د. عادل يعقوب الشمايله
تعودنا في عالمنا العربي الاسلامي على أن الحكام ورؤساء الدول هم من المعصومين أو من الذين يحكمون بتفويض الهي أو نيابة عن الله.
لأولِ مرةٍ يعترفُ حاكمٌ عربي أنهُ من البشر وأن بعضَ قراراتهِ وبعض مشروعاته وبعض توقعاتهِ لم يحالفها التوفيقُ فمنيت بالفشل.
لقد سبقَ للرئيس جمال عبدالناصر أن اعترف بالمسؤولية الادبية عن هزيمة ١٩٦٧ باعتباره رئيس الدولة والقائد الاعلى للقوات المسلحة وتقدم باستقالته الى الشعب الذي رفضها. لم يقم أحدٌ غيرَ عبدالناصر بالاعترافِ بأيِّ خطأٍ مهما طالَ ليلُ حكمهِ وفداحةُ ما عمل. ربما لأنَّ عبدالناصر كان يعتبرُ نفسهُ من الشعبِ ويحكمُ بتفويضٍ من الشعب. أمَّا من اغتصبَ الحكم أو جيء بهِ على مُدرعةٍ او من خلال التزوير فإن من الطبيعي ان لا يعترف للشعب بأي دورٍ وأن يكونَ مقتنعا بأنَّ الشعب هو مجردَ قطيعٍ من الاغنام. والقطيعُ عادةً لا يُحاسبُ الحكومةَ التي تديرهُ والمؤلفةِ من الراعي والكلبِ والحمار.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جاءَ بتفويض شعبي عارم عندما خرج ملايين المصريين في ثورتهم التصحيحية فوقّعوا له في الشوارع والميادين باصواتهم وبملء حناجرهم وأمام الكاميرات الاجنبية والمحلية، وليس بالتصويت في صناديق التزوير . ولذلك نراه يتواصلُ مع الشعبِ مباشرةً.
اعترفَ الرئيس السياسي عدة مرات بفشل حكومته بالتخطيط والاعداد والفهم لبعض المشروعات وفشلها بالتنفيذ لمشروعاتٍ أُخرى.
لم يكتفِ الرئيس السيسي بمجرد الاعتراف ولكنهُ يُرفِقُ الاعترافَ بتحليل اسباب الخطأ والفشل والتأخير واستخلاص الدروس، ومن ثمَّ اتخاذِ القراراتِ البديلة. أي أنه ليس من صنفِ المبررين ولا المؤولين.
ابتكرَ الرئيسُ الامريكيُ السابق ترامب نموذجا غير مسبوقٍ في ادارة شؤون الدولة الداخلية والتعامل مع الدول الاخرى. كان ذلك من خلال توظيفِ خدمة تويتر. نموذجهُ اصبح موضة تبناها وقلدها معظم رؤساء دول العالم.
الرئيس السيسي من طرفة ابتكر نموذجاً آخر مختلف وهو اجتماعات مجلس الوزراء والقيادت العليا في الميدان، والنقاش وتبادل الاراء على الهواء مباشرة دون فلترة وذلك عند افتتاح مشاريع جديدة او متابعة المشاريع قيد التنفيذ او المشاريع برسم الافتتاح أو تقييم المشاريعِ غيرِ المُنجَزةِ.
تنعقدُ الاجتماعاتُ على الهواء مباشرة بحضور كافة المعنيين من مخططين ومنفذين ومُتابعين ومُرَاقِبين واستشاريين مدنيين وعسكريين. ويُديرُ الرئيسُ الحوارَ بنفسه حاملا الميكرفون ويقوم بشرح المشروع متعرضاً لتفاصيلهِ الفنية التي لا يُتوقعُ لرئيس دولة كبيرة كمصر مثقلٍ بالاعباءِ، ومن خلفية عسكريةٍ أن يُلمَّ بها ويجدَ الوقت الكافي لها. هذا الامرُ يوحي بأنَّ الرئيس السيسي معنيٌ ومهتمٌ بالنجاحِ، وأنه تلميذٌ نجيبٌ ومجتهد ويحفظُ دروسه جيداً.
