وطنا اليوم:”فتنة المرأة في وجهها”، بهذه العبارة تدافع معلمة متقاعدة في وزارة التعليم السعودية، عن ارتداء المرأة في بلادها للنقاب، مشددة على أنه لا يعيق حياة النساء بل يمثل امتثالا لتعاليم الدين الإسلامي.
وقالت المعلمة، سهام آل إبراهيم إن “المرأة السعودية نشأت في بلد محافظ، اعتادت فيه على ارتداء والدتها وجدتها العباءة والنقاب” وذلك لـ”درء الفتنة”.
وفي المقابل، تعارض ابنتها جواهر، التي تذهب يوميا إلى عملها كاشفة عن وجهها وكفيها، هذا الطرح.
جواهر، تؤكد على أن “النقاب لا يحمي المرأة، بل وأنه قد يثير حفيظة بعض الرجال في أماكن العمل المختلطة”، مشددة على عدم فرض الدين الإسلامي على ارتدائه.
يفسر هذا التناقض ضمن البيت الواحد حالة الجدل الكبيرة بين مستخدمي موقع تويتر حيث تصدر هاشتاغ (وسم) #سعوديون_ضد_النقاب، ووسم آخر #يسقط_النقاب قائمة الوسوم الأكثر انتشارا في كل من السعودية والكويت.
واحتدم النقاش بين المغردين حول ما إذا أصبح النقاب “عادة اجتماعية” أم “واجبا دينيا”.
“ليس فرضا دينيا”
وقال مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة سابقا، الشيخ أحمد بن قاسم بن الغامدي: “الشرع لم ينه عن ارتداء النقاب ولكنه لم يحث عليه”.
وأضاف الغامدي “ليس هناك دليل ديني على وجوب النقاب”، مستشهدا بـ”حديث نبوي مفاده أنه لا يمكن للمرأة التنقب في إحرامها (أي في الحج والعمرة)”، وهذا يعني أن “المرأة التي تظهر وجهها وكفيها لا تقع في الحرام”، على حد تعبيره.
واستند الغامدي على سورة النور في القرآن الكريم، وتحديدا آية “ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها”، أي أن “الله أجاز ظهور الوجه والكفان، وذلك بحسب تفسير عائشة وأنس وابن عمر”.
وشدد الداعية الإسلامي على أن “هناك نصوص وأحاديث عدة تدل على أن النقاب ليس فرضا دينيا”، واضعا إياه في خانة “العادات الاجتماعية الموروثة”.
وتابع قائلا: “كان النقاب في الجاهلية عادة لدى بعض القبائل العربية، ثم جاء الإسلام الذي لم يأمر بارتدائه ولم ينهه أيضا، ولذلك تم ترسيخه كثقافة لدى بعض الشعوب عبر التاريخ”.
وتشرح الباحثة الاجتماعية، نجاة السعيد أصل النقاب ومنشأه في المجتمع السعودي، معتبرة أن ارتدائه “يختلف باختلاف المناطق” في بلادها، قائلة: “لا يوجد تفسير واحد جامع”.
وتقول السعيد إن “النقاب في البادية جزء أساسي من الثقافة، حتى أنه أشبه بالبرقع، وموجود كعادة اجتماعية قديمة عند البدو”.
ثم تشير السعيد إلى دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة شرطة دينية في البلاد، في ترسيخ ارتداء النقاب.
فتلاحظ السعيد أنه في الرياض، حيث يقع مقر الرئاسة العامة للهيئة، “يتمسك أهل العاصمة بارتداء النقاب وذلك تأثرا بتوجيهات الهيئة وما تأمر به”.
أما في القصيم والحجاز والمنطقة الشرقية يختلف الوضع قليلا، بحسب السعيد.
ومؤخرا شهدت المملكة تحديدا لدور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبات انتشار عناصرها محدودا بل حتى معدوما، مما سمح لبعض النساء بالخروج من منازلهن دون عباءة أو غطاء للرأس، وخصوصا الأجنبيات منهن.
عودة إلى الصحوة؟
وانتشرت التغريدات المعارضة لتصدر وسم #يسقط_النقاب قائمة الوسوم الأكثر انتشارا في السعودية، حتى وصلت إلى جارتها الكويت، وقال عضو مجلس الأمة السابق، محمد هايف المطيري: “يثير بقايا من يحملون الفكر العلماني المنقرض مجتمعاتنا المحافظة بتشكيكها في شعائر الدين وثوابته لدرجة الهذيان، ينادون بالحريات ظاهرا وهم يحاربونها بأفعالهم …”.
وفي مقابل ذلك قال الكاتب السعودي سعود الفوزان: “العباءة السوداء مصدرها العثمانيون والنقاب جاءنا من الكويتيات”.
