الخبير التشريعي الدولي: د .ياسين رواشدة
الاساس في قانون الانتخاب- اي قانون – ان ياخذ بالاعتبار عاملين اساسيين :
١. الارث التشريعي، اي حركة وتطور النظام خلال السنين، والمراحل السابقة، والاستفادة منه، وفي الحالة الاردنية من الثلاثينيات والى عام ١٩٩٠.
٢. مقارنة مع الانظمة والقوانين في الدول المشابهة.
واذا اخذنا الارث التشريعي كقاعدة يبنى عليها لقانون جديد، فعلينا ان نعود للاصول ونمر على التجارب الايجابية لنبني عليها، والسيئة لتكون دروسا نتجنب تكرارها.
ويقول التاريخ الاردني انه عندما تقرر اجراء اول انتخابات في عهد الامارة، قام المستشار البريطاني بوضع معايير لتحديد المقاعد على اسس ديموغرافية، اي ان كذا مواطن يمنحون مقعدا…ولما جاء التطبيق العملي حصلت مشاكل لان الدوائر وكانت وقتها ” اقضية”، كانت الارقام اما تزيد، او تنقص عن العدد المحدد للمقاعد..فكان مثلا كل ٥٠٠ ناخب لهم مقعد، فاذا كان عدد ناخبي قضاء السلط ٤٧٠٠ ناخب، فان العدد الفائض عن ٩ نواب هو ٢٠٠ ناخب يجب ان ينضم لدائرة مجاورة، اي ان يسافر الى هناك للتصويت، والتصويت لمن؟ هل لمرشح تلك الدائرة ؟ والعكس بالعكس.
حيث لا توجد دوائر باعداد دقيقة على مقاس المقاعد، فحصلت مشاكل ومشاجرات عديدة، ادت فورا الى الغاء الاساس الديموغرافي( فهو متغير) واعتماد الجغرافيا( وهو الثابت) وبعدها ظل التوزيع الجغرافي المتوازن والافقي هو الاساس في توزيع المقاعد.. وعلى سبيل المثال فانه وفي اول انتخابات في عهد المملكة ( تشرين ١٩٤٧) كان توزيع المقاعد – بالتساوي- بين الوية – دوائر المملكة..اي ٤ مقاعد لكل من لواء عجلون(الشمال) والسلط( الوسط) والكرك( الجنوب وكان يضم الطفيلة وتوابعها) اما عمان العاصمة فكانت دائرة بذاتها ايضا..
اي كانت اربعة مقاعد لهذه الدوائر الاربع .ورغم اختلاف عدد السكان والناخبين لكنه جرى اعتماد- التوازن- الجغرافي.. كما حصل حينها منح بدو الشمال والجنوب ولاحقا بدو الوسط عددا متساويا من المقاعد ( رغم اختلاف عدد السكان) اولا كان مقعدا واحدا لكل منها ليزيد مقعدان، وليصل الى ٣ مقاعد، ويظل هكذا حتى الان.. اي ان التوازن، والعدالة سائد كاساس لدوائر البادية.. اي انها تجربة ناجحة( اداريا واجرائيا) ..
وبناء على هذا الاساس، عندما حصل انضمام الضفة الغربية الى المملكة( شرق الاردن)، جرى الاتفاق على مبدا المساواة العددية للمقاعد بين الضفتين( رغم اختلاف وتباين عدد السكان اي الناخبين) حيث تم الاتفاق على وجود عشرين مقعدا لكل منهما.. اي ان مبدا التوازن الجغرافي هو الاعتماد الاساسي وهو المقبول ..
ولما حصلت اول انتخابات حرة وحزبية، والتي تشكل على اساسها حكومة تحالف احزاب ومن رحم البرلمان، كان نظام الانتخاب هو ذاته نظام التوزيع على الاساس الجغرافي ذاته( ٢٠ مقعدا لكل ضفة)..وكلنا نعرف انها تجربة ناجحة من حيث الترشح والانتخاب وتشكيل الائتلاف الحكومي وو.
اي انها كانت تجربة ناجحة، والسبب الاساسي ان النظام حينها قرر اجراء انتخابات نزيهة ولم يتدخل فيها.. النزاهة كانت العامل المهم فيها.
اذا كنا نتحدث عن تحديث وتطوير للوصول الى الافضل، علينا البناء على هذه التجربة وعلى غيرها، والتي اساسها اعتماد الجغرافيا ( الثابتة) وليس الديموغرافيا( وهي المتغيرة)..
هذا هو الارث التشريعي الاردني..
واما الاستفادة من الدول المشتبهة وذات التجارب الناجحة، فمعروف ان تجربة البرلمان الكويتي هي الانجح عربيا..شكلا و مضمونا..
ففي الكويت خمس دوائر انتخابية ..توزع المقاعد بالتساوي التام بينها اي عشرة مقاعد لكل دائرة .رغم ان عدد الناخبين مختلف كثيرا.. ففي الدائرة الاولى يحتاج المرشح لثلاثة الاف صوت تقريبا ليفوز بينما زميله المرشح في الدائرة الخامسة يحتاج لعشرة الاف صوت للفوز، ( كنت انا احد المشرفين الدوليين على تلك الانتخابات في عدة دورات) ورغم هذا لم نجد احدا يحتج لماذا هذا التباين في عدد الاصوات، لان الناس تعرف ان الاساس هو التوازن المناطقي، وان التوازن هو ضمان العدالة وليس المساواة الرقمية، لان الناس ليسوا قطعانا.
