أبو قديس والملفات المكدّسة في التعليم العالي

1 نوفمبر 2020
أبو قديس والملفات المكدّسة في التعليم العالي

بقلم: أ‌. د سيف الدين الفقراء/ جامعة مؤتة
ما زالت الأوساط الأكاديمية تعيش النشوة والاستبشار بقدوم معالي الدكتور أبو قديس إلى وزارة التعليم العالي التي أنهكتها التغييرات الحكومية, وشهدت حالة من السبات الطويل أيام معالي محيي الدين توق في ملفات حساسة وهامة, ناهيكم عن اضطراب التعامل مع ملف التعليم الإلكتروني, وإنهاك الجامعات في قرارات متغيرة ومتسارعة أثبتت غفلتنا عن التخطيط الاستراتيجي القويم.
أبو قديس من رواد التعليم العالي المشهود لهم بالنزاهة والانتماء, وهو ابن التعليم العالي والجامعات, ومحيط بتفاصيل التعليم العالي ومفاصله, ولعلّه كان شاهداً على مراحل من سوء إدارة التعليم العالي في تشكيل مجالس التعليم العالي, ومجالس الأمناء, واللجان الكبرى في الوزارة, وتعيين القيادات الأكاديمية, وشاهداً على تقلبات القوانين والأنظمة, وتفصيلها بعيداً عن المصلحة العليا للوطن والمواطن.
إنّ ثمة ملفات أصبحت الآن على طاولة الوزير وبين يديه وهي الفيصل في الحكم على أدائه وإنجازاته سلباً أم إيجاباً, ولعلّ أظهرها ملف التعليم الإلكتروني وما تحيط به من سلبيات يجب تلافيها, وأحسب أنّ معاليه مغرم بالتعليم عن بعد, وهو غرام يكبّله ما شاب هذا التعليم من سلبيات كامنة في ضعف إمكانات الجامعات, وعدم استعدادها لهذا النوع من التعليم, وغياب الخبرة, وسوء الممارسة في التنفيذ والتقييم, وليعلم معاليه إن لم يكن قد تيقّن بعدُ, أنّ قسماً من أعضاء هيئة التدريس لم يعط محاضرة الكترونية واحدة خلال الجائحة تتوافر فيها الحدود الدنيا من التعليم عن بعد, وأنّ قسماً من أساتذة الجامعات بلا حواسيب وملحقاتها, وأنّ الطلبة يعقدون خلايا أزمة للغش أثناء الامتحانات, وأنّ هناك من كان يحلّ الامتحانات مقابل أجرة, وأن المكتبات التي تجثم أمام الجامعات كانت تفتح حلقات للحلّ وبيع الأسئلة وقبض المعلوم, وكلّ هذا سيفضي إلى الجهل والتجهيل وسيلقي ظلاله على المشهد الثقافي والتعليمي في الوطن لسنوات. ونظراً لأهمية ملف التعليم عن بعد كان هذا الأمر واحداً من أهم محاور خطاب التكليف السامي للحكومة الجديدة, وقد قال جلالته في إدراك منه للواقع:”وهنا يجب على الحكومة مواصلة العمل على تطوير منظومة التعلم عن بعد, وتقييم التجربة وإنضاجها، وفق أفضل الممارسات التي تضمن حق الطلبة في التعليم، إلى جانب الاستمرار في تطوير منظومة التعليم برمتها”
إنّ تغيير مجالس الأمناء أصبح ضرورة في ضوء ما شهدته بعض المجالس من عجز في النهوض بمسؤولياتها المنصوص عليها في التشريعات, واضطلاع بعض الرؤساء والأعضاء في التدخل شخصياً في شؤون إدارة الجامعة وإضعاف الرؤساء, .
إّنّ ملف الدراسات العليا واحد من الأعباء الثقيلة التي أثقلت كاهل الجامعات بالفساد, فالرسائل والبحوث تباع على قارعة المكتبات, والإشراف والمناقشات يضطلع بها جهلة القوم وجهالهم, والتلاعب في القبولات واحد من مظاهر التجاوزات التي أساءت لسمعة التعليم العالي, أمّا حال هذا الملف في الجامعات الخاصة فأمر يندى له الجبين, ولا أحسب أنّ معاليه غافل عن تفاصيله.
