وطنا اليوم – رصد: يستهل مجلس النواب الأردني الجديد عهده بصورة مشوهة، إذ تحاصره الاتهامات والشبهات، فالعديد من أعضائه يلاحقهم القضاء، بسبب مخالفة قانون الدفاع أو بتهمة شراء الأصوات. فالمال والجهوية نظما صفوف المجلس الـ19، في ظل قانون انتخاب استطاع، بشكل كبير، هندسة تشكيلة البرلمان.
الحضور الحزبي في المجلس الجديد يأتي على هامش المشهد. فالحياة الحزبية البرلمانية غائبة، ووفق تصريحات الأمين العام لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، رئيس لجنة الأحزاب علي الخوالدة، عقب الانتخابات، فإن مجموع المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب السياسية بلغ 12، بما نسبته 9 في المائة تقريباً من إجمالي مقاعد أعضاء مجلس النواب.
130 نائباً حملتهم أدنى نسبة اقتراع في تاريخ الانتخابات التشريعية (29.90 في المائة) في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إلى قبة البرلمان، منهم نحو 100 وجه جديد. تغير في الشكل ليس أكثر، فالأغلبية من المستقلين محكومون بصوت العشيرة، والخدمات المناطقية، وسطوة المال والمصالح الشخصية.
ويدخل المجلس الجديد إلى المسرح السياسي والثقة الشعبية في البرلمان، السلطة التشريعية، مفقودة، والسلطة التنفيذية، الحكومة، ليست أفضل حالاً. أما السلطة القضائية فهي أمام اختبار جديد في مواجهة مخالفات النواب. وحول المجلس الجديد، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الدكتور جمال الشلبي، لـ”العربي الجديد”، إن الظروف التي تشكل فيها المجلس غير سوية، ففيروس كورونا، والإحباط الشعبي من المجلس الـ18، والإحساس بأن الدولة لا ترغب بمشاركة البعض، إضافة إلى العوامل النفسية المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية ساهمت في لحظة ما، يوم 10 نوفمبر، بعدم ذهاب المواطنين إلى صندوق الاقتراع.
وأشار الشلبي إلى أن صوت العشيرة كان السائد في الانتخابات، خصوصاً في الأطراف، فيما كانت المدن عازفة عن التصويت، لافتاً إلى بروز المتقاعدين العسكريين بين الناجحين، والذين نالوا أكثر من 20 مقعداً، معتبراً أن ذلك يتناغم مع وزن وحضور المتقاعدين العسكريين في المجتمع الأردني. وقال: لدينا نحو 100 برلماني جديد، معظمهم ليس لهم دراية حقيقية في الشأن السياسي والعلاقات الخارجية، والمشاكل الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد، وبالتالي نحن أمام وضع صعب، مرجحاً أن يكون هذا البرلمان ضعيفاً وهشاً.
وبخصوص الأحزاب، أوضح الشلبي أنه رغم المشاركة الكثيفة، فإنه لم يكن هناك تمثيل لهم بالمجلس، فحتى حزب “جبهة العمل الإسلامي”، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لم يحصل على أكثر من 10 مقاعد، وهذا يعتبر أضعف مشاركة لهم، بالإضافة إلى غياب اليساريين عن المجلس، وضعف حضور المرأة خارج “الكوتا”. وتابع: ربما نحن أمام برلمان غير مسيس، وهذه ربما أسوأ صفة يمكن أن تطلق على برلمان، وهذا يعني أن من غير المنطقي أن يلعب دوراً سياسياً مؤثراً. وتوقع أن تكون هناك سيطرة وهيمنة للسلطة التنفيذية على مجريات الشأنين، الداخلي والخارجي، وتمرير المشاريع التي تريدها على المستوى المحلي، خصوصاً ما يتعلق بالاقتصاد، وخارجياً في مجال التسوية السياسية، وتطورات القضية الفلسطينية. ورأى أن الأردن يحتاج إلى برلمان خارج من رحم الأحزاب التي تمثل المواطنين وتحترم الدستور والدولة، وسطية أو يسارية أو يمينية. وأشار إلى أنه ليس من المنطق أن يكون لكل نائب موقف ورأي مختلف، معتبراً أن إجراء الانتخابات في هذا التوقيت نجاح للدولة، إذ لم يعد هناك فراغ دستوري.
