مصائر البواخر الوهمية.. الشبح ‘فرح’

10 مايو 2021
مصائر البواخر الوهمية.. الشبح ‘فرح’

وطنا اليوم-إبراهيم قبيلات

امتدادا للنبش في مراسي السفن المملوكة والمستأجرة في العقبة، تواصل (نيسان) كشف المزيد من الخبايا والتحايل الممنهج بعد مقاليها السابقين: “قراصنة العقبة.. من يستغل العلم الأردني لـ ‘قرصنة’ سفن وإغراق سجلات الهيئة البحرية بمعلومات وهمية”؟ و”السفن الورقية.. رد على الرد”.

في ذينيك المقالين، كشفت نيسان مسارات سفن مسجّلة في الأردن على قوائم البواخر العاملة لكنّها في الواقع ليست أكثر من (سكراب).

كما تتّبعت هويات سفن مسجّلة تحت العلم الأردني بالتوازي مع إبحارها تحت علم آخر. وفئة ثالثة تدرج في سجل المنظمة البحرية الدولية(IMO) على أنها أردنية رغم أنها تبحر تحت أعلام أخرى.

اليوم، نواصل نبش هذا الملف الشائك بعد الاطلاع على تفاصيل تسجيل باخرة (فرح 3) في صفقة لا تقل خطورة وفهلوة عن آلية “سكربة”(جرش)، التي قادتنا إلى حقل ألغام في الدفاتر العتيقة بسجلاّت الهيئة البحرية.

قصّة (فرح) تعود إلى كانون الأول/ديسمبر 2006، حين استحوذت المعارضة السريلانكية (التأميل) سفينة أردنية باسم (فرح 3) بعد أن جنحت قبالة سواحل سريلانكا الشرقية.

بعد فقدان الباخرة وحمولتها، طلب صاحب الباخرة شركة السلام للنقل والتجارة الدولية المساهمة العامّة من الهيئة البحرية الأردنية شطب اسم الباخرة على الورق- بعد 18 شهرا على تسجيلها رسميا- واستبداله ب “We Ling”، وهو اسم باخرة سنغفورية وقعت تحت سيطرة القوات البحرية السريلانكية استباقيا تحسبا لوقوعها في قبضة قوات المعارضة هناك. كان ذلك عام 2006، قبيل جنوح (فرح) صوب المنطقة الخاضعة لسيطرة التاميل.

ظلّت (We Ling) عائمة في تلك المحطّة حتى عام 2018، حين أغرقتها البحرية الحكومية (صورة).

وبالتالي يفترض شطب (We Ling) كما (فرح) من سجلات المنظمة البحرية الدولية منذ 2006.

لكن في عرض البحار، أثيرت شكوك حول تداخل تسجيل الباخرتين وتناقض في الإفصاح لدى الهيئة البحرية الأردنية والمنظمة الدولية؛ مظلّة جميع الهيئات البحرية الوطنية.

فبينما يشير موقع المنظمة الدولية إلى شطب باخرة (فرح 3) من السجّل الأردني في كانون الأول/ديسمبر 2006، عقب واقعة جنوحها ثم وقوعها تحت سيطرة التاميل، يؤشر الموقع ذاته إلى تغيير اسم باخرة (فرح 3) إلى (WE LING) بالتزامن مع شطب الأولى، علما أن الاثنتين تحملان رقم التسجيل الدولي ذاته (IMO). بموازاة ذلك، تفصح الهيئة الأردنية على موقعها الالكتروني بأن (فرح 3) ظلّت مسجلّة تحت العلم الأردني حتّى 2017. وهذا ما ذكرته أيضا في ردّ خطّي على استفسار صحيفة نيسان.

وذكرت الهيئة في معرض ردّها بأنها أبقت على تسجيل الباخرة “بناء على طلب المالك لحماية حقوقه”. وزادت: “لم يتم إصدار أي شهادة أو وثيقة للسفينة المذكورة أثناء الحادثة باستثناء شهادة الشطب المذكورة أعلاه”، في إشارة إلى عام 2017.

على أن هذا الإجراء يناقض إفصاح الهيئة الأردنية للمنظمة الدولية كما يخالف تعليمات تسجيل السفن الأردني- وفق قانون الهيئة الاردنية رقم 12- التي تشترط فحص صلاحية السفينة فنيا قبل اعتماد تسجيلها.

ثمّة تعارض آخر بين سجلات الهيئة البحرية وشركة السلام للنقل والتجاره الدولية. إذ ذكرت الشركة المالكة على لسان مديرها العام السيد محمود الرفاعي بأن وقعّت مخالصة مع شركة تأمين عالمية أواخر 2010، وعلى إثرها شطبت الباخرة قانونيا من سجلات الهيئة البحرية”.

وهذا يتعارض مع بيانات الشركة المفصح عنها لسوق عمان المالية؛ إذ تشير إلى استلام التعويض من شركة التأمين قبل عام 2008.كما يتناقض مع إفادة الهيئة لنا وكذا إفصاحها لمنظمة IMO الدولية.

كيف نفسّر ذلك؟

الخبير البحري أحمد مسلم يوضح بأن “المحاكم البحرية تعج بقضايا لسفن غرقت، فقدت أو قرصنت، وتعتمد المحاكم آخر شهادة صادرة للسفينة قبل فقدانها. وبالتالي، يضيف مسلم،”لا يوجد أي داع لإبقاء تسجيل السفينة (فرح 3) تحت العلم الأردني إلى حين مطالبة المالك بركام السفينة إن وجد، أو أي مطالبات تخصّ طرفا ثالثا”.

ويرى الخبير أن استمرار تسجيل السفينة أردنيا لمدة 11 عاما بعد فقدانها، يشي بمحاولات إخفاء حقائق عن المنظمة الدولية من أجل مآرب ومنافع شخصية.

شركة السلام تعود ملكيتها لمجموعة مستثمرين في مقدمتهم الأردني أحمد عرموش، بينما تناط الإدارة الفنية للباخرة (فرح 3) بالشركة العربية لإدارة السفن؛ المعنية بإصدار شهادات السفن بالإنابة عن المالك.

وتظهر السجلات تضاربا في المصالح، إذ أن السيد عرموش يرأس مجلس إدارة الشركة العربية منذ تأسيسها عام 1995 إلى جانب كونه مؤسس ومالك شركة السلام المسجلّة عام 1998.

وتعود ملكية الشركة العربية إلى شركة الخطوط الوطنية الأردنية وشركة الجسر العربي للملاحة؛ وهي شركة عابرة للحدود بمشاركة العراق ومصر.

بصفته رئيس مجلس إدارة العربية، أرسلت نيسان أسئلة للسيد عرموش بحثا عن تفاصيل ذات صلة بباخرة (فرح 3). ولا تزال الصحيفة تنتظر الردود على استفساراتها.

وزارة النقل لم ترد أيضا على أسئلة نيسان، واكتفت بالتأكيد أن التحقيقات جارية بخصوص ما نشرته نيسان في نهاية كانون الثاني/ يناير بخصوص التضارب في إجراءات تسجيل السفن تحت العلم الأردني.

وتنشر صحيفة نيسان تاليا عددا من الصور لتوثيق الاختلاف بين باخرتين؛ فرح3 و سفينة ويلينق:

صور فرح 3 خلال الفترة من 2009-2013 عندما تم تقطيع ما تبقى منها.