د. شذى صخر الزعبي
مدير عام مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث – الأردن
الأردن مجتمع متنوع الروافد الثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يشكل تحديات عصرية للهوية الوطنية الواحدة؛ عبر محاولة استمرار ربط الأجيال الناشئة بالأجيال السابقة. وحيث أن التراث التاريخي يمثل الحاضنة الأساسية للهوية الوطنية، ويعكس الذاكرة الجمعية للوطن، ويشكل النموذج الحضاري الثقافي الذي يرتكز على تعزيز ارتباط المكان بالتاريخ، باعتباره الوعاء الذي تستمد منه الدولة قيمها الأصيلة وأفكارها وأسلوب حياتها، وهو ما يصب في عملية التنمية والتطوير والبناء.
وعليه، فإن بلورة هذا النموذج تتطلب بلورة الهوية الوطنية وتأطيرها، ومن أهم عوامل ترسيخها تعزيز رموز وشخوص وطنية حافظت على بياضها، واحتفظت بصورتها بكل عز وفخر، وعملت على تعزيز الانتماء للوطن، وجددت الولاء دائماً لقائده؛ وهنا ظهر وصفي التل كشخصية لا تغيب عن ذاكرة الأردنيين، ترك وراءه أرثا ارتكز على مجموعة من المبادئ بتفضيل المصحلة العامة على الخاصة، وخدمة قضايا الأمة والوطن، فأصبح أيقونة وطنية لها رونق وجاذبية لأجيال لم تراه وتعاصره، تستذكره الأجيال في قضايا مختلفة، وتستند على أقواله في محافل متنوعة، يشعرون بذكراه برجل حر محب لوطنه تحمل مسؤوليته وقام بدوره على أكمل وجه، لا يفضلون المقارنة مع من استلم المنصب ذاته فلا وجه للمقارنة. فنموذج وصفي التل يثري الحالة الوطنية، ويعزز من الشعور الوطني، ينتج حاضر متصل بالماضي في محاولة لاستشراف نموذج مستقبلي يخدم الوطن باخلاص وانتماء وولاء.
حماية هذا التفاعل بين الهوية الوطنية والإرث التاريخي في المجتمع يتطلب العمل على توثيقه، وترسيخه في ذاكرة العقل الإنساني الفردي والعقل الجمعي للأمة، عبر عمل العديد من المؤسسات المختلفة في المجتمع؛ المدرسة والجامعة ومنظمات المجتمع المدني، لاستمداد القوة المجتمعية ضمن مبادئ أخلاقية، وضوابط اجتماعية، وغايات سامية، تمثل قضية وطنية جامعة يشعر الأردنيون فيها بانتمائهم، وترسم خارطة المستقبل كمكون مهم وأساسي من مكونات هويتنا المستقبلية.