تل العميري (على طريق المطار)

1 أكتوبر 2022
تل العميري (على طريق المطار)

أ.د. زيدان كفافي

يبعد موقع تل العميري حوالي 15 كيلومتراً إلى الجنوب من الدوار السابع في مدينة عمَان، مباشرة غرب الطريق الواصل بين هذا الدوار ومطار الملكة علياء الدولي. ويبدو أن وجود نبع قريب إلى الشمال من التل كان السبب في استقرار الناس في هذا المكان عبر العصور المختلفة (شكل 1).

طلاب قسم الآثار في جامعة اليرموك  دفعة 2006 يزورون تل العميري

وتقوم بالتنقيب في الموقع بعثة أثرية من جامعة أندروز الأمريكية منذ عام 1984م وحتى الوقت الحاضر بالتعاون مع دائرة الآثار العامة الأردنية وجهات أمريكية أخرى، ضمن مشروع يسمى “مشروع سهول مادبا  Madab Plains Project “. وحاول بعض الباحثين  تعريف تل العميري، اعتماداً على الكتابات الفرعونية من زمن الفرعون تحتموس الثالث أنه ربما يكون هو موقع “آبل كرميم Abel-Kermim الوارد ذكره في التوراة (القضاة:11: 33). وأثبتت التنقيبات في الموقع أن بداية الاستقرار فيه كانت خلال الألف الرابع قبل الميلاد – بدلالة العثور على نصب حجري يسمى Dolmen-   وحتى الوقت الحاضر، موزعة على 22 طبقة استيطانية ، تعود الطبقة رقم 14 للعصر البرونزي المتأخر الثاني و الطبقة 13- 12 لنهاية الثالث وبداية العصر الحديدي.

شكل 2: بقايا لمبنى يعتقد أنه لمعبد أو قصر يعود للعصر البرونزي المتأخر الثاني

ويذكر المنقبون أنهم لم يعثروا على أية مخلفات أثرية، حتى كسر فخارية، من العصر البرونزي المتأخر الأول (حوالي 1550- 1400 قبل الميلاد)، حتى الآن. لكنهم عثروا على كثير منها تؤرخ للفترات اللاحقة، فمثلاً، وجد مبنى في المنطقة المسماة B يعود للمرحلة الثانية من العصر البرونزي المتأخر (حوالي 1400-1300قبل الميلاد)  مكون من خمس غرف لا تزال بعض جدرانه تقف لارتفاع يبلغ حوالي المترين. ويستطيع الإنسان الدخول إلى داخل المبنى من خلال باب واسع بنى في الجهة الشرقية منه. ولاحظ المنقبون وجود درج داخل الباب ربما كان يؤدي لطابق علوي، كما بنيت عدة درجات تقود إلى قاعة ضيقة تؤدي إلى داخل غرفة مقدسة لها بابان. شيد في الجدار الغربي لها، وعلى ارتفاع حوالي المتر من أرضيتها، حنية مقصورة بني بداخلها خمسة نصب حجرية تتفاوت في ارتفاعاتها وحجمها، وعثر معها على أوان فخارية، وحسب رأي المنقبين، فإن مثل هذه الأواني لا تستخدم إلاّ في الطقوس الدينية. كما عثر فوق مصطبة الغرفة التي فيها الحنية على كميات كبيرة من العظام الحيوانية.  كذلك وجد أمام الحنية مذبح مغطى بالقصارة (شكل 2). كما بني في الجدار الجنوبي باب يؤدي إلى غرفتين لم يعثر بداخلهما على أية مخلفات أثرية. ويظهر أن المنقبين في الموقع لم يستطيعوا حتى الآن تقرير فيما إذا كان هذا المبنى قصراً أم معبداً.

أثناء إزاحة الطمم الموجود داخل المبنى عثر المنقبون على بقايا طوب، ربما استخدم لبناء الطابق العلوي، وبقايا دعائم خشبية استخدمت في بناء السقف، وكسر فخارية بعضها قبرصي والآخر مايسيني.

يذكر المنقبون أن هزّة أرضية دمرت الموقع مع نهاية القرن الرابع عشر، ولم تتم إعادة السكنى فيه إلاَّ خلال نهاية العصر البرونزي المتأخر(Stratum 13). لكنهم يرون أن مبنى القصر/المعبد بقي مهجوراً خلال هذه المرحلة. بعدها وخلال الطبقة 12 (Stratum 12) بنى سكان الموقع لأنفسهم بيوتاً في الجهة الغربية من التل (Fields A and B)، وجاءت طبيعة السكنى مختلفة تماماً عمّا سبقها في العصور السابقة، ولم يبق قيد الاستخدام إلا التحصينات التي بنيت في العصر البرونزي المتوسط. ومن هنا افترض المنقبون أن سكان الموقع كانوا من القادمين الجدد. وقام هؤلاء بتنظيف الخندق الذي بني في نهاية منزلق العصر البرونزي المتوسط وبنوا جداراً استنادياً للسور في الجهة الغربية للتل، بني فوقه بيتاً من الطراز المسمى “البيت ذو الأربع غرف”، وعثر في إحدى الغرف الخلفية للبناء على أكثر من ثمانين جرة كبيرة من النوع المعروف بالجرار ذات الياقة “Collared-rim Jars” . 

كما عثر في واحدة من الغرف على نصب حجري، مما يدل على مغزى ديني لهذه الغرفة. ويقترح أن نهاية هذه الفترة كانت عن طريق القوة، أي مهاجمة الموقع من قبل أناس جدد. ويفسّرون قولهم هذا بوجود أسلحة وطبيعة الطمم الموجود بالقرب من جدران المبنى، والعظام المحروقة التي عثر عليها في الطمم، والجماجم البشرية وعددها أربع لأشخاص سقطوا من الطابق العلوي، وكأنهم كانوا في حالة دفاع. كما يعتقد المنقبون بأنهم عثروا على بوابة من هذه الفترة. 

كما عثر المنقبون في تل العميري على بقايا لآثار عمونية، أهمها ختم  يعود للترة بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد. وهذا يضيف إلى ما اكتشف  في مواقع جاوة وجلول وسحاب على أن العمونيين قد سيطروا على هذه المنطقة . 

هذا موقع من المواقع الأثرية المملوكة لأشخاص، ولا تستطيع دائرة الآثار العامة الأردنية من استملاك  جميع المواقع الأثرية في الأردن ، أولاً لعددها الكبير، وثانياً لقلة المخصصات المتوفرة. فهل هناك  من حل؟ وأين دور القطاع الخاص في هذا الأمر؟

لمزيد من القراءة:

Herr, L. G. and Clark, D. 2007; Tall al-‘Umayri through the Ages. Pp. 121 – 128 in T. E. Levy et al (eds.), Crossing Jordan. North American Contributions to the Archaeology of Jordan. London: Equinox.

Herr, L. et al 1994; Madaba Plains Project: The 1992 Excavations at Tell el-‘Umeiri, Tell Jalul, and Vicinity. Annual of the Department of Antiquities of Jordan 38: 147-172.

أ.د. زيدان عبدالكافي كفافي

عمّان في 1/ 10/ 2022