وطنا اليوم- خاص/محرر الشؤون الاقتصادية
في زحمة الأرقام والتقارير، تبرز حقيقة صادمة لا يمكن تجاهلها: مؤسسة الضمان الاجتماعي الأردني، التي يُفترض أن تكون الحصن المالي الآمن لملايين الأردنيين، تُدير استثمارات تتجاوز قيمتها 6 مليارات دينار في قطاعات كالعقارات، الأسهم، الفنادق، والأراضي، لكنها تحقق عائدًا لا يكاد يُذكر.
تقرير صندوق النقد الدولي الأخير كشف أن العائد السنوي على هذه الاستثمارات بلغ 2.8٪، في دولة يبلغ فيها التضخم الرسمي 2.7٪، ما يعني أن العائد الحقيقي لا يتجاوز 0.1٪ فقط.
هذا ليس مجرد خلل مالي، بل فشل استثماري هيكلي.
ففي الوقت الذي تحقق فيه صناديق التقاعد العالمية والإقليمية عوائد حقيقية تتراوح بين 4% إلى 6% سنويًا، نجد أن أموال الأردنيين تُستثمر بعوائد تقارب الصفر، وهو ما يشكل فجوة استثمارية صادمة تتطلب محاسبة، لا مجرد التبرير أو التغطية.
أين تكمن المشكلة؟
الخلل لا يكمن فقط في ضعف العائد، بل في غياب الرؤية، والجمود في إدارة الأصول، وافتقارها للاستراتيجيات الحديثة في التوظيف والتدوير.
من غير المعقول أن تبقى مؤسسة بحجم الضمان رهينة لاستثمارات راكدة لا تواكب التحولات الاقتصادية، ولا تُدار بروح المبادرة.
ولعل الأخطر أن قطاعات كالأسهم والعقارات، رغم ما تمر به من تحديات، ما تزال توفر فرصًا استثمارية حقيقية يمكن تعظيم عوائدها، إذا ما تم إدارتها بكفاءة وحوكمة فعالة. لكن الواقع يكشف العكس: مشاريع غير منتجة، فنادق خاسرة، أراضٍ غير مستغلة، وأموال مجمدة في أماكن لا تنبض بالحياة.
هل من تكلفة حقيقية لهذا الأداء الهزيل؟
نعم، وبأرقام مرعبة. لو أن تلك الاستثمارات حققت فقط 5٪ عائدًا حقيقيًا، لكانت وفرت ما يقارب 300 مليون دينار سنويًا كأرباح يمكن إعادة تدويرها أو استخدامها لتأخير نقطة التعادل الحرجة في صندوق التقاعد. لكن، بدلًا من ذلك، نحن نخسر هذه الفرص عامًا بعد عام، دون أي محاسبة تذكر.
في ظل هذا الأداء، هل يبقى الضمان صمام أمان؟
بلغة الأرقام، لم يعد الضمان يسير نحو “مرحلة الخطر” فحسب، بل هو داخلها بالفعل. وإذا استمرت السياسات الاستثمارية على ما هي عليه، فإن نقطة التعادل بين الإيرادات والنفقات لن تكون في 2040 كما بشّرت الدراسات المتفائلة، ولا في 2030 كما قدّر صندوق النقد الدولي، بل ربما قبل ذلك ، لتبدأ مرحلة بيع الأصول، ثم مرحلة الصمت الأكبر حين تعجز الخزينة عن دفع الرواتب.