العقل المستقلّ والعقل المستقيل!

30 أبريل 2021
العقل المستقلّ والعقل المستقيل!

ذوقان عبيدات

أثارت أحداث تشييع شهيد الرياضة والوطن في الفحيص راشد صويص أمس قضية قديمة متجددة، حيث ظهرت نفس المواقف والأسئلة، هل يجوز كذا وكذا مع غير المسلم ، وهل يجوز للمسلم التعاطف مع مصائب غير المسلم؟ مع أن قضية الفحيص أمس كما قلت ليس قضية دينية! لجأ كثيرون إلى الفتوى ولو من زملائهم أو أندادهم، ونبشوا في التراث دعما وتأييدا.

هذه القضايا سوف تتكرر مع كل حدث، مما يتوجب علينا البحث في المسكوت عنه في تراثنا وحاضرنا، وهذه مهمات للباحثين والمصلحين والمفكرين وأهل العلم من كل تخصص!

لقد أثار محمد عايد الجابري قضية العقل المستقيل عند العرب في مقابل العقل المستقل عند الغرب وعند النخب الفلسفية العربية :

فالعقل المستقيل انسحب من الأحداث وأراح نفسه من خلال:

التقليد التام للماضي وأحداثه بكل ما فيه رغم المتغيرات الواضحة، والتقليد التام لنماذج حالية ، لكنها مستغرقة في ذلك الماضي وأقفلت على نفسها باب البحث والاجتهاد، وإصدار أحكام ذات صلة بالعقل .

استقالة العقل من وظائفه النقدية والتحليلية والاكتفاء بظواهر الأحداث، والقياس على سابقتها، فصار عاجزا عن نقد حادثة أو تحليل شائعة.

العقل المستقيل عايش الأوهام سنوات طوال واعتقد أن بقاءها هذه السنوات يعني صحتها، وألزم نفسه بمعلومات وهمية أعطيت له في صغره وعايشها في كبره ولم يعد قادرا على التمييز بين الوهم والحقيقة !بل يرفض مجرد التمييز بينها ،فالصواب واضح والخطأ واضح.

والعقل المستقيل أدمن التكرار فتراه يكرر نفس الأقوال– دون الأفعال طبعا – ويستخدم نفس المنهج : الرضوخ والمسايرة والقبول. فما حاجته إلى جديد ؟ يجلس مع نفس الأشخاص ، ويطلب المشورة والفتوى من نفس الأشخاص، ويستخدم نفس الكلمات. فإن تحدث عن التجارة فإنه يذكر صاع الملح أو صاع التمر ويعتبرها ثقافة مالية منسية وعليه إحياؤها .

والعقل المستقيل يقف في نفس الموقع و نفس المكان ، فقد عايش الوهم بنفس اللغة، ولم يعد بإمكانه التقدم خطوة للأمام ، فالسير إلى الأمام يفاجئه بجديد، وكل جديد يقود إلى فوضى !

والعقل المستقيل يرفض فحص المسلمات والشائعات، ويقبل كل ما يشاهد ويسمع، فقد ترك مهمة التفكير لسواه، وحتى نجده لا يسمح لغيره بالتفكير، وربما تعرض كل مفكر من العقول المستقلة إلى ما تعرض له سقراط وابن رشد وأبو العلاء المعري .

وأخيرا، فإن العقل المستقيل هو العقل المساير أو عقل اللاعقل يساير السلطة – أي سلطة –دينية أم حكومية أم مجتمعية أم أسرية .

وأخيرا يرفض العقل المستقل الذي لا يحمل صفة من صفات العقل المستقيل !!

وأخيرا لماذا السكوت عن استقالة العقل ؟ ولماذا يتوجب علينا دفع أثمان باهظة لمن استقالت عقولهم طوعا أو تقليدا أو خوفا !

ملاحظة :

قدم أصحاب العقول المستقيلة استقالة جماعية ، تم رفضها واعتبروا فاقدين لعقولهم !