إنّ واحداً من أبرز الملفات التي يجب الالتفات إليها ملف توحيد أنظمة الجامعات لا سيما نظام الهيئة التدريسية ونظام الموظفين, وهو ما كاد أن ينجزه معالي الدكتور وليد المعاني قبل مغادرته الوزارة, وهذا التعديل المنشود يجب أن يحقّق العدالة بين العاملين في الجامعات الأردنيّة, ويحصّن حقوق العاملين في الجامعات الخاصة, ويسعى إلى توحيد بنود التعيين والترقية والانضباط, ويطوّرها بما يمنع تسلل النطيحة والمتردية إلى التعيين والرتب الأكاديمية, ويجب وضع شروط صارمة للتعيين وضبط الترقيات والنشر, وتوحيد الأسس وتحصينها, ووضع معايير قوية للمناصب الأكاديمية على مستوى رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء, لا سيما أنّ الأسس والآليات السابقة أثبتت بعض الإخفاق.
إنّ القبول في الجامعات الأردنية واحد من الملفات التي أحسن الوزير صنعاً في إيقاف قرار مجلس التعليم العالي الأخير المتعلق بأسس القبول, لأنّ أسس القبول التي اقترحها القرار المأفون لا تحقّق العدالة بين مناطق الأردن المتفاوتة في فرص التعليم, فهو يساوي بين خريجي المدارس الخاصة الراقية في العاصمة وبين أبناء القويرة, وصبحا وصبحية, والجفر والجفور وغور فيفا والشونتين, وغيرها من المناطق. وفي هذا ظلم كبير وغياب للعدالة, ناهيك أنّ القرار تناسى كوتات أبناء القوات المسلحة, والأجهزة الأمنية, وأبناء المخيمات, وأبناء المعلمين, وأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين, وأبناء العاملين في مؤسسات التعليم العالي, والهيئات الدبلوماسية, ولم يأخذ بالحسبان حملة الشهادات غير الأردنية, وقبول الطلبة غير الأردنيين, ويفتقد إلى آليات مناسبة لعقد الامتحانات المنوية للتصنيف, ويبدو أنّ هذا القرار أخذ على عجل لغايات لا نعرفها.
إنّ ملف استكمال تعزيز ضوابط المراقبة والرقابة على الجامعات واحد من الملفات المهمة, فاستقلال الجامعات لا يعني أنّها مزارع خاصة لرؤسائها, فقد شهدنا تجاوزات في التعيين والابتعاث والترقيات, وإسناد المناصب القيادية في نواب الرئيس والعمداء ونوابهم ورؤساء الأقسام, وأحسب أنّ دمج هيئة الاعتماد بالوزارة واحد من الضرورات لتقوية الذراع الرقابية للوزارة وضبط معايير استحداث الكليات والتخصصات في الجامعات بدلاً من إناطتها بمجالس أمناء خاوية, لا سيما أنّ منظومة الدمج محدّدة بإطار زمني في خطاب جلالة الملك وهو يقول: كما لا بدّ من البدء بتطوير الجهاز الإداري للدولة، وتنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية خلال الشهور الثلاثة القادمة، وتقديم مطالعات حول إمكانية دمج بعض الوزارات والهيئات، لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الخدمات وضبط النفقات”.
تمويل الجامعات, والسعي لتوحيد الرسوم, والتخلّص من الإعفاءات, وضبط النفقات, ملفات عابرة للحكومات, وتزداد ثقلاً في ظلّ الظروف الاستثنائيّة, وأحسب أنّنا في ظرف استثنائي منذ ربع قرن على الأقل. إنّ التفاؤل هو السمة التي رسمناها على ملامح التعليم العالي وتضاريسه بقدوم الوزير الجديد, وما زلنا ننتظر قرارات تجعل من أحلامنا في التطوير واقعاً يلمسه المواطن.