ديمة الفاعوري
قلنا قبل الانتخابات ان الاحزاب السياسية الاردنية بحاجة الى دماء جديدة تحيي الأمل وتبعث الروح في الخارطة الحزبية الاردنية التي تعطلت مكوناتها حد الغياب، وما سمعناه من هذه الأصوات هو رجع صدى لآخر شعار وصرخة، بعد إرتطامها بالحائط، وخفتت حتى النحنحات، وهذا الصدى الجنائزي العائد إلينا تفاجانا به، لقد ماتت الاحزاب فرادى، أو، جماعات، وظهرت جميعها تؤبن بعضها البعض، ويتداعى بعد الدفن، حوذي الوطنية، رافعا الصوت عاليا بين المشيعين قبل مغادرة المدفن، رجاءاً من كل من له دين أو متعلقات في ذمة الأحزاب، إما المسامحة أو إنتظار بيع أملاكهم.
واليوم بعد ان تم الدفن، وانقطع العويل، نقول اننا بحاجة لمفكرون، لمثقفون، لشباب واعدون، الى من مازال على عهد الحياة، الميدان يناديكم ويتسع للكثير، إستخلصوا العبر، ولنبدأ من جديد، فالطريق إلى تعميق مفهوم الحزب مازال طويلاً، ينتظر أفكارا جديدة، ينتظر أرواحاً جديدة، ينتظر أخلاقاً وسلوكيات جديد، ولا تنظروا لمن ماتوا فلن يعودوا، فكثير من الأحياء ميتون.
إصنعوا أحزاباً فتية جديدة، وغادروا سلبيات تجربة من ماتوا وشيعوا لمثواهم الأخير، وابنوا أحزابكم الجديدة عالعلم والأخلاق فالعلم وحده ليس يجدي، وسارعوا بالتنظيم، الفراغ ينتظركم، فقد طويت حقبة من الزمن بما فيها، وبكل من فيها، وأنتم المخلصون والمخَلِصون.
وثمة إجماع على أنّ الساحة السياسية تعاني فراغاً حزبياً أنتج حالاً من اللاتوازن أعاقت تطور أدوات العمل الديمقراطي في البلد، وهنالك رأي وازِن يرد تجذّر الهواجس من الانفتاح السياسي إلى خواء المشهد الحزبي من تيارات حزبية جوفاء للعمل الحزبي الجماهيري المؤسساتي المنظم.
الساحة الأردنية وللأسف مزدحمة بأعداد كبيرة من الأحزاب التي لم تحدث أي تغيير يذكر في المشهد السياسي الأردني ولن تحدث على الاقل في العشر سنوات القادمة إذا ما بقي الحال على ما هو عليه الآن، والأحزاب التي فازت بمقاعد في البرلمان، كان ذلك بفضل القاعدة العشائرية التي ينتمي اليها مرشحوها وليس الحزبية، وكذلك فازت بعض الاحزاب التي يرأسها بعض رجال الأعمال بمقعد او اثنين بهدف العودة للمشهد بغطاء سياسي وليس بغطاء اقتصادي بحثا عن مصالحهم الشخصية، وهذا هو السبب الذي أدى إلى وجود فراغ في الشارع السياسي.
فمشاكل الأحزاب التي يخضع تمويلها للاشخاص سيظل اتجاهها يميل وفقا لرغبة صاحبها واتجاهه السياسي وتأثيره على صناعة القرار، وهذا في حد ذاته يعد خطرا كبيرا في السياسة.
وعليه فإني أقترح دمج الأحزاب بحيث يكون لدينا ثلاثة او اربع احزاب، تكون قادرة على طرح برامج علمية تمس الناس مباشرة، وليس عيباً ان يكون هناك حزب اسلامي وآخر يساري وثالث قومي ورابع وسطي، شريطة ان يحدث الاندماج طفرة حزبية يمكن ان توصلنا في قادم الايام الى نواب حزبيين قادرين عل تشكيل حكومات برلمانية.
اما وقد انتهت الانتخابات وظهرت الاحزاب على حقيقتها فاني اقترح عمل تقييم دوري للأحزاب يحدد التمويل الحكومي لها وفقا لأعداد المقاعد التي حصل عليها الحزب، وبذلك نقضي علي قضية التحكم في الأحزاب.
اعتقد بان الحياة الحزبية في الأردن لن تنجح خلال السنوات العشرين القادمة لأن ثقافة الشعب الأردني مؤمنة بأن النظام السياسي الحالي هو الانجع والاسلم في زمن دبت فيه الفوضى، والشعب الأردني يمتلك رغبة شديدة في ممارسة السياسة بعيدا عن الأحزاب، فحلقات الزمن بقاموسه تسير بشكل متواصل وليست منفردة، وعليه فإن الثقافة التي يمتلكها الاردنيون تنتج دروسا وعبرا لا تستطيع اي مدرسة سياسية ان تتجاهلها، لان عين الثقافة شاملة يرى الاردني نفسه بها في زمن يتمايل كلما هبت رياح الفتنة التي قادت للانهيارات في بعض الدول.