وطنا اليوم:كشف سكان وتجار في قطاع غزة لوكالة “رويترز” أن حركة حماس بدأت بخطوات هادئة لترسيخ سيطرتها على القطاع من جديد، في وقت لا تزال فيه الخطط الأميركية لمستقبل الحكم في الجيب الصغير “تتبلور ببطء”، مما يزيد من شكوك منافسي الحركة حول مدى جديتها في تسليم الإدارة كما تعهدت .
ويأتي هذا التحرك بعد بدء وقف إطلاق النار الشهر الماضي 10 أكتوبر، حيث أشارت التقارير إلى أن حماس استعادت سيطرتها بسرعة على المناطق التي انسحبت منها إسرائيل، وقامت بإعدام عشرات الفلسطينيين بتهم “التواطؤ مع إسرائيل أو السرقة”.
ضبط الأسواق و “تسجيل كل شيء”.
قال عشرات من سكان غزة إنهم يشعرون بشكل متزايد بتولي حماس زمام السيطرة بطرق أخرى غير عسكرية.
وأكد عشرة من السكان، من بينهم ثلاثة تجار على دراية مباشرة بالأمر، أن السلطات تراقب كل ما يدخل للمناطق الخاضعة لسيطرتها .
وأضافوا أن السلطات تقوم بـ “فرض رسوم ضرائب على بعض السلع” التي يستوردها القطاع الخاص، مثل الوقود والسجائر، كما تفرض غرامات على التجار الذين يبيعون البضائع بأسعار أعلى من الثمن المحدد .
وقال أحد كبار مستوردي الأغذية في غزة، طالبا عدم الكشف عن هويته، إن حماس لم تستأنف سياسة فرض الضرائب بشكل كامل، لكنهم “يرون ويسجلون كل شيء” .
وأضاف أنهم “يراقبون كل ما يدخل، من خلال نقاط تفتيش على الطرق، ويوقفون الشاحنات ويستجوبون السائقين”.
وأشار إلى أن فرض الغرامات على المتلاعبين بالأسعار “يسهم في خفضها، لكنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل بدء الحرب” .
من جانبه، قال حاتم أبو دلال، صاحب أحد المراكز التجارية في غزة، إن الأسعار مرتفعة بسبب قلة البضائع الواردة، مؤكدا أن “ممثلي الحكومة يحاولون إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد من خلال جولات ميدانية وتفقد البضائع وتحديد الأسعار” .
ولكن على أرض الواقع، يصف محمد خليفة، الذي كان يتسوق في مخيم النصيرات، المشهد بقوله إن الأسعار متغيرة باستمرار رغم محاولات تنظيمها: “طبعا زي البورصة، كل شوية بحال… وغلاء طبعا، ولا دخل، وظروف صعبة، وحياة صعبة، وداخلين على ظروف شتاء” .
رد حماس: نفي للضرائب واستعداد لتسليم السلطة.
في المقابل، نفى إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، تقارير حول فرض ضرائب على السجائر والوقود، وصفها بأنها “غير دقيقة”، نافيا رفع الحكومة للضرائب .
وقال الثوابتة: “لم يتم حتى الآن تشغيل الوزارات والمؤسسات الحكومية بكامل طاقتها، بل يتم فقط تسيير الأعمال في الجوانب الإنسانية والخدماتية العاجلة، مثل الصحة والتعليم والبلديات” .
وأضاف أنه “تبذل جهود حثيثة لضبط الأسعار وتنظيم حركة البيع والشراء بما أمكن” .
وأكد الثوابتة استعداد حماس لتسليم السلطة إلى إدارة تكنوقراط جديدة، قائلا إن ذلك يهدف إلى “تجنب الفوضى في غزة” .
وتابع: “الحكومة في قطاع غزة جاهزة تماما لتسليم المهام للإدارة الفنية الجديدة متى ما تم الاتفاق على آليات التنفيذ… هدفنا أن تتم عملية الانتقال بسلاسة تحفظ المصلحة الوطنية” .
تعثر الخطة الأميركية و “تقسيم فعلي”.
تأتي هذه التحركات من حماس في ظل تعثر واضح في الجهود الرامية لدفع “خطة ترامب” لغزة .
وعلى الرغم من بدء وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، وإطلاق سراح الرهائن الأحياء، فإن المراحل التالية تأسيس سلطة انتقالية ونشر قوة متعددة الجنسيات ونزع سلاح حماس لا تزال متعثرة .
وقالت مصادر متعددة هذا الأسبوع، إن “احتمالية تقسيم غزة بحكم الأمر الواقع” بين منطقة تسيطر عليها إسرائيل وأخرى تديرها حماس “صارت مرجحة بشكل متزايد”، خاصة مع استمرار انتشار القوات الإسرائيلية في أكثر من نصف مساحة القطاع.
ويرى غيث العمري، الزميل البارز في معهد واشنطن للأبحاث، أن إجراءات حماس “هدفها أن تظهر لسكان غزة والقوى الأجنبية على حد سواء أنه لا يمكن تهميشها” .
وحذر قائلا: “كلما انتظر المجتمع الدولي، كلما ترسخ وجود حماس” .
واشنطن ترد: لهذا السبب حماس “لن تحكم”.
وفي رد حاد على تقارير فرض حماس للرسوم وضبط الأسواق، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية: “لهذا السبب لا يمكن لحماس حكم غزة ولن يحدث ذلك” .
وأضاف أنه “يمكن تشكيل حكومة جديدة في غزة بمجرد موافقة الأمم المتحدة على خطة ترامب”، مشيرا إلى “إحراز تقدم نحو تشكيل القوة متعددة الجنسيات” .
ويبقى المشهد السلطوي معقدا، حيث تضغط السلطة الفلسطينية لدور لها، وهو ما ترفضه إسرائيل .
وعلق منذر الحايك، المتحدث باسم حركة فتح في غزة، بأن “أفعال حماس تعطي إشارة واضحة إلى أنها تريد الاستمرار في الحكم”.
وفي غضون ذلك، تواصل حماس ترميم هياكلها الإدارية؛ فقد واصلت دفع رواتب مخفضة لموظفيها، وعينت بدلاء لأربعة محافظين و 11 عضوا في مكتبها السياسي قتلوا خلال الحرب .
ويرى مصطفى إبراهيم، الناشط السياسي في مدينة غزة، أن حماس “تستغل تأخير خطة ترامب لتعزيز دورها” .
وخلص إلى القول: “هل سيسمح لها بالاستمرار في فعل ذلك؟ أعتقد أنها ستستمر إلى أن تتوفر حكومة بديلة” .






