وطنا اليوم:يبدو أن اتفاق التطبيع الإسرائيلي – الإماراتي بدأ يكشف عن طموح إسرائيلي يفوق مجرد فتح علاقات اقتصادية وسياسية مع دول عربية، إذ إن تل أبيب تنظر لمكاسب أكبر، بعضها يتعلق بإعادة تموضع على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة.
فقد كشفت أوساط إسرائيلية أن اتفاق السلام مع الإمارات يشمل إعادة تنشيط خط النفط إيلات-عسقلان، ليسيطر على عملية نقل النفط من الخليج لأوروبا، ويخفف الضغط على مضيق هرمز وقناة السويس، ويتسبب بخسائر إيرانية ومصرية.
فما هي طبيعة هذا الخط النفطي الجديد؟ وما هي تبعاته الاقتصادية والاستراتيجية؟ وما مدى أهميته لإسرائيل؟ وكم ستربح منه في حال تشغيله؟ وكم ينقل من كميات نفط الخليج؟ والأهم من هذا كله، إلى أي مدى سيكون تأثيره السلبي على مضيق هرمز وقناة السويس، وبالتالي مصر وإيران؟
تغيير في قواعد اللعبة
تعوِّل إسرائيل كثيراً على هذا الخط الناقل الجديد للنفط إيلات-عسقلان، لأنه قد يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، ويعيد للأذهان العلاقات النفطية الإيرانية الإسرائيلية بين منتصف الخمسينيات والسبعينيات، حين شكلت إيران الشاه بئر النفط الذي لا ينضب لإسرائيل.
تم افتتاح هذا الخط عملياً عقب أزمة الطاقة عام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر، وقرار الاتحاد السوفييتي وقف تزويد إسرائيل بالنفط، مما دفعها للبحث العاجل عن مصادر نفطية جديدة، حينها تم مد أنبوب بطول 254 كم بين ميناءي إيلات وعسقلان، ونشأ اتصال بري بين البحرين الأحمر والمتوسط، يستفيد من الموقع الاستراتيجي لإسرائيل عند تقاطع ثلاث قارات، الواصلة بين طرق التجارة البحرية الدولية لإفريقيا والشرق الأقصى وأوروبا.
ويحمل مشروع خط النقل النفطي الجديد العديد من المؤشرات اللافتة للتطبيع الخليجي الإسرائيلي، ويفتح أمام إسرائيل شراكة استراتيجية، وفرصاً غير مسبوقة، ومنها تقصير مدة نقل النفط من السعودية ودول الخليج في طريقه لأوروبا والغرب، والانفتاح على إسرائيل ودول الخليج كمصدر لاستيراد النفط وتخزينه، وسيجعل إسرائيل ملجأ آمناً للدول المطبعة معها، لأنها ستكون أقل ضعفاً أمام إيران لتراجع اعتمادها الكبير على مضيق هرمز، المتأثر بالتوتر الخليجي الإيراني، واستمرار حرب اليمن، والصراع الأمريكي الإيراني في الخليج.
نصر عبدالكريم، أستاذ الاقتصاد بالجامعة العربية الأمريكية، قال إن هذا التوجه الإسرائيلي يفوق الجوانب الاقتصادية ليصبح ذا أبعاد استراتيجية، فإسرائيل تسعى لإعادة التموضع في المنطقة، بما يحقق لها المميزات والمكاسب على المدى الطويل.
وأوضح أن إعادة تشغيل خط النقل النفطي إيلات-عسقلان تمنح تل أبيب النفوذ السياسي والسيطرة على موارد الغاز ومياه شرق المتوسط، وخطوط النقل والمواصلات والاتصالات، مما يؤهلها لوضع نفسها في مكان مميز على خريطة المنطقة.
وذكر أن إسرائيل الأكثر استفادة من الناحية الجيو-سياسية، لأن الخط يمنحها موطئ قدم عسكري أمني في المنطقة، ويعمق مصالحها مع باقي الأطراف، ولأنه يتطلب توفير احتياجات أمنية لتوفير سلامة النقل، وما يشمله من إجراءات الحراسة والحماية، فهو يحقق المزيد من المصالح الأمنية لإسرائيل في المنطقة والعالم.
مكاسب إسرائيلية بالمليارات
عواد أبوعواد، الباحث بمركز القدس للدراسات الإسرائيلية، قال إن خط النقل النفطي إيلات-عسقلان يحقق لإسرائيل أرباحاً بقيمة 3 مليارات في العام الأول، و10 مليارات أخرى بعد 7 سنوات على تشغيله.
