استراتيجية أم تكتيك .. ما الذي يحصل في تركيبة المشهد الأردني

16 مارس 2021
استراتيجية أم تكتيك .. ما الذي يحصل في تركيبة المشهد الأردني

وطنا اليوم:قد تكون مهمة صعبة جداً إذا ما قرر أي مراقب أردني سبر أغوار ذهنية وزير الداخلية والصحة الجديد الشاب مازن الفراية، عندما يقترح ولأغراض العبور بموقعه بين حقيبتين، إثر استقالة وزير الصحة السابق الدكتور نذير عبيدات، وصف خلطة تثير الجدل تحت قبة البرلمان عبر «تعيين حاكم إداري برتبة متصرف لمتابعة العمل في المستشفيات العامة».
قد يبدو الاقتراح بيروقراطياً بامتياز بالنسبة لوزير داخلية تم اختياره لشغل حقيبة الصحة بالوكالة بعد حادثة أليمة استفزت الكثير من التساؤلات في المشهد السياسي والوطني الأردني. قالها الوزير الفراية ببساطة وبدون تردد عندما اقترح أن تتولى دوائر حكام الإداريين متابعة المستشفيات في جميع المحافظات.
كان اقتراحاً مفاجئاً وغريباً، لكنه عملياً ينسجم مع الواقع الموضوعي لشاب جديد في لعبة السياسة والتوزير يحمل الآن ثلاثة مناصب مهمة وكبيرة معاً، وهي إضافة إلى الداخلية والصحة، رئاسة أزمة الخلية التابعة لمركز الأزمات الوطني والمتعلقة حصرياً بالفايروس كورونا.
في مسألة الحاكم الإداري وواجبه الصحي يفتيها الخبير الأبرز في المجال النائب السابق سامح المجالي وهو يتحدث عن أهمية تفعيل «مجالس المحافظات» وتأطير وتطوير مهام وأعمال اللجان التنفيذية.
الرجل – نقصد الفراية – منذ عامين أصبح عميداً في السلك العسكري.
وتلك القفزة البيروقراطية أصلاً وقبل حادثة مستشفى السلط الأخيرة أثارت الجدل والتساؤلات حول النوايا بعدما بدأ الرأي العام ومركز القرار بالتوازي يفقدان الثقة بالنخب الوزارية، مع أن الشارع يندد منذ سنوات بالمنهجية التي يتم فيها اختيار الوزراء، فهي غامضة وملتبسة وتستند إلى المحاصصة وليس المهنية، وغير مفهومة في كثير من الأحيان، وتنتهي بسلسلة متراكمة من التعديلات الوزارية.
لذلك، قد يكون اللجوء إلى شخصية عسكرية ديناميكية عرفها الأردنيون في العام الأخير بسبب كورونا بحد ذاته إما ملاذاً اضطراري له علاقة بحرفية العسكر ومهنيتهم وتجاهلهم المألوف لكل اعتبارات مراكز القوى، أو له علاقة أصلاً بتجربة جديدة عنوانها الاستعانة بنخب وزارية بخلفيات عسكرية بين الحين والآخر.
لكن قفزة الجنرال الشاب كانت كبيرة ولافتة للنظر. اللافت أكثر كان تلك الدعوات بعد حادثة مستشفى السلط التي تجدد الثقة بالمؤسسة العسكرية والعسكريين، لا بل تطالب القصر الملكي بتشكيل حكومة عسكرية بسبب استثنائية الظرف الصحي وحرفية الالتزام.
لكن داخل أروقة النخب البارزة التي تدور بالعادة في فلك السلطة وأقنيتها لا يبدو أن المناصب الثلاثية التي حظي بها الشاب الفراية معاً خطوة تحظى بالتوافق بين الجميع، فقد انتقدت وبقوة فكرة الفراية حول تمكين طاقم وزارة الداخلية التي يديرها من مراقبة مرافق وزارة الصحة التي يديرها أيضاً.
هاجم الوزير والنائب والعين سابقاً ولاحقاً بسام حدادين، هذه الفكرة بغلاظة واعتبرها مخالفة دستورية، ملمحاً إلى مشهد كاريكاتيري تعتدي فيه وزارة على صلاحيات أخرى. واعتبر المعلق والناشط والوزير سابقاً الدكتور صبري إربيحات، أن الاضطرار أصلاً لتعيين عسكري ليس طبيباً وزيراً للصحة هو مؤشر حيوي على طبيعة الأزمة.
لكن ما هي الأزمة بصورة محددة؟
سؤال لا يجيب عليه أحد، فخلال شهر واحد فقط أقيل وزيرا الداخلية والصحة السابقان بسام التلهوني وسمير مبيضين، على خلفية ظهورهما في مشهد يخالف أوامر الدفاع، لكن قرار إقالة الوزيرين من حيث الشكل والمضمون تهاجمه يومياً نخب السياسة والصالونات ولا تقتنع به الحراكات والشوارع رغم أهمية رسالة الهيبة التي يبعثها.
لاحقاً تعديل وزاري أوسع على الحكومة، وخلال ساعات يستقيل وزير العمل فيها معن قطامين وسط زفة إعلامية يحاول فيها الوزير المستقيل الإيحاء بأن الحديث عن ثورة استثمارية ليس أكثر من لغو سياسي ولفظي دفعه للاستقالة بعد ساعات فقط من أداء اليمين الدستورية أمام الملك. لاحقاً، وعبر التعديل، يعتلي الفراية سدة وزارة الداخلية السيادية المهمة ثم تصدر منه في مؤتمر صحفي عبارة «أصدرت الأوامر» بدلاً من «التوجيهات». وعندما استقال بكل أدب سياسي وزير الصحة السابق الدكتور نذير عبيدات، بدا أن الحكومة بلا خيار، فتقرر تعيين الفراية أيضاً وزيراً للصحة بالوكالة.
العميد الفراية كان متألقاً ومبدعاً بإجماع غالبية النخب عندما أدار خلية أزمة كورونا.. السؤال يصبح ويطرحه النائب خليل عطية : ما دامت الكفاءة منجزة منتجة وبمهنية رفيعة في خلية الأزمة فلماذا الإصرار على تبديل المواقع والمناولات وتكبير حجم مسؤولية وزير بخبرة إبداعية مثل الفراية؟
مجدداً نفس السؤال: هل قفزة الوزير الفراية نتيجة تكتيك اضطراري أم تعكس رسائل باستراتيجية أعمق؟
طبعاً صعب جداً تحصيل إجابة الآن، لكن المواقع الثلاثة في وقت أزمة ومن حيث المسؤوليات فعلاً كبيرة ومرهقة على شخص واحد، حتى لو كانت خلفيته عسكرية. في الوقت نفسه، أصبح تكرار وتزامن التعديلات الوزارية والاستقالات مرهقاً للدولة والناس، ويثير من التساؤلات أكثر مما يطرح من الإجابات.
لكن طبيعة الهمسات التي وضعت في أذن وزير ديناميكي عندما انتقلت خلية الأزمة لإدارة وزارة الداخلية، وبصورة صاروخية الآن لإدارة وزارة الصحة، هي فقط التي يمكنها الإجابة على السؤال المركزي.. استراتيجية أم تكتيك؟.. ما الذي يحصل فعلاً في تركيبة المشهد الأردني؟