العنف ضد المرأة في ظل جائحة كورونا (الجائحة الخفية)

1 أغسطس 2021
العنف ضد المرأة في ظل جائحة كورونا (الجائحة الخفية)

الأستاذه لندا عماد عواد

منذ تفشي جائحة كورونا شاهد العالم الكثير من التحديات والاضطرابات التي افرزها هذا الفيروس الخبيث -الذي اضحى مع مرور الوقت يتحور ويتطور الي فيروسات أكثر فتكا ودمارا- وسرعان ما لجأت الدول الي اتخاذ كافة التدابير الوقائية للحد من انتشار هذا الوباء. جاء التباعد الاجتماعي في مقدمة هذه الإجراءات، وبالرغم من ان هذا الاجراء الاحترازي اثبت فعاليته النسبية في الحد من انتقال الفيروس إلا أنه كان له العديد من التبعات السلبية وعلى راسها زيادة العنف ضد المرأة.

مما لا شك فيه ان تلك الظاهرة ليست حديثة النشئة؛ بل كانت المرأة تعاني منها منذ الجاهلية حتى ظهور الدين الإسلامي الحنيف الذي لم يقتصر على تحريم كافة اشكال التعنيف التي كانت تُمارس ضدها بل جاء ليكرمها وليرفع من شانها ويعطيها حقوقها التي لطالما حرمت منها. علاوة على ذلك ظهرت على الصعيد الوطني الحركات السياسية التي لازالت تنادي بحقوق المرأة وتدافع عنها في حالة تعرضها للعنف بكافة صوره، أما على الصعيد الدولي تولي المنظمات كمنظمة الأمم المتحدة دورا بارزا في سبيل مواجهة هذه الظاهرة فقد حثت على ضرورة القضاء على العنف ضد المرأة من خلال انشاء مجموعة من الاتفاقيات كاتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة لعام 1981، واتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات من أبرزها القرار رقم  48/ 104 المعروف بالإعلان بشان القضاء على العنف ضد المرأة والمؤرخ في 20/12/ 1993 الذي عرف في المادة الأولى لعنف ضد المرأة بانه     ” أي فعل عنيف تدفع الي عصبية الجنس او يترتب عليه او يرجح ان يترتب عليه اذي او معاناه للمرأة سواء من الناحية الجسمانية او الجنسية او النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل او القسر او الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة او الخاصة”.

في واقع الامر، أدي التباعد الاجتماعي ومكوث الافراد في منازلهم لساعات طويلة بالإضافة الي انشغال الحكومات بمحاربة انتشار الوباء، توفيربيئة خصبة لتعنيف النساء سواء من قبل أزواجهن او أحد افراد الأسرة. فمذ اندلاع هذه الجائحة زادت الاتصالات بالخطوط الهاتفية المخصصة لمساعدة ضحايا العنف ضد المرأة في بعض البلدان بمقدار خمسة اضعاف.

وقد عرضت منظمة الصحة العالمية لهذا الأمر في تقريرها بتاريخ 6 يوليو 2020 الذى أوضح أن ثلث نساء العالم تعرضن للعنف الجسدي، وخصوصا الجنسي، من قبل شركائهن في اغلب الحالات. وقد اعتبر التقرير ان جائحة كوفيد-19 ساهمت في تفاقم الأوضاع نظرا لملازمة البيوت والتبعات الاقتصادية الصعبة التي رافقتها. فضلا عن ذلك أوضح تقرير آخر أصدرته المنظمة تحت عنوان “كوفيد-19 والعنف ضد المرأة في إقليم الشرق الأوسط” ان هذا الإقليم يأتي في مركز متقدم على مستوى العالم من حيث انتشار العنف ضد المرأة (37%) وان هناك زيادة في حالات العنف خلال الجائحة بنسبة (50%الي 60%) استناداً إلي مكالمات الاستغاثة التي تجريها النساء عبر الخطوط الساخنة لمنظمات المرأة، دون الأخذ في الإعتبار الحالات التي لم يكن في استطاعة الضحايا الإبلاغ.

من هذا المنطلق، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش بياناً عاماً دعا من خلاله الحكومات الي ضرورة وضع سلامة المرأة أولا في استجابتها للوباء -الذي لازال يتحور ويتطور الي فيروس أكثر خطورة وشراسة، مُشيرا الي ان العنف الذي تتعرض له المرأة لا يمكن وقفه بلقاح وانما يتطلب بذل جهود مشتركة من اجل محاربة هذه الظاهرة العالمية.

