الوطن ما بين سطوة الكرسي و ” ناديه / الزبانية “

11 أغسطس 2022
الوطن ما بين سطوة الكرسي و ” ناديه / الزبانية “

 د. نعيم الملكاوي

قال الله تعالى في محكم التنزيل { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ }
وفي هذه الآية اختص الله تعالى  ” أبا جهل الذي كانت كنيته الحقيقية أبا الحكم عمرو بن هشام ” وما تحمله هذه الكلمات من حزم الهي في حق هذا الشخص .
أما في اللغـــة فكلمة ناديه مشتقة من النادي ، وهو المكان الذي يجتمع او يُجمع فيه الناس لتجاذب الأحاديث  ، وسُمى بذلك ايضاً لأن الناس يتنادون إليه ، أي يذهبون إليه للالتقاء ، والمراد هنا في قول الله تعالى  هم الأهل و العشيرة ومن يُستنجدُ بهم من أهل الموالاة .
أما الزبانية وهي جمع زبنية ، وأصل اشتقاقه الكلمة من الزبن ، وهو الدفع و البأس الشديد ، ويُطلق اللفظ في لسان العرب على رجال الشرطة الذين يزبنون الناس أي يدفعونهم إلى ما يريدون بقوة ، وتطلق على الشخص الذي اشتد بطشه ، و المقصود في قول الله تعالى هنا الزبانية هم مجموعة من الملائكة غلاظ شداد ذوي بأس وقوة شديدة .
وقد دأب العرب في كتب التاريخ على استخدام تعابير النادي و الزبانية على الأهل و العشيرة والعزوة و أعوان الزمرة الظالمة واستمر بهم التاريخ و التأريخ ليحافظوا على هذا الإرث الموروث واسقطوا الأوطان في هذا الشرك المحكم مفاصله و ساسوا العباد وتحكموا في البلاد وعاثوا فيها الفساد والإفساد فلا ينجو منهم إلا من التحم الى حضرة البطش والاستغلال و الاستفراد وخدم في عهدة الانذال .
فالوطن أحكمت مفاصله بين أيدي أمينة على السلب و النهب و الانتفاع والاستنفاع مرتجفة على ما يصلح شأن الوطن ، تقاطرت مركباتهم خلف بعضها البعض وشكلت الكيان الاعمق في ادارة الفساد وإفساد الوطن والعباد ، فتشكلت لهم المجالس و النوادي وكلٌ أصبح في حكم أبا الحكم وأصبح له من ينادي و يستنصر بهم  ، تجمعهم المصالح ما أن يتأرجح أحدهم تهُب له الهامات وتتطاير لهم العُقُل و العَبَايات و يستحضرون أدواتهم من النوادي و الحواشي و الزبانية ويجهزون على الأحداث وتصبح افراحاً لهم .
فيكون إسقاط الآية الكريمة على واقع الحال ويُجَسد ” ناديهم”  بالأحبة ، الأصدقاء ، الأقارب ، الأنساب ،  و الحاشية ومن التف حولهم من اصحاب المصالح المشتركة ، يجمعهم الاجهاز على ما تبقى في أمعاء الوطن ، ونراهم يتوارثون المناصب و الوظائف و المكاسب بينهم ، وكأنها خلقت لهم ، وجل اهتمامهم تأمين مصالحهم  و زيادة نفوذهم وهيمنتهم ، جميعهم يعملون تحت إمرة كل من استفرد بكرسي بغض النظر عن طبيعة مكونات هذا الكرسي ، من اسمى وظائفهم تزيين الحروف وتلميعها و حجب المعلومة الصحيحة وكتمانها ،  وتقديم المشورة التي تخدمهم وتخدم طغيانهم ، يتخلون عنهم عندما يصبحون عبئاً عليهم .
أما زبانيتهم فكلُ باطشٍ ، ظالم ، مطبل ، مزمر ، مدافع ، متملق ، منافق ، مادح …. و ما تجود به بعض الأقلام الغليظة والعقول الفارغة من الثرثرة و هرطقات عصر الظلمات ، و من يأتمرون بأوامر وتعليمات الحاشية التي تطيب للجالسين على الكراسي .
فالحكمة أن لا تحسن الظن بأي شخص يجلس على كرسي صُنعت أركانه من عظام الرعية حتى يثبت عكس ذلك ، فالطغاة لا يصنعون أنفسهم ، بل من حولهم من الحواشي و الزبانية هم الصانعون ، و بقائهم مبني على المنافع و المصالح الفردية او الجمعية الضيقة التي تكفل لهم الديمومة .
فالمعادلة أننا والوطن نقف أمام سطوة الكرسي و الحاشية و الزبانية ، فلا صاحب الكرسي لديه النية بالتخلي عن سطوته و لا الحاشية شبعوا من الانتفاع و لا حتى الزبانية مرتدين عن غيهم ، فنحن الشعوب نجيد صناعة الجلاد و نصنع له الكرباج .