أميركا تطوّر قنبلة جديدة خارقة للتحصينات.. لماذا الآن؟

54 ثانية ago
أميركا تطوّر قنبلة جديدة خارقة للتحصينات.. لماذا الآن؟

وطنا اليوم:فجر 22 يونيو/حزيران 2025، أطلقت القاذفات الشبحية الأميركية طراز “بي-2 سبيريت” وابلا من القنابل الخارقة للتحصينات “جي بي يو 57” (GBU-57)، على منشأة فوردو النووية الإيرانية، المحصّنة بعمق داخل جبل من الحجر الكلسي، في أول استخدام لهذه القنبلة في قتال حقيقي، بعد سنوات من تطويرها وتجاربها فقط.
وعلى الرغم من ضخامة تلك القنابل، إذ يبلغ وزن الواحدة نحو 13 ألف كيلوغرام، فقد بدت التحصينات الجبلية عصيّة على التدمير النهائي؛ إذ أشارت تقارير إلى أن التقييمات الاستخباراتية الأميركية الأولية لا تتوافق مع الرواية الرسمية التي أعلنتها واشنطن عقب الضربة.
فبينما أكّد الرئيس دونالد ترامب ووزير الحرب بيت هيغسيث أن المنشآت النووية الإيرانية قد “دُمّرت بالكامل”، كشف تقييم لـ”وكالة الاستخبارات الدفاعية” (DIA) أن الضربات لم تُزل المشروع من جذوره، بل أحدثت أضرارا جسيمة أدّت إلى تأخيره لعدة أشهر.
كما أبلغت إدارة ترامب مجلس الأمن الدولي لاحقا، أن الهجوم “أضعف” البرنامج النووي الإيراني، في صياغة أكثر حذرا بكثير من التصريحات العلنية التي أعقبت الضربة.
هذا الاختلاف في مستوى التصريحات يعكس مدى الشكوك داخل المؤسسة الأمنية الأميركية، حول ما إذا كانت القنابل الخارقة للتحصينات قد بلغت فعلا قلب المرافق المدفونة داخل جبل فوردو، وذلك في ظل تكتّم طهران عن إظهار مدى الضرر الحقيقي الذي لحق بالمنشآت النووية التي تم استهدافها.

اختبار أول غير مُقنع
من جهة أخرى، تداولت وسائل إعلام أميركية ودولية، بعد ساعات قليلة من انتشار صور الفوهات العميقة التي خلّفتها الضربة في فوردو ونطنز، معلومات لافتة، تشير إلى أن الولايات المتحدة تعمل منذ مدة على تطوير خليفة للقنبلة المستخدمة في الهجوم، وهو برنامج “المخترِق من الجيل التالي” (NGP).
هذا التزامن مع الجدل الذي أثارته نتائج الضربة بدا أكثر من مجرد مصادفة، إذ جرى تقديم أخبار السلاح الجديد بوصفها امتدادا مباشرا للسياق الذي فتحته العملية، وكأن إعادة تسليط الضوء عليه يلمّح ضمنا إلى أن “جي بي يو-57″، على الرغم من قوتها وقدرتها على اختراق طبقات سميكة من الصخور، لم تُظهر الأداء الحاسم الذي كان مأمولا في مواجهة منشأة محصنة على غرار فوردو.

العمق كسلاح دفاعي
سعي الولايات المتحدة إلى تطوير قنبلة جديدة خارقة للتحصينات، يعكس إدراكها المتزايد بأن التحدّي لم يعد مرتبطا بإيران وحدها، بل ببنية كاملة من الدفاعات الجوفية التي يبنيها الخصوم. فهذه الدول فهمت مبكرا أن التفوق الجوي الأميركي يمكن الالتفاف عليه بالنزول عميقا تحت الأرض، وأن العمق نفسه يمكن أن يتحول إلى أداة دفاع فعّالة تحدّ من قدرة واشنطن على ضرب الأهداف الحساسة.
ففضلا عن إيران، تورد تقارير صحفية واستخبارية أن كوريا الشمالية بنت ما يشبه “دولة تحت الأرض”، من شبكات أنفاق وقواعد صواريخ وثكنات بعمق يفوق 100 متر. بل إن شبكة مترو بيونغ يانغ نفسها أُنشئت على عمق مماثل، لتعمل كمخبأ ضخم للسكان والقيادة عند الحاجة.
الصين بدورها، شيّدت شبكة هائلة تُعرف بـ”السور العظيم تحت الأرض” وهي شبكة أنفاق معقدة تمتد لآلاف الكيلومترات، يقال إنها مخصصة لإخفاء تحركات منصات الصواريخ الباليستية عابرة القارات وإطلاقها من مواقع سرية. وفي السنوات الأخيرة، شيّدت الصين حقولا جديدة لصوامع صواريخ باليستية عابرة للقارات في شمالي البلاد، كما بنت منشآت قيادة وسيطرة إستراتيجية في أعماق الجبال لحماية قيادتها النووية.
هذا الانتشار الواسع تحت الأرض، يعني أن أي خصم يفكر في تحييد قوة الصين، سيتوجب عليه التعامل مع مدن عسكرية تحت الأرض، وهي مهمة شبه مستحيلة بدون أسلحة مصممة لهذا الغرض.
أما روسيا، فتعدّ رائدة هذا النهج منذ الحرب الباردة، إذ تحتفظ بمنشآت قيادة نووية محصنة في جبال الأورال، مثل كوسفينسكي كامين ويامانتاو، ومصفوفات صوامع قادرة على تحمل ضربات تقليدية أو نووية منخفضة القوة. ويُعتقد أن هذه المنشآت المبنية على عمقٍ هائل، كانت السبب الرئيسي وراء تطوير قنبلة “بي 61-11” من جانب الأميركيين. ففكرة وجود مركز قيادة روسي محمي بمئات الأمتار من الغرانيت، شكّلت كابوسا للخطط الحربية الأميركية، وهذا دفعها لإيجاد وسيلة لاختراقه إذا لزم الأمر.