وطنا اليوم – ذاكرة وطن- قدم الشهيد هزاع المجالي درساً في التضحية وارتقى بمأساته الى مستوى البطولة والفداء فقد كان صادقاً مع نفسه وشعبه. ونال اسمى معاني الاستشهاد في سبيل الحق والدفاع عن وطنه وامته.
الشهيد المجالي تولى عدة مناصب رفيعة اخرها منصب رئيس الوزراء, ونال شرف الشهادة بعد حياة حافلة بالعطاء, فكان بحق صوت الاردنيين ومنارة للكثيرين ممن ضلوا الطريق. وكان بفكره وعمله الأقوى في اتخاذ المواقف السياسية, عرفه اهله ومن احبه بانه الرجل الصادق وانه الاكثر صلابة في حبه لوطنه وقضايا امته وفي مقدمتها قضية فلسطين, ارادوا له السوء وخططوا للنيل منه, وقاموا بتفجير مبنى الرئاسة حيث كان متواجداً به ليلقى ربه شهيداً في الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 29/8/1960م
الشهيد الراحل لا توفيه الكلمات والعبارات حقه، فقد كان بظلاله يطوف ارجاء الوطن وكانت عواصم العرب ترى فيه صنديداً اردنياً يقول كلمة الحق ولا يخاف احداً، غاب عنّا ولا زالت ذكراه واعماله حاضرة فينا، وسيبقى اسمه راية ترفرف فوق سماء وطننا نذكره ونترحم عليه، فقد ترك لنا الكثير واهمها مذكراته التي تضيء جانباً هاماً من تاريخ اردننا الحبيب .
وبدورنا نضعها اليوم في حلقات أمام القارئ والباحث والمؤرخ.
تدور في خاطري، يا اخي القارئ وقبل ان ادفع بهذه المذكرات، مذكراتي، بين يديك,, عدة تساؤلات قد تدور في خاطرك انت.
فانا اشعر ان سن الاربعين, ليست بالسن التي تكتب فيها المذكرات عادة, فما زال امامي, والحمد لله فسحة من امل في المزيد من الخدمة والمزيد من التجارب, والمزيد من المساهمة والمشاهدة ومراقبة الامور في بلدي, وفي موطني العربي الكبير.
واشعر كذلك بالحرج من الدفع بهذه المذكرات بين يديك وانا رئيس للوزراء, وهذا الحرج الذي احس به, مرده الخشية من ان يفسر اختياري لهذا الوقت بالذات, باني احاول الاستعانة بصفتي الرسمية لاوسع دائرة قراء مذكراتي, على ان هناك حرجا اخر بسبب هذه الصفة الرسمية,, ارغمني على عدم الخوض في تفصيلات تحيط بالاشخاص والاحداث, وذلك تحسباً من ان يشار الى اني قلت ما قلت محتمياً وراء سلطة منصبي الحالي.
لماذا اذن اخترت هذا الوقت بالذات, لادفع بهذه المذكرات بين يديك رغم حرج السن وحرج المنصب?
لقد تعمدت ان انشر هذه المذكرات رغم احساسي بالحرج من نشرها, وفي هذا الوقت بالذات.. مع علمي وقناعتي بأن ليس هناك ادق من ان تنشر مذكرات مسؤول وهو ما يزال وسط الاحداث, والتاريخ ما يزال ماثلاً بمجرياته, والاحداث التي يحياها ان هي الا استمرار للتاريخ وللاحداث التي يكتب عنها.
وهناك فارق – يا اخي – بين ان تكتب وانت في التيار, من حيث الجهد والفعالية, وان تكتب وانت خارج التيار بعيداً عنه بالسن والفعالية.
ثم ان المذكرات, اية مذكرات, ليس ابداً نشرات دعاية يتناسب مفعولها مع سعة انتشارها او منصب صاحبها.. ان محك المذكرات ووزن قيمتها, يرتكز على صدق المذكرات واخلاصها وتجردها عن الهوى والغاية. هذا الوزن في نظري, هو الذي يبقى ويرسخ في النفوس.
