وطنا اليوم – مع وصول حملة الدعاية الانتخابية الأميركية الى ذروتها بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب والمرشح الديموقراطي جو بايدن، تبلورت صورة المواقف التي استخدمها كلاهما، وعلى مستويات مختلفة، اتجاه الشرق الأوسط والمنطقة العربية، بهدف تحشيد الناخبين الأميركيين من أصول عربية، أو شرق أوسطية، او لاسترضاء اللوبي اليهودي الفاعل لصالح كل منهما. وشملت المواقف وعوداً واضحة من بايدن لإعادة العمل بالاتفاقية النووية مع إيران، وتغيير موقف واشنطن من الحرب في اليمن، والسير بتسوية معقولة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. اما ترامب، فقد جهد بقوة لاستثمار المؤثرات العربية في الحملة الانتخابية، ومنها خصوصاً مراعاة المصالح الإسرائيلية على شاكلة واسعة.
ما بذلته الدبلوماسية الأميركية في الأربعة أشهر الأخيرة التي سبقت الانتخابات، يعادل ما بذلته خلال أربع سنوات من حكم الرئيس ترامب. وهي إذا فشلت في فرض “صفقة القرن”، نجحت في فتح قنوات اعتراف وتواصل بين إسرائيل وبعض الدول العربية، لا سيما منها الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وربما قريباً السودان بعد رفعها عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب، كما غيَّرت ضغوط واشنطن من أولويات بعض الدول العربية الأخرى، بحيث استطاعت فرض مفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، ومدَّت خيوط تواصل استخباراتية مع النظام في سوريا بحجة الإفراج عن معتقلين أميركيين هناك، وفتحت كوة في الجدار السميك الذي يبعد العراق عن ايران، من خلال التفاهُم على تعيين مصطفى الكاظمي رئيساً لحكومة تسوية في العراق، بعد أن بلغ التوتر ذروته في أعقاب مقتل قائد “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني في 3 كانون الثاني (يناير) 2020.
ومن أبرز الاستثمارات في الساحة العربية لصالح #الانتخابات_الأميركية؛ كانت موافقة الرئيس ترامب على نشر الرسائل السرية للمرشحة الديموقراطية في الدورة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، على أمل منه في أن تُلحِق هذه التسريبات أذىً بخصمه بايدن الذي ينتمي الى الحزب الديموقراطي ايضاً. ويبدو أن المعلومات التي نُشرت عن سياسة كلينتون، تتركز على تعاطفها مع حركة “الإخوان المسلمين” في المنطقة العربية، وعلى تواصل سري مع إيران، يشمل تبادل خدمات سياسية وأمنية، غالبيتها أدت لإلحاق أضرار بالدول العربية.
مسار الدعاية الانتخابية لكل من ترامب وبايدن سلك طرقات متعددة، تبدأ بموضوع مواجهة جائحة كورونا، وتمرُّ بالملفات الاقتصادية والأمنية الداخلية، لتصل الى الاتهامات الشخصية، او التجريح المتبادل الذي استخدمه المرشحان على شاكلة غير مسبوقة. فبينما اتهم بايدن ترامب بأنه “أسوأ رئيس في تاريخ أميركا” لم يتجنَّب ترامب أياً من النعوت الشخصية الجارحة الإ وقالها عن بايدن، بما في ذلك وصفه “بالعجوز العاجز عن الحكم”، استناداً الى عامل العمر، حيث يبلغ عمر بايدن 79 سنة بينما عمر ترامب 74 سنة فقط!!
من الواضح أن هناك تعارضاً كبيراً بين رؤية ترامب ورؤية بايدن حول الشرق الأوسط، ولكن المعطيات الموضوعية تؤكد؛ أن لدى الإدارة الأميركية استراتيجية شبه ثابته، تعتمد على البراغماتية، وأولويتها احترام المصالح الأميركية، وحماية إسرائيل، ومنع وقوع المنطقة برمتها في أيدي المتطرفين والمنظمات الإرهابية، والحدّ من نفوذ روسيا وإيران في أكثر من ساحة عربية. لكن الثوابت الأميركية؛ لا تعني بأي شكل من الأشكال التطابق في موقف الديمقراطيين والجمهوريين، ولا يخفي على أحد أن السياسة التي اعتمدها الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما، أدت الى توسيع نفوذ إيران وتركيا، وجنَّبت النظام السوري السقوط، بينما سياسة الرئيس ترامب تمحورت حول خلق مناخ مناسب لإسرائيل، وتوفير حماية لأصدقاء واشنطن في الخليج العربي والحدّ من التغلغل الإيراني الواسع في العراق.
واعتماد إدارة ترامب على سياسة فرض العقوبات المالية والاقتصادية على الأشخاص وعلى الدول؛ كان علامة فارقة تتمايز مع سياسة الديموقراطيين، وقد هدفت العقوبات الى الحدّ من الانفلاش المالي للمنظمات الإرهابية، وتقويض أنظمة الحكم التي لا تحترم حقوق الإنسان، خصوصاً في إيران وسوريا. وقد استخدمت إدارة ترامب هذه العقوبات من خلال تطبيق قانوني قيصر وماجينتسكي لإظهار دفاعها عن حقوق الإنسان، ولمنع أشكال الانتهاكات التي يتعرَّض لها المدنيون، في خطوة تجميلية لصورة ترامب الذي أُتهم بأنه يحمل بعض التوجهات العنصرية.
معطيات جديدة مؤثرة ومُفاجئة طفت على سطح المشهد، قبل صدور النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية الأميركية، منها مهادنة ترامب لإيران – أو العكس – وهو ما دفع الى الإسراع في إجراء تبادل أسرى بين فريقي النزاع في اليمن، والأفراج عن أميركيَين كانا معتقلَين عند الحوثيين، وتوقف الحملات المتبادلة بين رئيس وزراء العراق ومعارضيه من المؤيدين لإيران، والتي كادت أن تدفع كل السفارات العربية والأجنبية الى مغادرة العراق خوفاً من التهديدات الأمنية التي تبين أن جناحاً من “الحشد الشعبي” يقفُ وراءها.
الفاتورة العربية المدفوعة سلفاً لصالح الحملات الانتخابية الرئاسية في أميركا كبيرةٌ جداً؛ أما الثمن المقابل، فغير مضمون، او أنه سيُسدَّد من “الجيبة العربية” أيضاً وأيضاً بعد الانتخابات؟