الرئيسُ السيسي لا يجلس لمجرد المنظرة والتقاط الصور التذكارية وسماعِ الهتافات والتصفيق من حشدٍ من المنافقينَ والمرتزقةِ ثم يجلس بعد ذلك غافياً او سارحاً او مستعجلا او مُعَجِّلاً. لذلك يمكنُ وصفه بالرئيس الملم المتململ صاحبِ النفسِ اللوامةِ.
الامةُ بحاجةٍ للرئيس الملم المتململ. الامةُ بحاجةٍ الى رئيسٍ رُزِقَ بطبعِ “النفسِ اللوامة” اكثرَ من حاجتها للرئيس المؤمن او الرئيس الملهم او الرئيس الذي يحتسي الشاي ويدخن السيجار في حضن القمر.
ولأن الرئيس السيسي كذلك فقد انجز وحقق نجاحات تكادُ تنافسُ نجاحات وانجازات دبي وابو ظبي، ووضعَ بصمةً ستضافُ الى سجلات حضارة الفراعنة. وبالضبط، كما كان الفراعنة يُنشئون دولاً ذات مهابةٍ ويبنون حضارةً لم تبخل على الانسانية بالعطاء والدروس ليومنا هذا بعد مرور الاف السنين، وسط محيط متخلف ومتهالك، فإن مصر بقيادته تتقدمُ وتخرجُ من وعن محيطٍ أبلهَ مغشيٍّ على بصرهِ لم يتوقف عن التراجع والانحطاط.
بالرغم من ايجابية هذا النهجِ الاستثنائي، الا أنه لا بد من التعبير عن استغرابنا من غياب المساءلة والعقاب للمقصرين والفاشلين. إذ لا يكفي أن يكشف الرئيس عن حالات الاخفاق وتمضي الامور كأن شيئاً لم يكن. فالاخفاقُ والفشلُ والتأخرُ يُتَرجمُ الى ضياعٍ في المواردِ وضياعٍ في الوقت. والوقتُ موردٌ ثمين ايضاً. السؤالُ الذي يبحثُ عن إجابةٍ هو لماذا يتم التسامحُ مع الذين اضاعوا موارد الدولة في دولة تعاني من شُحِ الموارد، وتستجدي المعوناتِ من دول الخليج وترضخُ لتعليماتِ صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على قروض بفوائد.
يبدو انَّ النظام المصري لم يسمع بالآية القرآنية “وفي القصاص حياة لكم يا أُولي الالباب”.
لربما، كانَ غيابُ العقاب سببهُ أنَّ من يتسببَ به هُم من مؤيدي الرئيس من كبار ضباط الجيش والشرطة المتقاعدين، وأحيانا من شركات مملوكة للجيش. لأنهم هُم من يديرون كافةً هيئات ومشاريع الدولة، ولذلكَ فإنهم فوق المساءلة والمحاسبة والعقابِ لأنهم عُينوا في وظائفهم ضمن سياسة تقاسم الكعكة. بدونِ حُكمٍ رشيدٍ لا املَ لمصر ولا لغيرها في العبور مرةً أُخرى وتحطيم خطوط التخلف والفقر والتبعية وعدم الاستقرار. وهذا ما يُأخذُ على عبدالناصر الذي لم يحاسب من تسبب في هزيمة ١٩٥٦ وانفكاك الوحدة مع سوريا، وأفشل التصنيع العسكري و التصنيع المدني، فكانت النتيجة هزيمة ١٩٦٧ وضياع سيناء والجولان والضفة الغربية ودخول الاُمةِ العربيةِ عَصرَ التيهِ في صحراء التيه.