غير ان اهم سبب, عندي,, في صواب اختياري هذا الوقت لنشر مذكراتي, هو ان القارئ العربي يعيش الآن في دوامة من تزوير التاريخ وتشويه الحقائق – وعلى الاخص فيما يتعلق بالفترة التي اكتب عنها وتشملها مذكراتي – وعلى وجه التحديد, فان ابعاد هذا التزوير تشمل بصورة خاصة جلالة المرحوم الشهيد الملك عبدالله بن الحسين وحياته السياسية,, اذ ان قليلين هم الذين عرفوا الملك الشهيد كما عرفته, وعلى هذا فان من واجبي – والاحداث ما زالت ماثلة امامي – ان ابين للقراء العرب حقيقة الرجل العظيم والقائد المحنك الذي كان الملك عبدالله.
ان مذكراتي ليست دفاعاً عنه. فعبدالله امام محكمة التاريخ ليس في حاجة الى دفاع احد, ولا سيما بعد ان اخذ العالم العربي يعي ويفتح عينيه على الانجراف في التزوير الذي دفعه اليه المغرضون.. ولا بد لهذا الوعي من سند مخلص دقيق من التاريخ, وارجو ان تكون هذه المذكرات هي هذا السند.
لم يبق عالقاً في ذهني وانا اضع هذه المذكرات, سوى خيوط دقيقة ضئيلة, لا تكفي لان تلقي ضوءاً يفي بحاجة القارى عن ايام طفولتي, وكل ما استطيع ان اذكره, اني نشأت طفلاً مدللاً في كنف جدتي لامي وجدي لامي, اذ لم اكن ارى والدي ولم اكن اعرفه, كما لم اكن افرح كثيراً للقاء امي او اغضب لفراقها.
واذكر اني سمعت ممن اعتدت رؤيتهم في مجالس جدي,, عندما بدأت اعي بعض ما يدور حولي, ان والدي هو بركات المجالي من شيوخ عشيرة المجالي, وان والدتي من الونديين – احدى قبائل البلقاء – وانها كانت من الغيرة على والدي بحيث كانت تنكر عليه ان يتلفظ باسم امرأة على مسمع منها, مما جر عليهما متاعب عائلية جدية.
ولقد فهمت فيما اذكر,, ان والدي في عام 1917 انضم الى الثورة العربية والتحق بالامير فيصل بن الحسين بالعقبة, وانه ارسل والدتي وكانت حاملا بي في شهرها الخامس, الى اهلها لتقيم بينهم بجهات ماعين,, ليأمن شر نقمة السلطات التركية التي كانت اتخذت من الكرك قاعدة لها لمناوأة الثورة, فولدتني امي وهي في اهلها وذويها.
ولما دخلت قوات الثورة دمشق, عاد والدي وطلب عودة والدتي الى الكرك, غير انها ابت ذلك, وكان الطلاق في القبائل شيئاً يسيراً, فطلقها, فتزوجت من ابن عمها, وتركتني لرعاية والديها وفي كنفهما. ولقد كنت احس واعتقد ان جديّ هما والداي. وكنت اغضب واثور على كل من يقول لي ان ابي من الكرك, كما لم اكن ارتاح لمن يقول ان لي اماً غير جدتي.
قلت اني نشأت طفلاً مدللاً.. وبديهي ان الدلال الذي اعنيه, انما هو بالقياس لاترابي من ابناء القبيلة. فقد كان جدي شيخ تلك القبيلة, وكانت العادة ان يرافق صغير الشيخ والده في الدعوات, فيحاط بالكثير من التودد والتحبب, وكان جميع افراد العشيرة يتبارون في التودد الي واغداق الهدايا علي, ذلك أني كنت في عرفهم غريباً عنهم ولكني في كنفهم وتحت رعايتهم موضع اعزازهم واكرامهم. لقد كنت فيهم من ابناء »الرجال الاباعد« على حد قول الشاعر العربي:
بنونا بنو ابنائنا, وبناتنا
بنوهن ابناء الرجال الأباعد ولكن اطيافهم الحلوة ما تزال ماثلة في مخليتي, تقف حائلاً لطيفاً امام قول الشاعر هذا!..
