نضال العضايلة
الحلقة الأولى
يتعمق جراح الأقصى يوما بعد يوم في ظل التعنت والغطرسة التي تمارسها الدولة العبرية المحتلة للأراضي العربية في فلسطين ، ولن يجد الأقصى ما يمكنه من استنشاق هواء الحرية طالما بقيت الحال العربية على ما هي عليه ، فكلنا يعلم ان إسرائيل لا تحفل بما يسمى بالمجتمع الدولي اولنقل بان هذا المجتمع المتآمر لا يأخذ الأمور بالنسبة لفلسطين والفلسطينيين على محمل الجد ، حتى اننا بتنا لا نعرف من معنا ومن ضدنا وكيف يمكن لنا ان نصنف الدول وحسب اي مقياس.
ولكن الحقيقة الوحيدة التي ندركها ان للبيت ربا يحميه فالمسجد الأقصى هوأولى القبلتين وثالث الحرمين وكما حمى الله المسجد الحرام من فيلة ابرهة ، سيحمي المسجد الأقصى من فيل ناتينياهو اللعين.
المسجد الأقصى القدسية والجغرافيا
المسجد الأقصى هوواحد من أكثر المعالم الإسلامية قدسية عند المسلمين ، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين ، يقع داخل الحرم القدسي الشريف ، وقد ذكره القرآن في سورة الإسراء:” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ “. يقع المسجد الأقصى في الحرم القدسي داخل البلدة القديمة لمدينة القدس في فلسطين.
تبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 دونماً ، ويحتل نحو سدس مساحة القدس المسورة ، وهوعلى شكل مضلع غير منتظم ، طول ضلعه الغربي 491 مترا ، والشرقي 462 مترا ، والشمالي 310 مترا ، والجنوبي 281 مترا.
ومن دخل الأقصى فأدى الصلاة ، سواء تحت شجرة من أشجاره ، أوقبة من قبابه ، أوفوق مصطبة ، أوعند رواق ، أوفي داخل قبة الصخرة ، أوالجامع القبلي ، فصلاته مضاعفة الأجر. عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا – ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم – أيهما أفضل : مسجد رسول الله أَم بيت المقدس؟ فقال رسول الله :”صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعم المصلى هو ، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا قــال : أوقال خير له من الدنيا وما فيها “. (أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
وهوثاني مسجد وضع في الأرض ، عن أبي ذر الغفاري ، قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال :”المسجد الحرام” ، قال: قلت ثم أي؟ قال :”المسجد الأقصى” ، قلت: كم كان بينهما؟ قال:”أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة فصله ، فان الفضل فيه.” (رواه البخاري).
وكما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى ، فقد عمره إبراهيم حوالي العام 2000 قبل الميلاد ، ثم تولى المهمة أبناؤه إسحاق ويعقوب من بعده ، كما جدد سليمان بناءه ، حوالي العام 1000 قبل الميلاد.
ومع الفتح الإسلامي للقدس عام م636 (الموافق 15 للهجرة) ، بنى عمر بن الخطاب الجامع القبلي ، كنواة للمسجد الأقصى
وفي عهد الدولة الأموية ، بنيت قبة الصخرة ، كما أعيد بناء الجامع القبلي ، واستغرق هذا كله قرابة 30 عاما من 66 هجرية ـ 685 ميلادية – 96 هجرية ـ 715 ميلادية ، ليكتمل بعدها المسجد الأقصى بشكله الحالي.
للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهويعتبر قبلة الانبياء جميعاً قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي قبل أن يتم تغيير القبلة إلى مكة.
وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أنه أسرى بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماماً بالأنبياء ومنه عرج النبي إلى السماء. وفي السماء العليا فرضت عليه الصلاة.
ويعتبر المسجد الأقصى هوالمسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال ، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحرام ، والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
وللصلاة في المسجد الأقصى ثواب يعادل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد. قال : “الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، والصلاة في مسجدي بألف صلاة ، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة”.
وهوالمسجد الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالبقاء قربه روى أحمد في مسنده عن ذًي الأصَأبًعً قَال: قلت يا رسول الله ، إًنً أبْتُلًينَا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون”.
المسجد الاقصى التاريخ
ويعتبر بيت المقدس منبت الأنبياء من إبراهيم الخليل عليه السلام ، ولهذا اجتمعوا هناك لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، فأمهم في المسجد الأقصى ، فدل على أنه (صلى الله عليه وسلم) الإمام المعظم.. وكانت صلاته (صلى الله عليه وسلم) بالأنبياء ليلة الإسراء إقراراً بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى البشر ، أخذت تمامها على يد محمد عليه السلام.. وكانت الصلاة بالمسجد الأقصى دلالةً على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى هي الصبغة الإسلامية فالتصق نسب المسجد الأقصى بالأمة الإسلامية التي أم رسولها الكريم سائر الأنبياء.. ولاشك أن في اقتران الإسراء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليلاً باهراً على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى ودليلا على أن المسجد الأقصى فوق مركز الدنيا وأنه المصعد من الأرض إلى السماء.
