وطنا اليوم:قال موقع (انترسبت) الأمريكيّ في تقريرٍ عن تغطية الإعلام الأمريكيّ للعدوان الإسرائيليّ الأخير على قطاع غزّة، قال إنّه “عندما أنهى وقف إطلاق النار ليلة الأحد قبل الماضي هجومًا إسرائيليًا استمر ثلاثة أيام في قطاع غزة، أصيب أكثر من 350 فلسطينيًا وقتل 46 شخصًا، من بينهم 16 طفلاً، وقادت التغطية الإعلامية في الولايات المتحدة بشكلٍ أساسيٍّ صور السماء المليئة بالدخان أوْ سكان غزة وهم يمشون وسط أكوام الأنقاض، ورغم أنّ الصور كانت دقيقة وحديثة، فإنّ اختيار الصور عكست للجمهور الأمريكيّ حقيقةً بعيدةً جدًا عما حدث بالفعل على الأرض”.
وتابع الموقع:”في العديد من الصور، يظهر الأطفال الذين قُتلوا بالقنابل الإسرائيلية بشكل بارز. تظهر هذه الصور الجنازات، ووجوه الشهداء مكشوفة، وجثثهم مرفوعة عاليًا وتسير في الشوارع، وفي بعض الصور، يُرى المشيعون وهم يلتقطون صورهم الخاصة للجثث على هواتفهم المحمولة، وهذا دليل على ما حدث من فظائع، ولكنْ المؤسسات الإخباريّة الأمريكيّة، نشرت صور الصواريخ تحلق في السماء ليلاً، ولحظات الهدوء للأطفال الذين يعاينون الأضرار التي لحقت بمنازلهم، والدخان الأسود يرتفع في الأفق”.
“في غزة”، مضى الموقع الأمريكيّ قائلاً، “يقوم المصورون الصحفيون بالتصوير بشكل روتيني داخل المستشفيات والمشارح، ويُوفّر هذا الوصول إلى مرافق الرعاية العاجلة، وهو نادر في الولايات المتحدة، فرصة للصحفيين للتوثيق المباشر للجرحى والقتلى. في صور وكالة (غيتي) ، صور جثث الأطفال ، ملفوفة في قماش أبيض، تتراكم في المشرحة وفيرة وغير خاضعة للرقابة وفي حين أنّها صادمة ومزعجة للغاية، فإنّها تظهر بوضوح شديد ما ينتج عن قصف المناطق السكنية الكثيفة”.
وأوضح الموقع في تقريره من غزّة أنّه “مع ذلك، فإنّ هذه الصور ليست السمة المميزة للصراع غير المتكافئ الذي لم يُقتل فيه أي إسرائيليٍّ، فالطامة الكبرى أنّه نادرًا ما تُنشر على الإطلاق”.
وقال سليمان حجي، صحفي فلسطيني يعمل في غزة للموقع: “بشكلٍ عامٍ، فإنّ غالبية تغطية وسائل الإعلام الدوليّة والأمريكيّة ضعيفة وغالبًا لا تظهر مشاهد قتل فيها نساء وأطفال أبرياء”.
الموقع أضاف أنّه “في حالة مقتل الطفلة آلاء قدوم (6 أعوام)، تضمن أحد التقارير، في صحيفة (نيويورك تايمز)، صورة التقطت بعد وفاتها. كان هذا هو الاستثناء، على الرغم من أنّ الصورة لم تظهر بشكلٍ بارزٍ، بل نُشِرَت قريبًا من نهاية المقال. وسائل إعلام أخرى، من (واشنطن بوست) إلى (إن بي سي نيوز)، لم تنشر الصورة، رغم أنها ذكرت مقتل الفتاة”.
وأشار الموقع إلى أنّ “ما تبقى لنا هو، في جوهره، فهم معقم ومتجنب للأحداث العالمية حيث تختار غرف الأخبار بشكل موحد الصور التي لا تتضمن أيّ محتوى رسومي، كما فرضت منصات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل (تويتر) وـ(فيسبوك)، رقابةً صارمةً لمنع نشر صور العنف”.
الموقع الأمريكيّ شدّدّ على أنّه “ليست الجثث الفلسطينية وحدها هي التي تم شطبها من روايات وسائل الإعلام عن المجازر، ولكن عندما هاجمت روسيا أوكرانيا في وقت سابق من هذا العام، بدأ التوثيق المرئي للفظائع الروسية يهيمن على دورة الأخبار”.
ولفت الموقع إلى أنّ “النقاد لاحظوا تباينًا صارخًا في الاهتمام العالمي بمعاناة الشعب الأوكراني مقابل معاناة الآخرين ، فضلاً عن الطرق التي تم بها تغطية الغزو الروسيّ كعملٍ عدوانيٍّ غير مبرر، وهذا الأسبوع، على سبيل المثال، كانت هناك صور في الـ(واشنطن بوست) لمذبحة وقعت في وقت سابق من هذا العام في بوشا بأوكرانيا، وصور المذبحة كانت أكثر ممّا تم نشره للقتلى في غزة خلال العدوان الأخير”.
وشدّدّ الموقع على أنّ “مشكلة تصوير الحياة والموت الفلسطينيّ تتجاوز بكثير الصور المختارة لرواية القصة. لطالما شجب الفلسطينيون، والعديد من المراقبين الأجانب، وسائل الإعلام الدولية لتعقيمها الجرائم الإسرائيلية وإذعانها للرواية الإسرائيلية، وفي رسالة موقعة من قبل أكثر من 500 صحفي بعد حملة قصف إسرائيلية أخرى على غزة العام الماضي، أكّد المُوقّعين إنّ تغطية إسرائيل وفلسطين ترقى بانتظام إلى “سوء التصرف الصحفي”.
وأضافوا:”عدم التماثل في السياق لا يمتد فقط إلى اللغة التي نستخدمها، تميل القصص إلى تضخيم الروايات الإسرائيليّة بشكلٍ غير متناسب مع قمع الروايات الفلسطينيّة، والتعتيم على قمع إسرائيل للفلسطينيين فشل في معايير الموضوعية الخاصة بهذه الصناعة”.
وقال محمد مهاوش، صحفي وباحث فلسطيني مستقل مقيم في غزة، قال للموقع “إنّ تغطية الهجوم الأخير على غزة، الذي اعترف المسؤولون الإسرائيليون بأنّه “استباقي”، ركّز بشكلٍ حصريٍّ تقريبًا على التبرير الإسرائيليّ المزعوم للهجوم”، وأضاف “أنه على الرغم من أن غالبية الضحايا لم يشاركوا في أعمال مقاومة، إلّا أن تصوير المقاومة الفلسطينية يتعارض بشكلٍ صارخٍ مع صورة الشعب الأوكراني”.
وتابع الموقع في تحقيقه أنّه “على مدى الأشهر الماضية، امتلأت الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بقصص المقاومة والبطولة الأوكرانية، وقصص عن جنود يفجرون الجسور لتأخير اقتراب الدبابات الروسية والتضحية بأنفسهم في هذه العملية”.
وقال مهاوش:”لقد رأينا مدنيين يهاجمون المركبات المسلحة بكلّ ما لديهم ، كما رأينا عامة الناس يتلقون تدريبات على الأسلحة ويحفرون الخنادق”. ومع ذلك، إذا حدثت أيّ من هذه القصص في فلسطين بدلاً من أوكرانيا، فلن يُنظر إليها بالطبع على أنها أعمال بطولة ومقاومة، بلْ سيتّم تصنيفهم وإدانتهم فقط على أنهم إرهاب”، على حدّ تعبيره.