النّصيحة…

25 أبريل 2022
النّصيحة…

لانا مامكخ

يُقال إنَّ نصفَ مقدار معجون الأسنان الذي نراه ينسابُ على الفرشاة في الإعلانات، كافٍ لأداء الغرض المطلوب، لكنّهم يبالغون في كمّيّته أمامنا حتى نقلّدَهم، ويكثرَ استهلاكنُا… فتزيدَ أرباحُهم!
وفيما كنتُ أظنُّ، بسذاجة، أنَّ السببَ الذي من أجله لا توجد نوافذ في أبنية المولات الكبيرة مرتبطٌ بمعاييرَ أمنيّةٍ وقائية من احتماليّات السّطو والسّرقة، تبيّن أنَّ السّببَ هو «عزل» المستهلك عن الزّمن ومروره خارج المكان، لذلك، تراهم يكتفون بالإضاءة الصّناعية، كي يفقدَ الزّبونُ إحساسَه بالوقت، فيشتري أكثر… وما يُؤكّد ذلك خلوّ المولات، عموماً، من وجود ساعاتٍ تشيرُ إلى الوقت بدقّة!
أمّا تكديسُ صنفٍ معيّن من البضاعة في صندوقٍ واحد أمام المتسوّق، فالهدف هو الإيحاءُ برخصها، في حين يكون سعرُ القطعة المعروضة منفردة في مكانٍ أنيق أقلّ، وأوفر على جيوبه!
والأمرُ نفسُه لمّا يغرونك بعبارات من مثل: «اشترِ قطعة، واحصل على الثّانية مجّاناً…» لترى نفسك منساقاً إلى صفقة غير بريئة، أنت الخاسرُ الوحيد فيها ضمن عمليّةٍ حسابيّة بسيطة…
وتتعمّدُ معظمُ المولات تكديسَ أكوامٍ من البضائع التّافهة في مدخل المكان حتى يراها المستهلكُ لحظة دخوله وهو في كامل طاقته الجسديّة والماليّة، فيقرّرُ شراءها دون تفكير…
كما أنَّ ثمّة خدعٌ صغيرة تجري في أجنحة المخابز، إذ يستخدمُ نوعٌ من «الأصنص» المختص برائحة المعجّنات الطّازجة الشّهيّة التي تثير الجوع، فينقادُ المتسوّق إلى شرائها دون تردّد!
وهل سألنا أنفسنا عن الحجم الكبير لسلال الشّراء؟ إنّها كي توحي للمستهلك ضرورةَ ملئها بما يحتاج، وبما لا يحتاج…
الخلاصة مفادها، بأنَّ فنون التّسويق تعتمدُ على علم النّفس بشكلٍ أساسي لغايات التّرويج والتّسويق والإغراء، والمعلومات السّابقة وغيرها مطروحةٌ بسخاء على مواقع البحث الالكترونيّة، ممّا يدفعنا للتّساؤل بحرقة: من يُصمّم الإعلانات على شاشاتنا المحليّة… هل أتعبَ نفسَه بالاطّلاع العابر عليها وعلى علوم التّسويق وفنون الإعلان بشكلٍ عام؟ فلو حدث، لما كنّا عانينا من رداءة معظم ما نشاهده من إعلانات!
فكيف يتّفقُ أن يروّجَ محلُّ حلوياتٍ مرموق في عمّان لمنتجاته باعتماد مبدأ الخديعة والتّحايل من سيّدةٍ مدّعية كاذبة تزعمُ، في الإعلان السّخيف، أنّها صنعت بيديها من ابتاعته منهم… والأسلوب ذاته اعتمدته إحدى الشّركات الصّانعة لنوعٍ من المعجّنات… أمٌّ تكذبُ على ضيوفها، فيكشفها ابنُها الصّغير ببراءة!
باختصار، ثمّة ترويجٌ لسلوكيّاتٍ ذميمةٍ مكروهة في بعض الدّعايات، مثلَ تحويلِ العنف الأسري الموجّه من المرأة لزوجها إلى مادّةٍ فكاهية… لا أتخيّل أنَّ أحداً منّا استساغَ المشهد، أو اقتنعَ بشراء ما حاولت الدّعايةُ تسويقَه!
وثمّةَ مقاديرُ من السّماجة والفجاجة والغلظة في أخرى، فملامحُ المشاركين غير مقنعة، والحوارُ الذي يجري بينهم أحياناً، حوارٌ ساذجٌ مفتعلٌ تافه، يُنفِّرُك من المُنتَج المقصود، بدل أن يُغريك بشرائه!
لم يبق سوى أن نشفقَ على تجّارنا الأكارم بسبب سوء اختياراتهم لبعض الطّارئين على فنِّ الإعلان، لننصحَهم بإخلاص: «وفّروا أموالَكم، فخيرُ دعايةٍ لكم هي منتجاتُكم المتقنة… وأمانتُكم، وحرصُكم على بيعها بأسعارٍ رحيمةٍ!».