في المقابل، تم رصد بعض التحركات الإيجابية على الصعيد العالمي وفي مقدمتها قيام منظمة الأمم المتحدة بأطلاق حملة ” اتحدوا” التي حث عليها الأمين العام للمنظمة لإنهاء العنف ضد المرأة والتي دعت الي اتخاذ اجراء عالمي لسد ثغرات التمويل وضمان الخدمات الأساسية للناجيات من العنف خلال ازمة كوفيد-19. بالإضافة الي ذلك قيام حملة “الستة عشر يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي” التي أطلقها مركز القيادة العالمية، والتى ذكرت بضرورة مضاعفة الجهود والاستثمارات لمكافحة هذه الآفة، فمثل هذا النوع من العنف يمثل جائحة عالمية خطيرة الي جانب جائحة كوفيد-19.

قد يتبادر الي ذهن القارئ سؤال وهو لماذا أدي ظهور تلك الجائحة التي لازال العالم في صراع معها إلى زيادة كبيرة للعنف الموجه ضد المرأة؟ هناك الكثير من الأسباب التي لا يمكن حصرها ولكن سنكتفي في هذا المقال بعرض اهمها. المكوث في المنازل لساعات طويلة، نمو مشاعر القلق والخوف، التسريح من العمل مما يترتب عليه من تبعات اقتصادية سلبية، خصوصا على الاسر الكبيرة التي يكفي دخلها بالكاد لتغطية الاحتياجات الأساسية اليومية، زيادة الأعباء على الأمهات نتيجة غلق المدارس والجامعات مما يتطلب من تخصيص وقت أكبر لمتابعة الأولاد خصوصا وانهم باتوا يستخدموا وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة لاستكمال دراستهم عن بعد، المتابعة المستمرة للأخبار حول انتشار الوباء، زيادة اعداد الوافيات حول العالم وغيرها.

في ختام هذا المقال، تلزم الإشارة الي أبرز الآثار السلبية المترتبة عن ممارسة العنف ضد المرأة. أولاً: الإضطرابات النفسية والعصبية لدي المرأة كالاكتئاب والارق وقد يصل الأمر إلى حد التفكير إما في الانتحار او في الانتقام ضد المعنف. ثانياً: احتمال اصابة المرأة بنوع من أنواع العاهات المستديمة من قبيل فقدان البصر أو تشوه في الوجه وغير ذلك من آثار المعاملة القاسية. ثالثاً: احتمال وجود انعكاسات سلبية على الأطفال الصغار؛ إما عن طريق نمو شعور الخوف من التعرض لنفس مصير الام أو محاولة تقليد سلوك الآباء من خلال تعنيف الأم أو الاخوات أو الزوجة. وأخيراً، نشير إلى احتمال البحث عن وسائل تمكنهم من الهروب من واقع حياتهم كالإدمان او الدخول في العالم الافتراضي أو الإنتحار. ومما لا شك فيه أن مثل هذه التبعات لا يقتصر تأثيرها على الضحايا فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره.

بالنظر إلى حقيقة أن هذه الظاهرة لن تتوراي سريعاً من تلقاء نفسها وبشكل نهائي، فإن هناك الكثير من الجهد الذي يلزم بذله من قبل كل الأطراف المنخرطين في هذه المأساة. فبالنسبه للرجال يلزم إيجاد مصادر مفيدة للاستفادة من أوقات الفراغ أو المكوث الأجباري في المنزل كممارسة الرياضة أو متابعة القنوات العلمية والثقافية أو أعطاء المزيد من الوقت للأطفال والاهتمام بتربيتهم وتعليمهم. فضلاً عن ذلك توجد امكاني التواصل مع الاخصائيين في مجال الأمراض النفسية للبحث عن سبل كبح مظاهر العنف الطارئية لديهم، وقد يكون في مشاركة الزوجه في تحمل أعباء المنزل إحدى الوسائل التي تقرب بين الرجل والمرأة في الأسرة وتجعلهم على درجة أكبر من التناغم.

لعل خير ختام لهذه العرض هو التذكير بقول الله تعالي في سورة الروم “ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”. وكذلك وصية النبي محمد صلي الله عليه وسلم بحسن معاملة المرأة؛ فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي (ص) قال: استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، و إن اعوج شيء في الضلع أعلاه: فان ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج: فاستوصوا بالنساء خيرا.

ليندا عماد عواد

باحثة في الشئون القانونية الأمنية

مشاركة في اعداد كتاب “كوفيد-19 وحقوق الإنسان”

دار النهضة العربية 2021