فادي السمردلي يكتب: (صياح الديك لا يجلب الفجر) منظومات ألصوت بلا أثر

7 سبتمبر 2025
فادي السمردلي يكتب: (صياح الديك لا يجلب الفجر) منظومات ألصوت بلا أثر

بقلم فادي زواد السمردلي 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*

صياح الديك لا يجلب الفجر، والفجر لا ينصاع لصوت ديك مهما ارتفع أو تكرر، بل يشرق في موعده وفق قوانين كونية ثابتة لا تتبدل فهذه الحقيقة البسيطة التي يعرفها كل إنسان يعيش على تماس مباشر مع الطبيعة، تصلح لتكون درساً صارماً في فهم ما آلت إليه كثير من المنظومات التي انشغلت بالصوت والصورة أكثر من انشغالها بالفعل والأثر فالمنظومات التي تتوهم أن البيانات الصحفية المتكررة، أو المؤتمرات المترفة، أو اللقاءات البروتوكولية المتشابهة، هي معيار النجاح، لا تختلف كثيراً عن ديكٍ يصيح متخيلاً أن صوته هو الذي يوقظ الشمس.

إن الظهور الإعلامي المتكرر ليس دليلاً على الإنجاز، بل قد يكون في كثير من الأحيان غطاءً هشاً يخفي العجز عن التغيير الفعلي فما قيمة أن نقرأ كل يوم بيانات مصاغة بلغة خشبية لا تحمل جديداً؟ وما جدوى أن نرى صوراً متكررة لمسؤولين يبتسمون أمام الكاميرات بينما الواقع يتآكل من تحت أقدام الناس؟ فالمنظومة التي تنشغل بمظهرها وتترك جوهرها تتحول تدريجياً إلى هيكل أجوف، وتفقد قدرتها على إقناع الناس بأنها وجدت لخدمتهم لا لاستعراض ذاتها.

الأخطر من ذلك أن هذا الانغماس في صناعة المشهد الإعلامي يجعل المنظومات أسيرة عقلية “التسويق” بدل عقلية “الخدمة” فيصبح الهدف هو زيادة عدد البيانات لا زيادة عدد الحلول، والتوسع في الصور بدلاً من التوسع في المبادرات، والتفنن في صياغة الشعارات بدلاً من معالجة الأزمات وعندها، لا يلمس المواطن شيئاً سوى ضجيج فارغ يضاعف إحباطه ويقوي شعوره بأن هذه المنظومات لا تعيش معه بل تعيش فوقه.

ولعل منطق “البرج العاجي” هو أخطر ما يصيب أي منظومة فالابتعاد عن نبض الشارع، والتعامل مع الناس من علٍ، يحوّل أي مؤسسة مهما كانت نواياها إلى كيان مغترب، بلا جذور، سريع التآكل والانهيار فالتاريخ شاهد على أن كل منظومة فقدت صلتها بالناس، وانشغلت بالواجهة بدل المضمون، انتهت إلى عزلة وانطفاء وبينما التي نزلت إلى الشارع، اختلطت بالناس، سمعتهم وفهمت مشاكلهم، استطاعت أن تصنع شرعية حقيقية أقوى من أي بيان أو مؤتمر.

المنظومة الحقيقية لا تحتاج أن ترفع صوتها صباح مساء كي تُسمع، بل تحتاج أن تترك أثراً يفرض نفسه فالناس بطبيعتهم لا يبحثون عن الخطابات بقدر ما يبحثون عن نتائج ملموسة تغير حياتهم فالإصلاح لا يُقاس بعدد المؤتمرات بل بعدد الخطوات التي تحولت إلى واقع والنجاح لا يُقاس بكمية الصور المنشورة بل بعمق الأثر الذي ينعكس في حياة الناس اليومية فالفعل هو اللغة الوحيدة التي لا يختلف عليها اثنان، بينما الأقوال تظل عرضة للجدل والشك والخذلان.

إن التحول المطلوب اليوم ليس في رفع مستوى الصوت، بل في تعميق مستوى الفعل فالمنظومة الناجحة هي تلك التي تضع يدها على الجرح وتعالجه، لا التي تكتفي بوصف الألم في نشرات رسمية وهي التي تتحرك بحلول عملية لا بوعود فضفاضة وهي التي تفهم أن ثقة الناس تُكتسب بالفعل الملموس لا بالكلمات المنمقة ومن لا يدرك هذه الحقيقة سيبقى مثل الديك، يواصل صياحه كل صباح، متخيلاً أن الشمس مدينة له بطلوعها، بينما الفجر يشرق في موعده دون أن يعيره أي اهتمام.

في الختام هذا المقال يعالج قضية عامة بطابع نقدي وفكري صرف، ولا يقصد به أي جهة أو مؤسسة أو شخص بعينه وأي تشابه أو تقاطع مع وقائع أو كيانات قائمة هو مجرد صدفة غير مقصودة، ولا يمكن اعتباره استهدافاً مباشراً أو غير مباشر.