الغالبية العضمى من دول العالم تعتمد نظام التوازن المناطقي اي الافقي ..
حتى امريكا في انتخابات مجلس الشيوخ حصة كل ولاية مقعدين بغض النظر عن حجم وسكان الولاية..
اما نظام الديموغرافيا، فهناك مثال عربي صارخ وهو نظام الانتخاب في العراق، والذي انتج نظاما ديموغرافبا عنصريا تخريبيا يهمش مكون على حساب مكون، ونتائجه التخريبية معروفة، حيث ترحل القبائل قسرا وبالاف قبيل كل انتخابات لتسجل في محافظة ما لغرض فرض غالبية، ثم تعود، او تستمر في الرحيل..
والعراقيون الان، الذين دمر بلادهم هذا النظام وغيره، يبحثون عن تبديله لتخليص انفسهم من شروره..
والعجيب ان هناك نظام مشابها وهو ما يساق لنا ضمن قانون الانتخاب المطروح، واقول ( للحق) قانون مشابه وليس نسخة..
واذا نريد قانون جديد لتوزيع المقاعد فيجب اخذ تلك التجارب الاردنية والعربية اساسا، اي ارثنا وتاريخنا التشريعي، وتجارب الاخرين المشابهين….
ان تكون المحافظات هي بذاتها دوائر انتخابية، وان يكون التوزيع الافقي متساويا مع الاخذ بعين الاعتبار – بزيادة اضافية محدودة نسبيا لمقاعد العاصمة( لاباس ان يحسبوها كثلاث دوائر ) ومدينة الزرقاء واربد كدائرتين لكل منهما.. اما بقية المحافظات فمقاعد متساوية يضاف مقعد او مقعدان لبعضها تمشيا مع وجود ( الاخوة المسيحيين فيها والذي لا يجوز تخفيض المقاعد المخصصة لهم).
وهنا يجب الغاء ما يسمى دائرة وطن تماما، فهي اختراع وتشويه تشريعي لايوجد مثيل له، لا في ارثنا التشريعي، ولا في اي قانون انتخاب في العالم.
ان فرض دائرة وطن هو اقرار بوجود” طبقتين” ونواب درجة اولى وثانية، واعتراف بوجود ما يسموه هوية جامعة ( دائرة وطن).
ان وجود هذه الدائرة والتي خصصوا لها ٤١ مقعدا، ومرة واحدة، يشكل عبثا تشريعيا، وسابقة غير معروفة في عالم الانتخابات.
والادهى ان هذه التجربة قد مررنا بها في الانتخابات قبل الماضية واثبتت فشلها وجرى الغاؤها.. والان يعيدون التجربة التي اقروا حينها انها فاشلة؟!!
واذا هناك اصرار كثيف على هذه الدائرة فانه يمكن قبول اضافة مقعد واحد في كل دائرة(اي من جميع الدوائر وليس من٦ كما هو المقترح في اللجنه) ليكون ” نائب وطن” ولتكن تجربة يمكن بعدها( اذا نجحت) زيادة العدد في الدورة القادمة، وان فشلت فالغاؤها.
اما حجج تشجيع الحزبية، والاحزاب، وغيره من اصطلاحات تلك الاسطوانة، فانه يمكن تشجيعها وضمانها بفرض قوائم، وباجراءات اخرى اهمها ضمان نزاهة الانتخابات، وعدم التدخل في مجرياتها، ولنا من تجربة انتخابات ٥٨/٥٧ سنة حسنة.
وكونني كنت ضمن الفريق الدولي الذي اشرف على اخر ثلاث دورات انتخابية اردنية، واضافة لتجاربي الغنية في هذا المضمار كخبير تشريعي مكلف من الامم المتحدة بهذه الامور، فانني اكتب هذا بناء على ثقافة وتجارب تشريعية وعلى خبرة ايضا.
الصحيح ان على مجلس النواب قبل ان يناقش مشروع القانون تحت القبة ان يشكل لجنة من متخصصين ومشرعين دستوريين اردنيين لتقييم المخرجات الواردة من الحكومة، وان لا يكتفى باللجنة القانونية في المجلس فحسب، وذلك للاستئناس برايها عند بحث هذا الموضوع.
اما ما يتعلق بقانون الاحزاب، فاهم عيوب هذا القانون هو تحديد السقوف، والاعداد، والنسب، والاعمار في عضوية الاحزاب او المرشحين، ونقترح هنا الغاء كل تلك المعوقات، والحواجز، وترك المواطنين هم من يقرر ذلك، مكتفين بشرط ان يكون المرشح لرئاسة الاحزاب شخصية غير محكومة بجرم ( غير سياسي) يتعلق بالامانة والشرف.
ويلزم الغاء تحديد عدد الاعضاء المؤسسين او غيرهم للحصول على ترخيص او دعم، فهناك احزاب تبدا بعدد متواضع، لكن عند طرح برامجها الجيدة الجاذبة ينضم لها الكثيرون في فترة قياسية.
لذلك لا يجوز سلفا فرض النسب والاعداد والسقوف، بل منح الفرص المتكافئة والحضور المتكافئ في وسائل الاعلام الرسمية، وعدم التضييق على البعض واطلاق العنان للبعض الاخر.