وتزامن هذا الجدال، مع انتشار وسم #جامعة_الإمام_تعود_للصحوة بعد تداول تعميم لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لم يتسن التأكد من صحته، وتضمن مجموعة من التعليمات التي تطال ملابس النساء، حيث قضى بوجوب ارتداء ملابس “طويلة” و”ساترة”.
كما طلب التعميم من الطالبات “عدم المبالغة في الزي أو الزينة المصاحبة”.
وتشدد السعيد على أن الالتزام بالنقاب مرتبط بفترة الصحوة حيث كانت التفسيرات الدينية متشددة في السعودية، مضيفة “خير دليل على ذلك هو عدم ارتداء الجيل القديم في الجنوب النقاب، حيث اعتدن في السابق على العمل في الزراعة، بينما يلتزم الجيل الأصغر من النساء بتوجيهات العلماء في فترتهن الزمنية بوجوب تغطية الوجه والكفين”.
وفي الثمانينات، ظهر في السعودية ما يعرف بـ”الصحوة”، وهي حركة فكرية إسلامية نشأت بدعم من مجموعة دعاة إبان حراكهم الدعوي “لإيقاظ الناس من غفوتهم” على حد وصفهم.
وفي هذا السياق، يؤيد الغامدي أن “التمسك بالنقاب جاء نتيجة تفسيرات بعض العلماء في فترة زمنية سابقة”، معتبرا أن “المرأة السعودية لجأت إلى ارتداء النقاب حينها حرصا على عدم اتهامها بدينها”.
ومضى الغامدي يقول: “النقاب بات مألوفا في ثقافة الناس لمدة من الزمن، لكن الواقع تغير اليوم وأصبح هناك تفسيرات مختلفة، سيتبناها المجتمع مع الوقت”.
لماذا الآن؟
وعن أسباب ظهور حملة لنزع النقاب، يقول الغامدي: “هناك حاجة لدى الناس، تقتضي خلع النقاب، فالذهاب إلى العمل وقيادة السيارة بات يوجب الاعتماد الكلي على بعض الحواس كالنظر واللمس وغيرها”.
وحتى 24 يونيو 2018، لم يكن مسموحا للنساء بقيادة السيارات في المملكة المحافظة، بعدما اعتبر رجال دين متشددون على مدى عقود أن السماح بقيادة المرأة للسيارة سيؤدي إلى الاختلاط بين الجنسين.
خففت السعودية بعض أوجه نظام “ولاية الرجل” في قطاع التوظيف، مع توجهها نحو تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
وقدم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تسلم منصبه هذا في يونيو 2017، خطة اقتصادية تحت مسمى “رؤية 2030″، تتضمن سعيا لتعزيز حضور النساء في سوق العمل ورفع نسبته من 22 إلى 30 بالمئة في 2030.
وسمح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للنساء بالتقدم للحصول على رخصة لبدء عمل خاص عبر الإنترنت، فيما بدأت الشرطة توظيف النساء.
وفي هذا الإطار تربط السعيد الاتجاه لدى بعض السعوديات بخلع النقاب بتوجهات ولي العهد السعودي والتغيرات التي أوجدها، مسيرة إلى مقابلة أجراها بن سلمان مؤخرا “أسقط فيها جميع الأحاديث غير الثابتة”، مما أزال “الحجة الدينية لفرض النقاب”، على حد قولها.
وتتابع السعيد قائلة إن “المجتمع تقبل فكرة قيادة المرأة للسيارة وذهابها إلى العمل وحتى السفر من الرياض إلى جدة وغيرها، مما يعني أن التغيرات الأخيرة ومنها افتتاح دور السينما والمقاهي المختلطة دليل على أنه يمكن للمرأة السعودية التخلي عن النقاب”.
أما الغامدي فيؤكد أن “قرارات الدولة بالتصحيح في كثير من الأمور الحقوقية طورت وغيرت الكثير من الفهم الخاطئ لدى الناس، ودفعت إلى تغير نوعي كبير”، معتبرا أنه “عندما تخرج المرأة إلى العمل وتقود السيارة، تزداد ثقتها لإعادة النظر في الآراء السابقة التي كانت تتمسك بها”.
ورأى أن “توجهات القيادة السياسية في المملكة تاريخية وبمثابة نقلة نوعية، رفعت من مستوى الوعي لدى الناس وسينتج عنه تغيرات عديدة”.
ويشدد الغامدي على إبقاء ارتداء النقاب في “خانة الحريات”، قائلا: “من تشاء فلتتنقب، ومن لا تشاء فلا تتنقب”.