وطنا اليوم:أعلنت سلسلة متاجر كبرى في مصر عن رفع البضائع الفرنسية من على رفوفها؛ رداً على تصريحات مناهضة للإسلام أدلى بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مؤخراً، ومن المحتمل أن تكون تلك التصريحات قد أطلقت خطوات مماثلة في منافذ تجارية أخرى بالدولة ذات الأغلبية المسلمة.
إضافة إلى ذلك قال مسؤولون بـ”مول الرباعية” في مدينة السادات المصرية، التي تقع على بُعد 94 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، الأحد 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إنهم بصدد إزالة البضائع الفرنسية من على رفوفه، ويشمل ذلك منتجات الجبن والمواد الغذائية الفرنسية الأخرى؛ احتجاجاً على تصريحات ماكرون، حسب تقرير نشره موقع Middle East Eye البريطاني، الثلاثاء 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
خسائر بسبب المقاطعة: وقال محمد هادي، مدير التشغيل بهايبر ماركت الرباعية، لموقع Middle East Eye: “نحن نعلم أن القرار سيتسبب في بعض الخسائر لنا، حتى نجد بدائل للبضائع التي يتم رفعها. لكننا نفعل ذلك إرضاءً لله ورداً على الإساءة إلى ديننا”.
كان ماكرون قد أيّد علناً الحق في نشر رسوم كاريكاتيرية تسخر من نبي الإسلام محمد، صلى الله عليه وسلم، واتهم الدينَ الإسلامي بأنه “دين يعيش أزمة عالمية”. وأدلى ماكرون بتلك التصريحات خلال حضوره فعالية لتكريم ذكرى المُعلم الفرنسي صمويل باتي، الذي قُتل ذبحاً على يد مسلم متطرف في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد أن عرض رسوماً كاريكاتيرية تسخر من النبي، صلى الله عليه وسلم، على تلاميذ في مدرسته.
في الوقت نفسه أثارت حادثة مقتل باتي المروعة شجباً من المؤسسات الإسلامية في مصر، وعلى رأسها الأزهر، أشهر مؤسسة للتعليم الديني في العالم الإسلامي، وندد شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب بالجريمة، إلا أنه أشار أيضاً إلى أن إهانة الأديان باسم حرية التعبير تمثل “دعوة للكراهية”.
في حين أثارت إهانات ماكرون موجةً كبيرة من الغضب بمصر، وانطلقت دعوات إلى مقاطعة البضائع والماركات الفرنسية؛ ثأراً للإسلام من سياسات الرئيس الفرنسي الذي وصفوه بأنه “كاره للإسلام”.
تجميع بضائع فرنسا: في المقابل شرعت بعض المنافذ التجارية في الاستجابة لدعوات المقاطعة وبدأت في رفع المنتجات الفرنسية من على رفوفها. ونشر “مول الرباعية” صوراً في 24 أكتوبر/تشرين الأول، لعمّالِه وهم يُزيلون المواد الغذائية الفرنسية من على رفوفه.
تحت الصور، كتبت الإدارة أنها قررت سحب جميع البضائع الفرنسية من أرففها؛ رداً على إساءات ماكرون الموجهة للإسلام. وتلقت الصور سيلاً من التعليقات الترحيبية، ودعوات إلى أن تفعل المنافذ التجارية الأخرى الشيء نفسه. ومع ذلك، فقد أزال المركز التجاري الصور من على صفحته الرسمية بالإنترنت بعد يوم واحد.
لكن، وعلى المنوال ذاته، قال متجر “سفرة” للأدوات المنزلية في حي المقطم بجنوب القاهرة، إنه سينقل المنتجات الفرنسية إلى مخازنه ويتوقف عن بيعها. كما أعلنت منافذ تجارية أخرى في أنحاء مختلفة من البلاد عن عزمها على اتخاذ خطوات مماثلة.
رفض لحملات المقاطعة: كانت حملة مقاطعة البضائع الفرنسية لا تزال في مراحلها الأولى في مصر، ولم يكن أحد يملك التنبؤ بالمدى الذي قد تصل إليه تلك الحملات.