كانت معيشتنا تعتمد على الحليب ومشتقاته, وعلى اللحوم وبعض الخضار والفاكهة النزرة اليسيرة التي تنبتها اراضي العشيرة. كنا نحيا حياة قبيلة تقطن المضارب, تزرع الارض وتربي الماشية وتقتني جياد الخيول. وكنا في تنقلاتنا الموسمية لا نبتعد كثيراً عن قرية ماعين, نظراً لصلتها بالاراضي الزراعية.
واذكر اني في الخامسة من عمري, عندما سلمني جدي الى شيخ قيل انه جاء ليعلمني القرآن فاخذت ابكي واصرخ خوفاً, غير انه ناولني بعض قطع الحلوى وهدأ من روعي, وابتدأت استمع الى الشيخ, وكان ذلك بدء حياتي الدراسية, وكان معلماً لي وحدي, وكان يسكن معنا وينتقل معنا, ولقد اغراني على الاجتهاد بحيث اتممت قراءة القران بين الخامسة والعاشرة وحفظت المعلقات السبع. وقد استبدل جدي هذا الشيخ بشيخ آخر اسمه احمد حلمي السقا من غزة,, فدرسني بالاضافة الى القران: الجغرافيا والتاريخ والانشاء ومبادئ علم الاشياء.
وفي اوقات الفراغ كنا نركب الخيل, واحياناً الجمال. واذكر اني كنت ارعى البهم مع جدي, كلما ألمت بالراعي وعكة صحية تقعده عن القيام بواجبه, وكانت هذه المناسبة من ابهج مناسبات طفولتي.
وكان والدي يأتي لزيارتي مرة او مرتين في العام, وكنت احبذ زيارته وارتاح اليه, ولكن هذا الارتياح كان ما يفتأ ان يتلاشى, كلما انتصبت في ذهني الخاتمة المرتقبة لاحدى تلك الزيارات, وهي انه سيأخذني معه الى الكرك ويحرمني البقاء مع جدتي وجدي العزيزين.
وماتت جدتي وانا في العاشرة, واذكر اني بكيتها بكاء مراً وشعرت باني فقدت شيئاً عظيماً بالنسبة لي على الرغم من صغر سني, وعلى اثر وفاتها زارنا والدي وحاول اخذي, ولكني بكيت فتركني, وقد وعده خالي وزوجته بان يتكفلاني. غير انه لم يمض على ذلك سنة, حتى توفي خالي, فاحسست اذ ذاك ان ساعة فراقي اخوالي قد دنت. وجاء والدي وبحيلة بارعة منه رحمه الله, استطاع ان يعود الى الكرك وانا معه.
لقد اقنعني جدي بانه سيرسلني مع والدي الى مضارب العدوان للمساهمة بالنيابة عنه في اجراء مصالحة عشائرية, وبأني قد كبرت وان في استطاعتي تمثيله في المناسبات العشائرية, وان تلك المصالحة لن يكتب لها النجاح ان لم يحضرها هو او احضرها انا.. واذكر اني شعرت باعتزاز وزهو حيال ذلك, فرافقت والدي. وبدلاً من ان نتجه شمالاً اتجهنا نحو الشرق فالجنوب, وكلما سألت والدي عن وجهته بي, قال ان العدوان رحلوا الى جهات الموجب.
