العربية : بالوثائق تهريب منظم لنفط إيران عبر شركة “عراقية” وبعقود رسمية

13 أكتوبر 2020
العربية : بالوثائق تهريب منظم لنفط إيران عبر شركة “عراقية” وبعقود رسمية

وطنا اليوم – 9 سنوات من التهريب والتلاعب بالعقود النفطية الحكومية وبكميات تصدير المنتجات النفطية، خسرت العراق خلالها مليارات الدولارات وحرمت البلاد من إيراداتها بموجب اتفاقيات “مقننة” وعقود رسمية بين شركات عراقية وأطراف سياسية مقربة من إيران أمنت الغطاء السياسي لمثل هذه العمليات… ولا شيء تغير ولا من محاسبة للمتورطين.

“العربية.نت” قد حصلت على مستندات رسمية تكشف تورط 3 شركات عراقية لنقل النفط تعود لعائلة واحدة مملوكة لمجموعة من الأخوة بمخالفة تنفيذ العقود الحكومية واحتكار عقود بيع المنتجات النفطية، وذلك باعتراف من هيئة النزاهة الإتحادية – مديرية تحقيق بغداد في 8 سبتمبر الماضي.

هذا الأمر كان دفع برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في ديسمبر 2019، إلى إصدار أمر نيابي بتكشيل لجنة مؤقتة للتحقيق في عقود المشاريع النفطية وعقود توزيع المنتوجات النفطية وعقود شركة تسويق النفط سومو من العام 2015 وحتى نهاية 2019.

القصة مع هذه الشركات ليست بجديدة، بل تعود جذورها إلى عام 2011، عندما أصدر جهاز مكافحة المخابرات كتابا إلى وزراة النفط العراقية يظهر أن شركة “قيوان”، وهي إحدى الشركات الكبيرة لنقل النفط، يملكها سعد الطيب، متورطة منذ العام 2011 بتهريب النفط الخام ومشتقاته بواسطة الصهاريج وعبر منطقة “قادر كرم” في إقليم كردستان العراق إلى إيران.

وذلك بعد التلاعب بالأوراق الرسمية لحمولاتها، بالإضافة إلى عمليات تهريب تتم عبر منفذي باشماع وبرويزخان إلى ميناءي بندر إمام وبندر عباس في إيران باستخدام صهاريج أهلية.

معلومات مؤكدة من مصادر عراقية نفطية، تشير إلى أن طريقة التهريب التي ذكرتها الكتب الموثقة من جهات حكومية في العراق، تتم من خلال خلط كميات النفط الإيراني المهرب مع النفط العراقي وتصدر إلى الخارج عن طريق شركة “قيوان” وشركات واجهة لها بغطاء عملها كشركة عراقية وبعقود رسمية، لتصبح المعادلة على الشكل الأتي “10% نفط عراقي و90% نفط إيراني”.

وهذا ما أكدت عليه مصادر عراقية رفيعة المستوى في الحكومة، للعربية.نت، كاشفة أن الفصائل الولائية لإيران في بغداد وهي حزب الله العراقي، العصائب، وبدر، تمتلك أسهم كبيرة وتخصيصات مالية في شركة “قيوان”، وتمارس ضغوطاتها على وزارة النفط العراقية بالتهديد والوعيد، فلا يجدون سوى من الرضوخ في الخفاء سبيلا.

أثار هذا البلاغ سخط الجانب العراقي الرسمي، حيث عادة ما يتم تصدير المشتقات النفطية ( النفثا و الفيول أويل )، عبر ميناءي “خور الزبير” و”ميناء أم قصر” في جنوب البصرة، بالتالي عمليات التهريب حرمت العراق من العملة الصعبة ومن الإيرادات النفطية.

ليصدر في العام 2012، قرارا بإيقاف شركة “قيوان” عن العمل ووضعها على اللائحة السوداء.

غير أن “العربية.نت” قد حصلت على مستند رسمي “سميّ بالسري والشخصي” صادر عن وزراة النفط العراقية – مكتب المعلومات والتصاريح الأمنية في 18 سبتمبر 2016 إلى شركة “سومو”، يطالب باتخاذ إجراءات قانونية بحق شركة “قيوان”، مطالبا بحسم موضوع التعامل الشركة، “حيث أن جهاز المخابرات الوطني قام بإعلامنا عدم ممانعته من التعامل مع الشركة مدار البحث على أن يبقى الموضوع متابع من قبلهم”… ما يعني أن الشركة استمرت في ممارسة أنشطتها التجارية على أرض الواقع.

المفاجأة كانت في 12 أبريل 2017، عندما أطلق مكتب التصاريح الأمنية في وزارة النفط العراقية يد شركة “قيوان” للعمل من جديد في عهد وزير النفط السابق ثامر غضبان في حكومة عادل عبد المهدي، بعد تقديمها تعهد خطي بعدم نقلها للنفط الخام والمنتجات النفطية إلا بعد موافقة وزراة النفط.