في عهد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، صُعد بالنبي إلى السماوات العلى ليلة الإسراء والمعراج ، وكان المسجد الأقصى هوالمكان الذي صعد منه ، حيث اختار الله تعالى بيت المقدس ليعرج النبي عليه الصلاة والسلام منه إلى السماء ، ولو لم يحدث في زمن النبوة إلا ذلك الحدث لكفى بيت المقدس تشريفاً وتقديساً ، إلا أن بيت المقدس كان له نصيب آخر من الأحداث في عهد الرسول (عليه الصلاة والسلام) فبعد أن توطدت دعائم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ، وبعد أن تم فتح مكة المكرمة ، تلفتت أنظار الرسول (عليه الصلاة والسلام) صوب بيت المقدس ليطهره من الشرك الروماني.. فبعث إلى ملك بيت المقدس يدعوه إلى الإسلام ولكنه قتل رسول النبي ، فاجتمع المسلمون في ثلاثة آلاف مقاتل لقتال الروم وفتح بيت المقدس ، واستطاع خالد بن الوليد أن ينسحب بالجيش انسحابا آمناً.
وبعد حجة الوداع قام الرسول (عليه الصلاة والسلام) بإعداد جيش لقتال الروم في بلاد الشام ، واختار لإمرة هذا الجيش أسامة بن زيد ، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء الخليفة أبوبكر الصديق (رضي الله عنه) فأبى إلا أن ينفذ جيشاً أعده الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبل وفاته ولكنه رأى أولاً أن يستفيد من هذا الجيش في القضاء على المرتدين ، فلما أتم الله لأبي بكر النصر على المرتدين ، توجه نظره بعد ذلك إلى توجيه جيش إسلامي كبير إلى الشام.. فوجه أبا عبيدة بن الجراح إلى حمص ، ويزيد بن أبي سفيان إلى دمشق ، وعمروبن العاص إلى فلسطين ، وشرحبيل بن حسنة إلى الأردن ، وكان من نتائج هذه المعركة فتح عدة مدن من فلسطين منها نابلس وعسقلان وغزة واللد والرملة.. وبهذا مهدت الجيوش الإسلامية في خلافة أبي بكر للزحف نحوبيت المقدس.
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب
وجه عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه) لفتح بيت المقدس وكان معسكراً في الجابية ، ولما وصله رسول عمر قام أبوعبيدة بتوجيه خالد بن الوليد في خمسة آلاف فارس نحوبيت المقدس ، ثم أتبعه بخمسة آلاف فارس آخرين بقيادة يزيد بن أبي سفيان ، ثم بخمسة آلاف بقيادة شرحبيل بن حسنة ، واجتمعت الجيوش كلها ولحق بها أبوعبيدة بن الجراح(رضي الله عنه) وضربوا الحصار حول المدينة المقدسة في أيام برد شديد ، حتى استيأس أهل المقدس بعد مرور أربعة أشهر ، فطلبوا تسليم المدينة ليضمنوا العهد والأمان منه.
فأجابهم أبوعبيدة وأرسل طالبا إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أن يحضر ليتسلم المدينة ، وجاء وفد أبي عبيدة إلى المدينة المنورة وبصحبتهم وفد من النصارى ، فسألوا عن أمير المؤمنين ليبلغوه طلب رؤسائهم ، فاشتد عجبهم عندما رأوا قائد دولة المسلمين مفترشاً الأرض ينام تحت ظل شجرة يحتمي بها من الحر.
وخرج قاصداً بيت المقدس.. ووصلها في شهر رجب في السنة السادسة عشر ة من الهجرة ، في شهر الإسراء والمعراج ، ليحرر مسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الشرك الصليبي ، ودخل عمر بن الخطاب المدينة عن طريق جبل (المكبر) الذي سمي بهذا الاسم لأن عمر بن الخطاب لما أشرف على المدينة المقدسة من فوق الجبل كبر وكبر معه المسلمون.
وصل عمر بن الخطاب إلى القدس ممتطياً بعيراً أحمر ، كان يتبادل مع غلامه الركوب عليه ، فعندما بلغ الخليفة سور المدينة كان دور الركوب للغلام ، فنزل عمر وركب الغلام وعمر بن الخطاب يمسك بلجام البعير ، فلما رآه البطريرك أكبره ، وبكى بطريك النصارى وقال: إن دولتكم باقية على الدهر ، فدولة الظلم ساعة ، ودولة العدل إلى قيام الساعة. ثم طلب عمر بن الخطاب من البطريرك أن يدله على مكان (مسجد داود).. فمضى بهم إلى مكان مسجد بيت المقدس حتى وصلوا إليه فقال (رضي الله عنه) الله أكبر ، هذا والذي نفسي بيده مسجد داود (عليه السلام) الذي أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه أسري به إليه فمضى عمر نحومكان المحراب فصلى فيه وقرأ سورة ص ثم سجد.
يتبع