عن أي إصلاح إداري تتحدث عنه الحكومات

20 أغسطس 2022
عن أي إصلاح إداري تتحدث عنه الحكومات

د. ماجد الخواجا

منذ عقود ونحن نتحدث عن جملة إصلاحات في منظومة المجتمع ككل ومن ضمنها منظومة الإصلاح الإداري، ويبدو أنه أيضا ومنذ عقود تزداد التحديات والصعوبات، تقلّ العدالة، تتلاشى النزاهة وتختفي الشفافية.

لم نكن نتحدث كثيراً عن ظاهرة الموظفين الفضائيين، أي أولئك الذين يتقاضون رواتب شهرية ولهم أرقام وظيفية ويحملون مسميات ووصف وظيفي، لكنهم غير مرئيين في أماكن عملهم الواقعية ولا الإفتراضية.

كانت الشكوى عند تعيين على الوظائف القيادية تتمثل في مزاجية ومحسوبية الوزير صاحب الصلاحية والعلاقة المباشرة في التعيين، كانت المحسوبيات والعلاقات الزبائنية تحكم كثيراً من تفاصيل العمل الوظيفي.

حين استحدثنا ذات حكومة وزارة لتطوير القطاع العام اعتبرنا ذلك في حينه أنه نوع من الإصلاح الإداري، وحين دمجنا وزارة التربية مع التعليم العالي رأينا فيه إصلاحاً إدارياً، وحين تأسست أول وزارة لشؤون المرأة سميناه إصلاحا، وحين غيّرنا اسم وزارة البلديات إلى وزارة الإدارة المحلية ووزارة تكنولوجيا المعلومات إلى وزارة الريادة والإقتصاد الرقمي، وحين ذوّبنا ديوان الخدمة المدنية على هيئة وزارة التنمية الإدارية، حين زدنا عديد وزراء الدولة أو كما يسمون بوزراء بلا وزارة، وفي قول صريح وزراء الحمولة الزائدة، حين خرجنا بوزارات بالإسم من أجل عيون وزير جاهز لها، وحين أقنعونا بضرورة إيجاد وزارة للتنمية السياسية ووزارة للشؤون البرلمانية، لتعود فترتبط بوحدات يرأسها مدير مديرية في رئاسة الوزراء يصبح له الصلاحيات الوزارية للوزارتين. حين ننجو بشخص الوزير فنقفز به إلى هيئة ونغرق وزارته فتطوى صفحاتها.

حين استحدثنا استناداً لمخرجات لجان عظيمة أو استراتيجيات سميت بالوطنية بأن تم إنشاء هيئات ملأت فضاء الإدارة العامة، وأصبح التداخل في الصلاحيات والمهام، وأصبحت الإزدواجية في الرواتب والمكافآت والامتيازات بين موظف بذات المؤهلات والخبرة والكفايات في هيئة لكن بمسمى نخبوي كأن يطلق عليه لقب المفوض أو المنسق العام، وبين موظف بنفس المهام لكنه ضمن الوزارة وبمسمى متواضع، وحيث يتقاضى الأول آلاف الدنانير شهرياً، فيما يتقاضى الثاني مئات الدنانير، نفس المؤهلات ونفس المهام مع اختلاف موقع العمل.

حين تركنا للوزير صلاحيات مطلقة جعلته يتحكم في رقاب ومصائر الموظفين العاملين معه، فأصبح الولاء الأول للوزير وليس للدولة، ومن يرضى عنه الوزير ينام ليله الطويل ويفعل ما يحلو لأهوائه. فيما كان غيره يبيت على القهر والظلم الوظيفي الواقع عليه مزاجياً من قبل المدير أو الوزير.

حين كان يتم استحداث هيئة بين ليلةٍ وضحاها ويتم استئجار المباني الحديثة وتخصيص المركبات المترفة والأثاث الراقي، وانتداب الموظفين بالواسطة والمحسوبية إلى تلك الهيئة مع زيادة أو قفزة في رواتبهم ومكافآتهم، لنكتشف بعد فترةٍ أنها لم تغيّر شيئاً في التحديات أو المبررات التي أنشئت لأجلها.

الموضوع يا سادة يا كرام ليس مقتصراً على إعادة تنظيم، ترتيب، فك، تركيب، دمج، استحداث، إلغاء، تذويب، صيانة، ترميم للهياكل الإدارية، لأن نظرة واحدة ومراجعة جادة موضوعية لكل تلك التغييرات تبيّن أنه لم يتطور قطاع أو جهة أو مجال وظيفي في أي تطوير أو استراتيجية. وهذا لا يعود لخلل في التنظير الفكري الإداري، وإنما يعود إلى خلل في البنية الإدارية العامة التي تورمت واستفحلت معضلتها، ما دام كل الهيئات والتطورات والتغييرات تجري بشكل موافق عليه قانونياً وتشريعياً، فهي أخذت صفة الديمومة والاستقرار والمكاسب المستحقة.

يعود إلى ثقافة متجذرة من العفن الوظيفي والفهلوة والأدوار العلائقية والزبائنية، بل والمناطقية التي تحكم الوظيفة العامة.

لقد أصبحت كثيراً من الهيئات المستحدثة مفرغة تماماً من أي مضمون لها عدا عن أنها صارت أداة جباية بدعوى تنظيم القطاع أو المجالات، ولم يظهر لها أي دور أو تأثير على تغيير المعطيات الواقعية. ماذا غيّرت هيئة الطاقة، هيئة النقل ، هيئة الاتصالات، هيئة تنمية المهارات، وعند هذه الهيئة لنا حديث وعودة. ماذا قدمت المجالس العليا من تطوير على أداء الوزارة المرتبطة بها، المجلس الأعلى للشباب، للثقافة،… . المجلس الأعلى للسكان، بل ماذا غيّرت الخطط والاستراتيجيات وآخرها خطة النهضة واستراتيجية تنمية الموارد البشرية 16-25 ، ولنا عودة.