(في طالع الفنجان)

22 ثانية ago
(في طالع الفنجان)

م.نهاد المصري

حين أسكب آخر ما تبقى من قهوتي، أقلب الفنجان على ثمه، وأجلس أحدق في جدرانه كأنها صفحات كتاب قديم.
تتبعثر الرسومات أول الأمر، ثم تبدأ تتجمع لتروي حكاية ليست عابره.
رأيت غبارا كثيفا يتصاعد من بعيد، ووميض ناري يخترق السماء، ليسقط على أرض صغيرة في حجم القلب، فتهتز وتتصدع كأنها جرح مفتوح في الجسد .
كان المشهد كجرس إنذار، يهمس أن ما يحدث هناك قد يكون البدايه، وأن الأبواب قد تطرق في أي لحظه على عتبات أخرى من بيوتنا، فما عاد الخطر يعرف حدودا.
خلف الغبار، قوافل من جمال وحمير مثقلة بالهموم، يسوقها أناس متهالكون، أنهكتهم السنين العجاف وسرقت من أعمارهم بقايا الفرح. وجنود يدفعونهم دفعا، كأنهم أرقام في قافله منسيه، لا خيار لهم إلا أن يسيروا.
لكن على الجدار الآخر للفنجان، ارتسمت صوره مختلفه: بنيان شامخ، وصحراء تتحول إلى خضره، ووجوه يغمرها الرخاء. كأن المشهد يهمس بوعد أن الخراب قد يتحول إلى عمران، والفقر إلى وفره، والظلام إلى ضوء، إن نحن اخترنا الطريق.
وبين الجدارين، كان الفنجان شاهدا صامتا، يذكرني أن الحياة لا تسير على وتيره واحده.
فالدمار يترصد غفلتنا، كما أن الأمل لا يغيب مهما اشتدت العتمه.
وهكذا بدا لي الفنجان، كمرآة تكشف ما نخفيه، وتفضح ما نهمله، وتضع أمامنا سؤالا أعمق من مجرد طالع:
أي الجدارين نريد أن نصنعه بأيدينا؟
خربشات ((قارئ للفنجان)) صباحية.