ويرتبط هذا الخط بما أعلنه سابقاً وزير المواصلات السابق يسرائيل كاتس حول تشغيل خط السكة الحديد لربط حيفا والإمارات، لنقل البضائع الخليجية عن طريق البر، بحيث يكون أسرع وأقصر، ويوفر لها سرعة الوصول، مما سيرفع حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الخليجي بعد مرور 10 سنوات إلى 30 مليار دولار، مما يعني ثلث قيمة التجارة الخارجية الإسرائيلية.
وأضاف أنه مقابل هذه المكاسب الإسرائيلية، ستصل الخسائر المصرية للمليارات، وإيران ستتضرر كثيراً، مما قد يُحدث نوعاً من الاحتكاك الحربي لمنع الوصول لمرحلة تفقد فيها إيران قدرتها على إدخال الأموال عبر مضائقها الاستراتيجية، رغم المخاوف الإسرائيلية من عدم نجاح هذا المشروع لارتباطه بتركيا، التي تتخذ موقفاً سلبياً منه.
دفع الحديث الإسرائيلي عن هذا الخط وكالة أنباء “فارس” الإيرانية لعنونة مقالها “خط أنابيب النفط إيلات-عسقلان ليس آمناً من هجمات المقاومة”، مما يعني تلميحاً إيرانياً باستهدافه من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وحماس في غزة تمتلك إمكانيات متقدمة لوحدات الكوماندوز البحرية لديها، ومنشآت إيلات وعسقلان وخطوط أنابيب النفط في نطاق نيرانها.
قناة السويس تفقد بريقها
وأوضح أستاذ الاقتصاد نصر عبدالكريم أن هذا الخط يعني أن تفقد قناة السويس بريقها، ويؤذي مصر ومركزها الاستراتيجي، بجانب مضيق هرمز الذي يمر منه 40% من النفط العربي.
ويعتبر خط النقل النفطي الجديد إيلات-عسقلان تحدياً كبيراً لقناة السويس المصرية، التي يمر منها 10% من حجم التجارة العالمية، وتخطط مصر لزيادة هذه السعة إلى 12% بحلول 2023، مما سيترك عليها آثاراً سلبية لهذه الشراكة الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل.
لأن هذا الخط الملاحي الإسرائيلي يُعنى بنقل النفط من الخليج لأوروبا، دون المرور بقناة السويس، التي تأتي 17% من عائداتها من ناقلات النفط، وهي أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية لمصر، وأقصر وأسرع ممر مائي.
يتمثل التحدي الحقيقي لقناة السويس من خط النقل النفطي الإسرائيلي في التراجع المتوقع لحركتها التجارية البحرية، التي زادت بنسبة 4.7% لتصل إلى 9545 سفينة في النصف الأول من 2020، مقابل 9114 سفينة مرت عبرها في نفس الفترة من 2019، وزيادة حجم البضائع بنسبة 0.6% في النصف الأول من 2020، ليصل إجماليها إلى 587.6 مليون طن، مقابل 584.1 مليون طن في نفس الفترة من 2019.
محمد أبوجياب، رئيس تحرير صحيفة “الاقتصادية”، قال إن خط النقل النفطي إيلات-عسقلان يعني أن إسرائيل تعيد صياغة علاقاتها الاستراتيجية القائمة على الارتباط المصلحي طويل الأمد مع الدول العربية المطبِّعة معها، فهذا الخط قادر على نقل 55 مليون طن من البترول، وإشعال نار المنافسة مع قناة السويس، التي تستحوذ على 51% من كميات النفط التي تعبر القناة، وتقدر بـ107 ملايين طن.
وأضاف أن “انعكاسات تشغيل خط النقل الإسرائيلي لن تقتصر على الإضرار بالاقتصاد والأمن المصري فقط، بل سيحوّل مصير الخليج الاقتصادي المتمثل بالنفط ليكون واحدة من أدوات الابتزاز الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي، بتمكنها من التحكم في نقل النفط وبيعه وفقاً لشروطها وتوجهاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وسيقضي على آمال مصر بتطوير إيراداتها، والحفاظ عليها عبر عائدات القناة، التي تشكل الناقل الرئيسي للنفط من الخليج عبر البحر الأحمر، مروراً بالقناة إلى البحر المتوسط، وصولاً لأوروبا”.