اللقب..!

8 أغسطس 2021
اللقب..!

د. هيا عاشور

منذ أكثر من شهر أرسل لي زميل قديم:” هيا مرحبًا ما بعرف اذا بتذكريني تزاملنا سابقا، ان شاء الله تكوني بخير!”

كتبت:” اذكرك طبعا كيفك والعائلة الكريمة؟” أؤمرني!”

كتب:” شخص يهمني وصله قبول في احدى الجامعات الروسية في موسكو، وهو متردد كان يطمح بالدراسة في الولايات المتحدة الامريكية طب، لكن هذا القبول وصله وهو واهله مترددين،لديه العديد من الأسئلة والمخاوف”

وبعد ان عرفت الجامعة التي هي جامعتي التي تخرجت منها دكتوراة، ارسلت رقم هاتفي للزميل وطلبت منه ان يتواصل معي الشاب.

تواصل معي الشاب واجبته برسائل صوتية على كل استفساراته، وطمأنته وأهله، وحدثته عن الجامعة وعن موسكو وارسلت له فيديوهات قصيرة وصور عن الجامعة.

وقبل مغادرته أرسل لي أنه على الطائرة ومتى موعد وصوله ثم وصل إلى موسكو .

في اليوم الثاني لوصوله ابتسمت وانا أشاهد رقم الواتساب قد تغير برقم روسي فاتصلت به.

أنا لست صغيرة السن،لكن اسلوبه وهو يحدثني اشعرني وكأني امرأة مهيبة أملأ الارض والسماء.

فلتت منه ضحكة بريئة وهو يتحدث عن رحلته واجراءات الدخول، فأجبته عن الورقة الذي تأخر لأجلها في المطار وأكدت أنها فقط للمرة الاولى ثم تصبح البيانات لديهم.

وكأنه تذكر أنه يتحدث معي فعاد وقال برصانة وهدوء:”دكتورة شكرًا لانك شجعتيني على القدوم ،الأمور مستقرة الحمد لله في شباب تعرفت عليهم،والكل يساعدني”

قلت:”عفواً لا شكر على واجب تشكرني حينما تحقق هدفك الذي اتيت من أجله بإذن الله ، طمئن اهلك عليك، واستمتع باجازتك الصيفية ،وهذا رقمي لديك،اذا واجهت اي صعوبة هاتفني”

ثم بصوت مدروس ولشاب في الثامنة عشر من عمره وبأول غربة له يبتعد عن حضن أمه قلت بصوت أم :”حبيبي الله يرضا عليك دير بالك على حالك، وتجنب المشاكل،وخلي أهلك دائما فخورين فيك”

قال بشغف وراحة كبيرة بعد سماع حبيبي :” دكتورة ما تخافي عليّ راح اخليهم فخورين في، دكتورة عذرا للسؤال أنتِ طبيبة؟معك دكتوراة بايش؟”

قلت:” لستُ طبيبة،الدكتوراة بِـ Ph.D، وَهِيَ تَدلُّ على معنى (الدكتوراة أو دكتور في الفلسفة)،في فلسفة الإعلام”

قال بدهشة:”واو ماشاءالله عليك مبين انك بتفهمي كتير دكتورة، صوتك حلو و هادىء يشع بالرواق، فكرتك طبيبة نفسية ساعدتيني كتير وشجعتيني،كيف بتعرفي الانسان من شو بخاف؟شكرًا دكتورة”

قلت بهدوء:” مررت به كله..لذلك اعرفه جيدًا، أحدهم أيضا ساعدني في البداية، وأنا أرد المعروف لغيره”

اغلقت الهاتف وأنا أصفق، فرحة به، ثم تساءلت وانا اتذكر حديثه المكتنز بلقب دكتورة،عن اي دكتورة يتحدث؟؟

ما زلت طفلة أصفق بجنون لسماع صوت وشغف وحماسة البدايات، مازلت أنطق بالكثير من السخافات، وما زلت أستمتع بالمفاجآت والهدايا الصغيرة.أحتاج لسنوات طويلة ولكثير من الخبرات والتجارب والعلم ولهالة شعر ابيض تحيطُ برأسي، وتجاعيد تحفر بوجهي، والحماسة الشديدة لتعبئتها (بالفيلرز)،والكثير من الابحاث اذيل بها أسمي، لاصبح بتلك الهيبة التي أشعرني بها.

أحتاج لمرآة انظر اليها في كل مرة بعد حديث عميق و متخم بالحكم لاذكر نفسي أنني انا من نطقته.

لكن اللقب لصيق بحامله بشكلٍ عام، تذكرت صديقتي البرفيسورة ايرينا فولكوفا في الاسبوع الماضي وانا بمنزلها الريفي،وقد دخلت عليّ وكنت أهم بالاستعداد للخروج وانا ارتدي بنطال وجاكيت، فقالت:” هيا..اخلعي هذه الملابس نحن لسنا في الجامعة، ارتدي فستان قصير، وجدلي شعرك كما البنات في الأرياف تفعل”

ففعلت،، ثم نزلنا الى الاسفل فقال زوجها مخاطبنا:” البرفيسور ايرينا فولكوفا ستصحبكما بنزهة”

فضحكت وانا انظر اليها وقلت:” تفضلي برفيسورة “

على ما يبدو بالتواصل ليس مهم كيف أبدو لنفسي وما أحتاجه بقدر ما هو مهم كيف ابدو للاخر.

صغيرة أم كبيرة ..هي ناس تسلم لناس لتستمر الحياة..

كم كنت مشتاقة لسماع شغف البدايات!

#موسكو