وعندما وصلنا عرب المجالي ودخلنا الشق رايت اشخاصا من المجالي عرفتهم لانهم كانو يترددون لزيارتي فاجهشت في البكاء ولم يسكتني الا قول والدي ان هؤلاء قد جاءوا الى هنا بسبب القضية التي جئنا من اجلها . وفي الصباح اهداني شلاش المجالي زعيم ذلك الفخذ منديلا نفيسا اخذته معي وغادرناهم الى بيت والدي حيث ادركت هناك ان الحيلة جازت علي ولقد صممت على الهروب وقمت بعدة محاولات صبيانية مستهدفا عودتي الى اخوالي ولكني ومع ان خيالهم لم يفارقني لحظة واحدة فقد اخذت اسلوهم شيئا فشيئا والفت حياتي الجديدة في بيت ابي.
واراد والدي ان يزوجني وانا في الحادية عشرة من احدى قريباتي فرفضت لاني لم اكن افهم معنى الزواج وكان للحكومة في قريتنا مدرسة وكان المعلم فيها عيسى القطاطشة من الطفيلة فرافقت اخي مع الاخرين من ابناء عمومتي الى تلك المدرسة ودخلت معهم في مقاعد الدرس وكانت كلها غرفة واحدة يجتمع فيها الصف الاول والثاني والثالث . وقد لفت وجودي نظر المعلم عيسى فسال عني فذكروا له من انا ومتى جئت , فرحب بي.
واذكر انه سال اخي عن مصغر اسمه – واسمه دخيل – فاجاب ديخيل باضافة الياء بين الدال والحاء ومدها فصاح به ان صغر اسمك مرة ثانية , فاتبع اخي الاسلوب الاول ولكن بمد الياء اكثر من المرة الاولى فضحك المعلم وضحكت وسالني عن مصغر دخيل فاجبته الجواب الصحيح.
ومنذ ذلك اليوم اصبحت تلميذا منتسبا لتلك المدرسة في صفها الاول وكنت مجدا مجتهدا فلم يمض شهران حتى رقيت الي الصف الثاني وفي نهاية السنة المدرسية كانت نتيجتي (ممتاز) مع ترقيتي الى الصف الثالث وقد انهيت هذا الصف في السنة التي تلتها وبنتيجة مرضية جدا.
والتحقت ورهطا من الفتيان الاقارب بمدرسة الكرك الثانوية ودخلنا الصف الثالث الابتدائي فيها. وقد قارب عدد طلاب ذلك الصف على المائة وفدوا اليه من مختلف مدارس القرى وبدا التنافس شديدا في هذا الخليط الجديد الكبير وجرفني تيار التنافس على المرتبة الاولى فيه فلما عقد فحص الفصل المدرسي الاول واعلنت النتيجة كان ترتيبي الثاني واذكر جيدا ان الزيادة في علامات من فاز في المرتبة الاولى كانت بسبب تفوقه في مادتي الرسم والتدريب.
غير انني على اي حال فزت بحظوة الطالب المجد لدى اساتذتي وعندما جاءت امتحانات الفصل الثاني كانت المرتبة الاولى لي وفي حفلة تقليدية اصبحت عريف الصف وقد احتفظت بهذه الرتبة المرموقة في سائر الصفوف في مدرسة الكرك الى ان انهيت صفها الثاني ثانوي وكان صفها النهائي اذ ذاك وانتقلت بعد ذلك للدراسة في السلط في مدرستها الثانوية التامة , الوحيدة في امارة شرق الاردن اذ ذاك.
