بقلم: الدكتور محمد خلف الداود
تُعدّ البلديات في الأردن الرافعة الأساسية للتنمية المحلية والواجهة الأولى التي يلمس المواطن أثرها في حياته اليومية؛ من نظافة الطرق وتنظيم الأبنية إلى البنية التحتية والمشروعات التنموية. ومع كل دورة انتخابية بلدية يعود الجدل القديم المتجدد: هل رؤساء البلديات يجب أن يُنتخبوا أم يُعيَّنوا؟
الواقع العملي خلال العقود الماضية كشف عن مشكلة جوهرية في النظام القائم إذ إنّ غالبية رؤساء البلديات المنتخبين يفتقرون إلى الخبرة الإدارية والفنية اللازمة لإدارة مؤسسة بهذا الحجم والتعقيد. فكثير منهم يدخل المنصب مدفوعًا بعوامل عشائرية أو اجتماعية لا بمعايير الكفاءة أو التأهيل. وبمجرد أن يبدأ في التعرف إلى الأنظمة واللوائح تكون فترته القانونية قد شارفت على الانتهاء. والأسوأ أن بعضهم لا يتعلم أبدًا فتدور عجلة العمل البلدي في حلقة مفرغة من الارتجال والتجريب.
إنّ هذه التجربة المتكررة تستدعي إعادة التفكير في فلسفة إدارة البلديات ليس انتقاصًا من الديمقراطية بل حفاظًا على معناها الحقيقي. فالديمقراطية لا تعني أن يُنتخب أي شخص لمجرد أنه يحظى بدعم عشيرته بل أن يُتاح التنافس بين الأكفأ والأجدر لخدمة المجتمع.
ومن هنا إذا كان لا بدّ من الإبقاء على نظام الانتخاب فإنّ المسؤولية تقع على عاتق الهيئة المستقلة للانتخاب ووزارة الإدارة المحلية لوضع ضوابط ومعايير جديدة تضمن أن يكون من يتقدم لمنصب رئيس البلدية مؤهلاً علميًا وعمليًا. ويشمل ذلك:
1. اشتراط مستوى تعليمي مناسب في الإدارة أو التخطيط أو المجالات ذات الصلة.
2. إثبات الخبرة في العمل العام أو الإدارة المحلية.
3. ضبط آليات الترشح بحيث يُكبح نفوذ العصبيات العشائرية والمال السياسي الذي أضعف التجربة الديمقراطية المحلية.
أما الخيار الآخر المطروح وهو تعيين رؤساء البلديات فيحمل وجاهةً من زاوية مختلفة. فالتعيين قد يحقق المصلحة العامة العليا من خلال اختيار قيادات مهنية تُحاسب وفق مقاييس الأداء لا وفق الولاءات. كما يتيح للحكومة رقابة مركزية صارمة تحد من الاختلالات الإدارية والمالية وتضمن استمرار المشاريع والخطط طويلة المدى دون انقطاع كل أربع سنوات.
في المقابل يمكن الإبقاء على انتخاب أعضاء المجالس البلدية إذ يمثلون صلة الوصل المباشرة بين المواطنين والإدارة ويعكسون التنوع الاجتماعي والسياسي للمجتمع المحلي. وبهذا يجتمع الكفاءة في القيادة مع التعددية في التمثيل فيتوازن الأداء بين المهنية والمشاركة الشعبية.
إنّ السؤال عن التعيين أم الانتخاب ليس سؤالًا شكليًا بل هو سؤال عن مستقبل الإدارة المحلية في الأردن. فالتجارب السابقة أثبتت أن غياب الخبرة يفرغ الديمقراطية من مضمونها ويجعلها غاية بحد ذاتها بدل أن تكون وسيلة لخدمة الناس.
لقد آن الأوان لأن نعيد النظر في هذه المعادلة بشجاعة وواقعية فالمواطن الأردني يستحق بلديات قوية وفعّالة يقودها من يملكون الخبرة والرؤية لا من يصلون إلى مواقع المسؤولية صدفة أو بدافع اجتماعي. فالموقع البلدي ليس وجاهةً بل أمانة ومسؤولية وطنية.






