته حتى الآن، وبالتالي فإن العروض والمناسبات التسويقية والتخفيضات عبر الترويج الذي تقوم به القطاعات المختلفة قد يكون مساعدا للأسر لتعويض مشتريات هي بحاجة إليها، ولكنها تمتنع عن شرائها لأسباب تتعلق بمتطلبات الإنفاق.
ووفق عايش، فإنه بلا شك أن الجمعة البيضاء أو السوداء، هي أحد أشكال التسويق الذي تسعى من خلاله القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تهم الأسرة، لتعويض توقف الإنفاق أو انخفاضه على منتجاتها، وهي تأخذ هذه الجمعة على اختلاف مدتها، شكلاً من أشكال العلاقة الإيجابية مع المستهلكين عبر تخفيض كلف منتجاتها عليهم.
ولكن مع ذلك، يعتقد عايش أن هذا التخفيض يفترض أن يكون أوسع مدى، وأن تشمل سلعاً وخدمات ومنتجات أخرى وأن تكون منظمة بشكل تكاد تكون شهرية، وعلى هذه القطاعات أن تبتكر في أدوات التواصل والترويج لمنتجاتها بأكثر من وسيلة، بما في ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبطرق جديدة في تواصلها مع العملاء أو المشترين، وهذا يستدعي تغيرا في آليات العمل والنشاط، وتطويراً في فكرة ومعنى التسويق والترويج للخدمات والسلع.
والأهم، بحسب عايش، أن يشعر المستهلك أن هناك فرقا واضحا في السعر ما قبل وبعد الحملة وأن ما يُقدم له ليس ما هو فائض من مبيعات العام الماضي، وإنما هناك منتجات جديدة وحقيقية ومناسبة لمختلف الأعمار، وبالتالي يشعر المستهلك بأن مثل هذه الحملات التسويقية، هي مناسبة ينتظرها الناس، لأنها تعبر عن تخفيضات حقيقية وواسعة وملموسة على السلع والخدمات.
وبشكل أو بآخر، تنتظر هذه الفترة من التخفيضات العديد من العائلات من أجل الترفيه فقط بعيدا عن التسوق، وذلك بسبب الأجواء الكرنفالية والمسابقات التي تعمد على القيام بها الكثير من المحلات التجارية، وهو ما يتزامن مع التحضيرات لأعياد رأس السنة والعيد المجيد.
وهنا، تتوجه بعض العائلات إلى الأسواق، كما في عائلة إياد الجبور، التي تتعمد بها الأم لاصطحاب أبنائها إلى المولات التجارية التي تقوم بعمل عروض كبيرة على ملابس الأطفال وبعض المستلزمات المنزلية، ومن ثم تناول الطعام في أحد المطاعم التي تحتفي بالحضور وتقدم الهدايا للاطفال، وكل ذلك بمناسبة “الجمعة السوداء”، على حد تعبيرها.
وتقول الجبور إن هذا الموسم التسويقي أصبح عرفا لدى نسبة كبيرة من العائلات الأردنية كما في مختلف الدول، نظرا لوجود نسبة كبيرة من المحلات التجارية التي تستغل هذه الفترة لزيادة المبيعات و”كسب الزبائن”، وتقول إن هذا مناسب جدا للعائلات التي تضع ميزانية محددة لتوفير مستلزمات البيت “الشتوية” بما يتناسب مع الوضع المادي لنسبة كبيرة من المواطنين.
ولذلك، يؤكد عايش أن القطاع التجاري يجب أن يأخذ هذه الفكرة التسويقية الترفيهية الاجتماعية شكلاً ومضموناً، بحيث تكون ذات قيمة وفائدة وعائد، وأن تكون العروض المقدمة تلبي حاجة المواطن ويتيقن بأن انتظاره لم يذهب دون فائدة، ويلمس الفرق في الكلفة والأسعار بما يجعله متسوقاً دائماً وليس موسمياً.
ومن جهة أخرى، يشير عايش إلى أنه “آن الأوان أن ندرس كبائعين وعاملين في السوق طبيعة العملاء والمستهلكين الذين يتم التعامل معهم، ومعدلات دخلهم وكيفية إنفاق أموالهم، وما الطريقة التي يمكن بها استقطابهم للمنتجات المعروضة، التي يتم عرضها، وتستدعي الخروج من منطق العقلية التقليدية بأن المستهلك من واجبه أن يأتي، إلا أننا يجب أن نعرف ماذا يريد في جميع الأوقات، سواء في التخفيضات أو الأوقات العادية، وأن نقدم له ما يتناسب وقدراته وإمكانياته وحاجاته، وأن يكون هذا جزءا من آلية التسويق. وينوه عايش إلى أهمية أن يكون هناك تنسيق مع باقي الدوائر الرسمية في الدولة، كما في دائرة السير أو أمانة عمان لتنظيم قطاع السير في هذه الأيام لمساعدة العائلات على الخروج للتسوق دون تردد وخوف من الأزمات المتوقعة، وترتيب أماكن لاصطفاف السيارات، إذ قد يكون هذا أحد أسباب عزوف البعض عن التسوق، حتى تكون العملية التسويقية متكاملة، وتتحول فيها الأوقات العائلية إلى متعة وترفيه بالتوازي مع التسوق، فهي أيام تناسب مواسمنا واحتياجاتنا