حمّى المؤثرين الفارغين وجياع الشهرة الزائفة مقصد التافهين

7 أكتوبر 2022
حمّى المؤثرين الفارغين وجياع الشهرة الزائفة مقصد التافهين

بقلم : محمد ملكاوي

ترددت كثيراً في كل مرة وأنا احاول ان أبدأ الكتابة حول هذا الموضوع، لقناعتي أن لكل شخص الحق في السعي وراء ما يريده. لكن ما شهدناه في الآونة الأخيرة، من التضارب حول الشهرة والوجوه التي اعتبرتها بعض الجهات الحكومية والخاصة انها من اصحاب تأثير في المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي تحقق غايتها ، وسبب ان من يدعون انهم مشهورون فارغون! لا يملكون محتوى او موهبة تخدم المجمتع .

جميعنا يعلم أن للأضواء لها جاذبية خاصة على الإنسان ويصعب عليه تجاهله وقد ينجرف بأي لحظة لهذه الأضواء مما يدفع البعض الى استرخاص نفسه والتهريج بذاته امام الملأ او استخدام افراد اسرته واظهار زوجته او اخته من أجل أن يكون شخص معروف وذو شعبية في المجتمع مهما كانت نوعية الرسالة التي يقدمها في وسائل التواصل الاجتماعي.

اصبح الموضوع بسيط فحين يقرّر “الباحث عن الشهرة” باختيار طابع معيّن يمرّر من خلاله محتوى كي يقدّمه على منصّات التواصل الإجتماعي وينتظر بصبر التفاف الآخرين حوله مستهدفآ فئة المراهقين وبعض الشباب الفارغين، وكلّما كان المحتوى او مقطع الفيديو ساذجا أو عنيفا او ساقطآ ؛ كلّما كان مثيرا للاهتمام!

هذه المشكلة كالمرض أو الهوس للذين يلهثون وراء هذا الطريق المليء بالمحطات قد تكون الأسباب وراء هذه المشكلة نفسية، وقد تكون شخصية تتعلق بافتقار الشخص نفسه للعلاقات الاجتماعية فتدفعه لخوض هذا الطريق الذي هو ليس أهلاً له من الأساس.


لا شكّ أننا لا نتحدّث الآن عن الأفراد أصحاب المنصّات التوعوية والمحتوى الذي يرشد شبابنا ، وتقدم افكار وفيدوهات ذات فائدة ومنفعة في الحياة والعمل وغيرها من الامور التي قد تغير حياتنا الى الافضل وبشكل ايجابي .

يؤسفني حقآ الحال الذي اصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تعتمد عليه إذ نجلس لساعات متواصلة نتجول بين أزقة الفيسبوك، مرورا بالانستغرام، والتويتر والتيك توك ومواقع اجتماعية أخرى ولم يعد المحتوى هادف و مهم بقدر ما يهم الحصول على أكبر عدد من الإعجابات والتعاليق، مما خلق مجتمعات تهرب من واقعها و تفضّل الصورة على الحقيقة، والنسخة على الأصل، والتمثيل على الواقع، والمظهر على الجوهر. أصبحنا نعيش في مجتمع هدفه الاستعراض، حيث تقاس نجاح العلاقات الأسرية بجمع أكبر كم للايكات والمتابعين، أصبح تقييم الأشخاص من الصور المأخوذة بالفيلترات لا بعقولهم وشخصيتهم!

الامر اصبح معقد فكلما التفت برأسك يمينًا أو يسارًا سيخرج عليك شخص جديد يدعي الموهبة والجمال والشعر والكتابة وفنون الرد السريع والبطيئ رغم أن لا علاقة تجمعه مع هذه الامور المزعومة ، ولم نعد نفرق بين الجيد والرديء بسبب عاصفة المشاهير والمؤثرين التي امطرت علينا بوابل من المحتويات الرخيصة والساقطة تؤثر سلبآ على اطفالنا وشبابنا الواعد ،لا بأس عزيز المؤثر والمشهور خذ وقتا طويلا قبل ان تطل علينا بمواهبك الرنانة وابداعك المسموم .

فلم يعد مدعين الشهره يكترثون لواقعهم، لأن كينونتهم صارت مرتبطة بالأساس بشخصياتهم الافتراضية وما يراه الناس على حساباتهم، من زوجة جميلة وزوج ناجح، وبيت فسيح وطاولة طعام ملونة بأشهى الأطباق وصور جميلة في قمم الجبال وعلى الشواطئ، تفقد قيمتها وجماليتها سريعا لأنها التقطت لإرضاء أعين المتابعين دونما الرغبة في خلق المتعة الشخصية وتحقيق السعادة الذاتية، كلها أشياء صارت تجسد لنمط عيش جديد ومفهوم متجدد للحضارة الإنسانية، مختزلة في شركة الملياردير مارك وأصدقائه الذين جعلوا من وادي السليكون مركزا للعالم الجديد.

ايها المؤثرين وصناع المحتوى الفارغة ارجوك لا تنسوا انكم بشر عاديين جدا، تعيشوا وسط أسرة لم تعودو تحفظوا أسماء أفرادها، لا تعرفوا طباعهم، لا تقاسموهم همومهم ولا مشاكلهم، لا تحركوا ساكنا إذا ألم بالبيت طارئ، لأنكم منشغلون بصناعة مكان لكم بين رواد الموقع، غايتكم أن يحفظ الناس اسمائكم فتكونوا بذلك قد صنعتم لنفسكم مكانا هناك، تتوقف حياتكم الجديدة قليلا إذا وقع عطب في أسلاك الأنترنت، فتجدوا انفسكم في سجن كبير اسمه الواقع، لا تعلموا فيه أين تمضوا وماذا تفعلوا، لا ينتهي هذا الكابوس إلا بعودة الوايفاي للعمل من جديد، لتعودوا للحياة وتعود شخصيتكم الافتراضية لتسطع في سماء التيك التوك مجددا بين المشاهير .

عزيزي المؤثر ومدعي الشهره نحن أمام عالم الكل يسميه افتراضي أي أنه يحمل صفة الاختفاء بدون سابق إنذار، ففي أي لحظة يمكن أن يمحى كل شيء، وهنا يأتي السؤال الأهم هل فعلت شيئا بتلك الساعات التي قضيتها منغمسا في الهاتف أو الحاسوب؟ هل أنجزت شيئا مفيدا شاركته مع الناس يجعلهم يتذكرونك بالخير! هل أثرت في غيرك إيجابيا، أنت الآن تستعمل جهازا ذكيا فهل عبرت أنت أيضا على ذكائك وقدراتك؟

دعونا نترك بصمة في هذا العالم، دعونا نترك عبرة، ولو قصة محفزة تساعد على تغيير حياة الآخر، لو كل واحد منا يجعل من جلوسه الطويل أمام الحاسوب أو الهاتف مضخة تضخ الحياة وروح جديدة في الآخرين فسنتيقظ كلنا لهذا العالم ولا ننام على أرصفته ضعفاء، سنحول إدماننا لروتين من الإبداع وتقاسم المعلومة وسنجعل من ميولاتنا وهوايتانا هوية يعرف بها اسمنا، لنتغير نحن أولا بدءا بأنفسنا قبل أن نطلب التغيير من الآخرين.