وانه لتحضرني الان عن سني الدراسة في الكرك ذكريات ابرزها شخصية مدير المدرسة وكان الاستاذ محمود ابو غنيمة , واقر بأني مدين لهذا المربي الفاضل في مواظبتي على الدرس وفي تفوقي على اقراني ,ولم يقتصر فضله علي وحدي , فالمدرسة بوجودها كانت من نتاج حزمه في ادراتها وغيرته على طلابها . وحرصه على انصرافهم لدروسهم وابتعادهم عن كل ما من شأنه ان ينأى بهم عن طلب العلم . وقد كان بالنسبة لي مرشدا وهاديا فاجتذبني الى حب العلم اجتذابا في حين صرفت هوايات البداوة اكثر ابناء عمي عن الدراسة كان ينبهني دائما الى ان طريق العلم افضل من اي طريق وانه الوسيلة المثلى للحياة الكريمة. وان باستطاعتي ان ابني مستقبلي بناء حسنا اذا انا سلكت هذه الطريق الى نهايتها . وكانت المعاملة الكريمة التي كنت القاها منه , مضافة الى نصائحه الثمينة التي كان يمنحني اياها , خير مشجع لي على طريق المواظبة والتفوق كما ان المعاملة الكيسة التي كان يوجهها الي سائر اساتذتي زادت في ترغيبي وحماستي وكلما استعدت ذكريات المدرسة مرت في خاطري رؤاهم جميعا وعلى راسهم الاستاذ محمود ابو غنيمة كاعذب ما تمر الاطياف الحبيبة الى النفس.
ومن بين الاساتذة الذين علموني في مدرسة الكرك السيدان فوزي الملقي وسليمان النابلسي . وقد جمعني القدر واياهم في الحكم فيما بعد فتعاونت مع السيد الملقي في وزارته وزيرا للداخلية , وتعاونت قبلها مع السيد النابلسي في وزارة السيد سمير الرفاعي.
واذكر اني كنت في الصف الابتدائي الخامس عندما دخل علينا الاستاذ سليمان النابلسي , وكان ذلك صباح يوم 2 نوفمبر . وما ان دخل حتى سالني بالانكليزية عن هذا اليوم . فمنا من قال يوم الاحد مثلا ومنا من قال انه اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني. ثم ما لبث ان صاح فينا بعصبية زائدة ( ان هذا اليوم هو يوم وعد بلفور) ونادى صائحا بالانكليزية فليسقط وعد بلفور وما كنا سمعنا ببلفور او بوعد بلفور . واخذ يشرح لنا ذلك الوعد وظروفه ومغزاه وضرورة استنكاره والتظاهر ضده , فخرجنا من الصف واخرجنا جميع طلاب المدرسة, وسرنا في مظاهرة صاخبة ولعلها كانت الاولى في الكرك … وكان الذين يعرفون اهداف تلك المظاهرة وشعاراتها قليلين جدا , فكان جمهور غفير ينادي نداءات غريبة فمنهم من كان يقول (فليسقط كركور) وكركور كان صانع احذية ارمنيا انضم الى المظاهرة وصار يصرخ باعلى صوته (بلفور يا جماعه بلفور!.) ومنهم من كان يصيح (فليسقط واحد بلكون) واخرون كانوا ينادون (فليسقط واحد من فوق) !.. ووصلنا الى بناية متصرفية الكرك وكان المتصرف انذاك مسلم العطار فنزل ورحب بنا وشكرنا على شعورنا الطيب وطلب كلمة منا , فوقف احد الطلاب خطيبا واستهل كلمته بالبيت التالي:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
فقد صفق المتصرف وصفقنا . وخطب ابن عمي عصر المجالي وكان اعلى منا صفا وقال في جملة خطابه (ايها الحاكم الظالم … ايها الطاغي الباغي) وكان يعني بذلك الانجليز. غير ان مشايخ الكرك اخذوا يشيدون بشجاعه عصر, وكيف انه وصف المتصرف بحضوره بالظلم والطغيان .. وانتهت المظاهرة على هذا النحو . وبها كانت نهاية الاستاذ سليمان النابلسي في الكرك, اذ كان رئىس الوزراء في تلك الايام ابراهيم هاشم.