المفارقة هنا، أن هذا الحدث تزامن مع تغيير طاقة شركة التسويق النفط العراقية “سومو” حيث تم إعفاء مدير “سومو” د.فلاح العامري من مهامه وتعيين علاء الياسري بدلا منه، ليستتبع ذلك نقل 14 موظفاً من كادر سومو بأمر من الياسري، وذلك بتاريخ 12 سبتمبر 2019 أي بعد 5 أشهر من عودة النشاط التجاري لشركة “قيوان” رسميا وبطريقة علنية، ما يطرح علامات استفهام حول السبب في تغيير طاقم عمل “سومو”.

طرق التحايل والتلاعب بإنتاج منتجات غير مطابقة للمواصفات التسويقية العراقية لم تقف عند هذا الحد، إذ أرسلت وزارة النفط العراقية كتابا في عام 2019 تنذر شركة قيوان بتجاوز الكميات المصدرة من زيت الغاز، وتحثها على وقف التلاعب بالكميات.

كما حصلت العربية.نت على مستند يظهر فرض وزراة النفط غرامات مالية بـ33 مليون دولار على شركة “قيوان” في مارس 2019، لتلاعبها في المواصفات التسويقية النفطية.

وفي محاولة للتمويه، ظهرت شركات واجهة لشركة “قيوان” وهما شركتا “شعاع الطاقة” يديرها صلاح رمضان حسن (50% من أسهم الشركة)، وشركة “أرض المشكاة” المملوكة لشركة حيدر سعدون ( 100%)، تستحوذ هذه الشركات الثلاث على جميع عقود شركة تسويق النفط “سومو”، وتحتكرها لصالحها من خلال الدخول بأسماء متعددة في المناقصات التي تعلنها شركات التسويق لبيع المشتقات النفطية الفائضة في المصافي.

وقد كشف هذا الأمر مكتب المفتش العام في وزراة النفط العراقية في 25/4/2019.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل قامت هيئة النزاهة الاتحادية – دائرة التحقيقات في 8 سبتمبر 2020، بإستقدامهم للتحقيق معهم في موضوع “قيام سومو بإحالة بيع منتوج النفثا إلى الشركات شعاع الطاقة، أرض المشكاة، وقيوان من مستودعات حديثة وكركوك وهذه الشركات تعود لعائلة واحدة مملوكة لمجموعة من الأخوة خلافا لتعليمات تنفيذ العقود الحكومية”.

والمضحك المبكي في هذه القضية هو حجم التناقضات بين القول والفعل، إذ حصلت “العربية.نت” على وثيقة صادرة من من لجنة النزاهة النيابية في 17 مايو الماضي تظهر مخالفات عقود بيع النفط الأسود والشكاوى بحق “سومو في مزايدات المنتوجات النفطية واعتراض اللجنة على تخفيض أسعار المزايدة بنسبة ‎%‎50 لحساب “شعاع الطاقة” واجهة قيوان، ما أدى إلى هدر كبير بالمال العام.

وإحيل بموجب ذلك مدير عام شركة سومو إلى التحقيق.

الاعتراضات أيضا أتت من اللجنة النفط والطاقة في مجلس النواب العراقي على عقد تصفية النفط الخام الموقع مع شركة “قيوان” في 21 يونيو 2020، مبيّنة أن “عملية التصفية أصبحت مربحة للمصافي الاستثمارية وخسارة لوزارة النفط وهدر للمال العام”، وطالبت بإيقاق تجهيز هذه المصافي وإعادة التوازن للعقد.

غير أن المفاجأة تمثلت بتجديد عقد التصفية النفط الخام مع شركة “قيوان” المالكة لمصفاة بازيان في السليمانية لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، وذلك لتكرير 38 ألف برميل من النفط الخام يوميا، ضاربة اعتراضات لجنة الطاقة النيابية عرض الحائط.

رغم أن وزير النفط العراقي الحالي إحسان عبد الجبار كان عبّر هو الآخر عن استجهانه لطريقة عمل “سومو”، وفق وثيقة حصلت عليها “العربية.نت” في 20 سبتمبر الماضي، قائلا:” كنت اتمنى أن أحصل على ورقة عمل واضحة بدلا من تراشق المسؤوليات التي أدت إلى تراجع كبير في أداء الوزراة”.

“العربية.نت” حاولت الاتصال مرارا وتكرار برئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في مجلس النواب العراقي آلاء طالباني، وبمحافظ السليمانية هفال أبو بكر، للوقوف عند تعليقهم على عمليات التهريب التي تحدث في الأقليم، ولكن ما من مجيب!

بعد كل ذلك، السؤال الذي يطرح نفسه من يدعم شركة “قيوان” لتستمر في نشاطها وعقودها رغم كل الاعتراضات من الجهات الحكومية والكتب الرسمية، وتبعد عن الساحة الشركات العراقية الأخرى المنافسة؟ سؤال يبقى رهن التطورات اللاحقة.