في حين توقع بعض الناس أن تتخذ الحملة أبعاداً وطنية بالفترة المقبلة، في ظل تصاعد موجة الغضب الشعبي بعد تصريحات ماكرون. ومع ذلك، فقد انطلقت حملة معارضة مضادة للحملة من وسائل إعلام رئيسية وبعض الموالين للدولة، الذين قالوا إن مقاطعة البضائع الفرنسية لن تضر إلا مصر والمصريين، وليس الفرنسيين.
من جانبه أوصى الداعية الشهير خالد الجندي المستهلكين بعدم المشاركة في الحملة.
على النحو نفسه، قال المذيع عمرو أديب، الذي يقدم برنامجاً حوارياً على قناة MBC السعودية، إن المسلمين لديهم الحق في الغضب من تصريحات الرئيس الفرنسي، لكنه مع ذلك، نصح المستهلكين بالتفريق بين البضائع المصنوعة في فرنسا وتلك المصنوعة بمصر، قائلاً إن “معظم البضائع الموجودة على أرفف المتاجر هنا مصنوعة في مصر، حتى لو كانت الشركة الأم موجودة بفرنسا”.
علاقات مصر وفرنسا: في السياق، جاءت حملة المقاطعة الوليدة ضد البضائع الفرنسية، في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية المصرية الفرنسية ازدهاراً كبيراً.
ففي عام 2019، وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 3.5 مليار دولار. وكانت فرنسا استثمرت قرابة ستة مليارات دولار في مصر إجمالاً. ويعمل زهاء 165 شركة فرنسية في البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 100 مليون شخص، ويعمل بتلك الشركات 38 ألف مصري.
كل ذلك يجعل من فرنسا شريكاً تجارياً واستثمارياً بارزاً لمصر. كما أن الشركات الفرنسية تعمل في قطاعات متعددة، من القطاعات الصناعية والزراعية إلى تصنيع المعدات الكهربائية، علاوة على أنها نشطة في قطاعات الأدوية وتجارة التجزئة والسياحة والبنية التحتية.
حيث بلغ إجمالي الواردات المصرية من فرنسا في عام 2019، نحو 1.77 مليار دولار. ومع ذلك، قال اقتصاديون إن القطاع الخاص المصري يمكن أن يستغني بسهولة عن السلع الفرنسية إذا اتسع نطاق حملة المقاطعة.
اتفاقيات شراكة: من جهة أخرى، كانت اتفاقية شراكة بين مصر من جهة ودول الاتحاد الأوروبي، ومنها فرنسا، قد دخلت حيز التنفيذ منذ عام 2004، وأنشأت الاتفاقية منطقة تجارة حرة بين الطرفين تُرفع فيها التعريفات الجمركية على المنتجات الصناعية وتعمل على تيسير تجارة المنتجات الزراعية.
لكن، ورغم عدم وجود دعم رسمي لمقاطعة البضائع الفرنسية، أعرب بعض الاقتصاديين عن اعتقادهم أن حملة المقاطعة قد يستفيد منها الاقتصاد المصري، إذ قد يتجه مزيد من الناس إلى الاعتماد على المنتجات المحلية.
غياب الدعم للمقاطعة: التقرير أشار إلى إن غياب الدعم المصري الرسمي لحملات المقاطعة يسلط الضوءَ على المصالح السياسية والجيواستراتيجية المشتركة بين البلدين: فكلا البلدين المطلَّين على البحر المتوسط توثقت العلاقات بينهما على أثر التطورات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، خاصةً الأحداث في ليبيا ودول الخليج والصراع على الموارد بشرق المتوسط.
كل ذلك جعل أكرم بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يقول لموقع MEE: “إنَّ تزايد حملات المقاطعة العامة للسلع الفرنسية ما هو إلا تعبير عن غضب شعبي من تصريحات الرئيس الفرنسي، وليس انعكاساً لموقف رسمي تجاه فرنسا”.
رغم ذلك، يقول مراقبون إن حملة المقاطعة تضع الحكومة المصرية في حرج، وإن لم تغير الحكومة سياستها تجاه باريس، لكنهم يشيرون في الوقت نفسه إلى أن السلطات لا تستطيع إجبار الجمهور على شراء أو عدم شراء المنتجات الفرنسية.