وكنا في الصف الثاني ثانوي سبعة طلاب فقط , وكان معلم العربية الاستاذ حسن البرقاوي وكان اديبا ولغويا مفيدا اذ تيسر له الجو الهادئ وراحة البال ادى واجبه التعليمي على احسن وجه واشهد لهذا الاستاذ بفضله علي في تنمية ملكتي الخطابية اذ كنت اقف في اي مناسبة وفي اي حفل فاعبر عن شعوري بسهولة وجرأة معا . لقد كنا نقيم الحفلة بعد الحفلة , والمهرجان تلو المهرجان , وكان لا يفتأ يدفعنا الى الخطابة دفعا ويثير فينا الشوق اليها والتلذذ بها.
وكان هناك الاستاذ خليل الساكت وقد درست عليه الرياضيات من الابتدائي الثالث حتى الثانوي الثاني وعلى الرغم من انه لم يكن جامعيا فقد كان على جانب كبير من الذكاء وكان المعيا يلفت نظر تلامذته اليه. وهو الان ما يزال موظفا في دائرة الجمارك ولا اراه الا وتشدني رؤيته الى تذكر تلك الايام العذاب.
وفيما انا في الصف الثانوي الثاني بدات اشعر بميل قوي نحو زوجتي الحالية. وكانت فتاة صغيرة في المدرسة فتعلقت بها وتعلقت بي وتعاهدنا على الزواج واصبح حبي لها عقيدة راسخة في , ناضلت من اجلها, واستطعت ان اصمد امام العراقيل التي انتصبت في سبيل ذلك الحب العظيم , وان استعذب العذاب طيلة عشر سنين الى ان وصلنا الى النهاية السعيدة الحمد لله.
واعود للحديث عن ايام الدراسة في السلط .. لقد كانت مدرسة السلط ملتقى خريجي الثانوي الثاني , من عمان واربد والكرك . واذكر بعض رفاقي في الصف ومنهم خليل السالم وحمد الفرحان وشفيق الرشيدات , ووصفي التل , ونعيم التل , واسماعيل النابلسي ونجاح النابلسي والمرحوم محمد الصايل وغيرهم.
وكان مدير المدرسة محمد اديب العامري . واني لاذكر ان الطريقة التي كان يدير بها المدرسة لم تكن لتقربه الى النفس فقد كانت طريقة معقدة نفرت منه معظم الطلبة , وكنت لاهجر المدرسة لولا رغبتي الملحة في الحصول على شهادة الدراسة الثانوية , فتحملت سلوكه على مضض في سبيل تلك الرغبة.
وكان بين الاساتذة في مدرسة السلط : فوزي الملقي وسعيد الدره وجريس القسوس ورفيق الحسيني . وقد اتقنا هناك فن المظاهرات بسبب بغير سبب, وكان يعقب هذه المظاهرات اغلاق المدرسة في بعض الاحيان لمدة تزيد على شهر.
وفي مدرسة السلط الفنا جمعية سرية اسميناها (جمعية الحرية الحمراء) وكان اعضاء هذه الجمعية وصفي التل ونعيم التل ونايف الخطيب وانا وغيرنا.
ولم يكن لجمعيتنا هذه هدف واضح . واذكر انه نشأ خلاف حول اسناد منصب القائد الذي سيحتل عمان , واخيرا تركنا الشؤون العسكرية للسيد نايف الخطيب وقد كانت الاجتماعات تعقد في بيته ولم يكن من اثر لهذا الجمعية سوى انها صرفتنا عن الدراسة فترة من الزمن , وسوى مفرقعات صوتية بحتة اطلقها بعض الاعضاء في مظاهرة قامت في اربد.
وكانت تقام بين الفينة والاخرى مهرجانات خطابية وكنت احد الذين يشار اليهم في مناسباتها وقد حصلت على تقدير استاذ العربية الاديب السيد رفيق الحسيني غير اني لم اكن قويا في اللغة الانكليزية فقد بدات دراستها في الكرك وكنت اتلفظها بلهجة قريبة الى اللهجة البدوية عندنا، وكنت احصل على مجرد درجة النجاح فيها