الدكتورة مرام او النادي
لا بد لنا من اللجوء إلى نظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد؛ و التي تعتبر قديمة نسبيا فهو أقرّها في القرن التاسع عشر و تم تطويرها؛ لا نستطيع إنكار أثر نظرية فرويد في فتح أبواب فهم أنفسنا و بشكل عميق.
و لتأسيس قاعدة علمية نفسية كان لزاما أن استعرض هيكل النظرية؛ فتتكشل النفس الإنسانية وفقا لنظرية فرويد من ثلاث بنى:
أولا: الهو
وهو المخزون اللاواعي من الشهوة الجنسية والطاقة النفسية التي تغذي الغرائز وتعتبر المتعة أمرًا ملحًا غير قابل للتأجيل، وهي تتجلّى في الأنانية الطفولية .والجنس والعنف
ثانيًا: الأنا العليا
وهي التي تحوي المبادئ والأخلاقيات والسلوكيات التي يتم زرعها من قبل الوالدين أو الدين أو المقاييس والأعراف المجتمعية، بناء مفهوم الصواب و الخطأ، وتمثل التقدير والاحترام والوعي بالقوانين وقواعد تحريرالضمير.
ثالثًا: الأنا
وتمثل المنطقة الوسطى بين الغرائز المتمثلة في «الهو»، وبين المبادئ المتمثلة في «الأنا العليا»؛ أي هي الطرف المحايد الذي يقوم بتسوية الصراعات بينهما.
عندما نتعرض لبعض المواقف المؤلمة أو المثيرة للقلق، أو عندما تتصادم رغباتنا مع معيقاتها تقف (الأنا) حائرة في صراع بين ما نحب أن نلبيه من رغبات و بين ما يعوّق تنفيذه كالعرف والقيم الأخلاقية؛ حينها نلجأ إلى استخدام الحيل الدفاعية؛ فهي آليات دفاع تمثّل استراتيجيات نفسية يأتي بها العقل الباطن بهدف التلاعب بالأفكار والتحايل على العواطف أو تشويه الواقع وتغييره، وذلك لحماية النفس من المشاعر السلبية. فالدفاعات النفسية هي عمليات لاشعورية، تسعى لإيجاد حلول وسطى لمشكلات معقدة أو مشاعر مرفوضة، بغرض حماية الذات من خطر تهديدات الشعور بالقلق أو التوتر، والحفاظ على صورة الإنسان الذاتية ورؤيته لشخصه، وتوفير مأوى معنوي يختبئ فيه من موقف لا يستطيع التكيف معه حاليًا.. لا بد من القول إن هذه الحيل الدفاعية لا تعمل بشكل مقصود بل يتم تفعيلها ذاتيَا و لا شعوريا فنحن نكتسبها من خبراتنا التي تتشكل منذ الطفولة … و من الحيل الدفاعية: الكبت- النكوص- الإسقاط- التكوين ( رد الفعل العكسي)- التقمص- الإبطال-الإنكار-الانشقاق-الإزاحة-التسامي-الفعلنة..
قد نستخدم أكثر من حيلة دفاعية وفقا للسياق أوالمشكلة التي نواجهها ،و قد نلجأ لتكرار ذات الحيلة الدفاعية لماذا؟؟ باختصار لأنها أثبتت فعاليتها ونجاحها فخدمتنا في التخلص من الشعور السلبي .
قد تكون أكثر الحيل الدفاعية استخداما: الإنكار . أي أننا ننكر وجود المشكلة في دواخلنا علما أنها موجودة في الواقع ، إن هذا الميكانيزم ينتج عن عدم تقبل الفرد للواقع، مما يجعله يسلك كأن شيئًا لم يحدث. ويعد «الإنكار» أحد أكثر الدفاعات بدائية حيث يستخدم كثيرًا في الطفولة المبكرة وفي الحياة اليومية العادية. من أمثلة ذلك إنكار الفرد لخطئه المهني وتأكيده عدم حدوثه، وإنكار مدمن المخدرات وجود مشكلة مع الإدمان في حياته… قد يكون الإنكار نتيجة صدمة كالفقد نتيجة الموت، الإخفاق، وغيرها من الوقائع التي تسبب لنا ألما نفسيا كبيرا لكننا لا نرضى التصديق أو الاعتراف به فنحتال على أنفسنا وأفكارنا و عواطفنا لأن ذواتنا تريد الجانب المريح و تكره العذابات و تتجنبها.
الإنكار حيلة مريحة، وحيلة سهلة لن تجعلنا نبذل أي مجهود في حل مشكلاتنا؛ لكن الاختباء ورائها دائما سيجعلنا نعيش في خداع و وهم مستمرين، إن التوازن النفسي و المقدرة على المواجهة هي من سمات الشخصية القوية .. يجب أن نؤمن بمقدراتنا و إلا عشنا في الظل الذي نرسمه بلون واحد قد يرضينا لكننا سنكون بعيدين كل البعد عن الواقع بألوانه المتنوعة ففيه المسرّات و العذابات و لكل خبرة فيهما لذاتها .