بدوره، قال المحلل السياسي الأردني زيد النوايسة، لـ”العربي الجديد”، إن هذا المجلس استثنائي بكل ظروفه، من حيث جائحة كورونا ونسبة التصويت الأقل في تاريخ العمل البرلماني، مشيراً إلى أن الدولة وجهت رسالة، وهي تطبيق الاستحقاقات الدستورية في موعدها. وأشار إلى أن دخول 100 شخصية جديدة إلى البرلمان مؤشر على الرغبة في التغيير من قبل الناس الذين وصلوا إلى درجة الإحباط من الأداء البرلماني. ولفت إلى أن أغلب استطلاعات الرأي، التي أجريت خلال الفترة الأخيرة، تشير إلى أن أقل من 20 في المائة من المواطنين يثقون بالمجلس. وتابع: ربما البرلمان الجديد لن يختلف كثيراً عن البرلمانات السابقة، ولكن علينا أن نراقب النواب الجدد، الذين أغلبهم من دون أجندة أو تجربة سياسية، لكنه استدرك أن من المبكر الحكم على توجهاتهم، فقد تكون مختلفة، خصوصاً أن هذا البرلمان هو الذي ستعبر به الدولة الأردنية إلى المئوية الثانية في ظل مرحلة استثنائية بسبب كورونا والظرف الاقتصادي، وعجز في الموازنة، والآثار غير المباشرة لعمليات الإغلاق. وقال: لا نستطيع أن ننكر أن العلاقة متوترة بين البرلمان الجديد والحكومة، بسبب توقيف بعض النواب بسبب احتفالاتهم المخالفة لقوانين الدفاع بعد فوزهم، واستخدام المال الفاسد. ولفت إلى أنه من المبكر الحكم على أداء البرلمان، فالاشتباك الأول سيكون عند تقديم الحكومة لبيان نيل الثقة، والثاني عند تقديم الموازنة التي ستكون أخطر موازنة أردنية خلال العقود الأخيرة.
بدوره، رأى المحلل السياسي والصحافي المختص بالشأن البرلماني جهاد المنسي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن أبرز ما هو مطلوب من المجلس المنتخب هو العمل على قانون انتخاب جديد. فخلال دورتين انتخابيتين ثبت أن هذا القانون يحتاج لإعادة نظر، إضافة إلى الاستحقاقات على أجندة المجلس، وهي انتخاب رئاسة المجلس، وطرح الثقة بحكومة بشر الخصاونة، وإقرار الموازنة، إضافة إلى الاستحقاقات المتعلقة بالعلاقات الخارجية وإعادة ترتيب المنطقة.
ورأى المنسي أن أهم مسؤولية تقع على عاتق المجلس الجديد هي استعادة ثقة المواطنين المفقودة بهذه المؤسسة. فالمجلس الحالي اهتزت صورته بشكل كبير، منذ إطلاق النار من قبل بعض أعضائه للاحتفال بالفوز بمقعد نيابي، بالإضافة إلى إرث المجالس السابقة. وقال: السؤال هو هل سيكون هذا المجلس على قدر المسؤولية. لا أحد يعلم كيف سيتصرف نحو 100 نائب جديد، ولكن نأمل أن يكون هناك صف جديد من النواب جاهز لأداء المطلوب منه، فمجلس النواب مؤسسة تشريعية، والخوف أن يأتي جيل لا يدرك دوره التشريعي. وأضاف “إذا أردنا الاتجاه إلى الدولة المدنية الحديثة، دولة المؤسسات والقانون وتكافؤ الفرص والديمقراطية والحريات، فعلينا إعادة النظر في الكثير من القضايا. ليس المهم كم شابا أو سيدة في المجلس، لكن الأهم عدد النواب السياسيين. فمجلس النواب ليس خدمياً، بل سياسي”. وأضاف “الخوف ألا يكون الأعضاء الجدد في مجلس النواب ذوي خلفية سياسية، وإذا ثبت هذا الأمر، فإن هذا يعني أن هناك مشكلة كبرى. مجلس النواب يجب أن يعمل بطريقة مؤسسية، والعمل الفردي يجعل المجلس مطواعاً للحكومة”.
(العربي الجديد)