وطنا اليوم:يمثل لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب منعطفا جديدا في مسيرة الشرع، الذي بدأ حياته في العراق كمتمرد ضد القوات الأميركية، مرورا بقيادة فصائل مسلحة، وصولا لرئاسة سوريا الجديدة.
قبل أعوام قليلة كان يُعرَف باسم حركي، أبو محمد الجولاني، قائد فصيلٍ شقَّ طريقه وسط حربٍ أهلية مدمّرة، تبنّى آنذاك خطابا متشددا وتحالفات متقلبة.
اليوم، بات الرجل نفسه رئيس سوريا الجديد، ويقف على عتبة البيت الأبيض في زيارة تُتوَّج مسارًا غير مسبوق من التحوّل السياسي والبراغماتية.
بدأت رحلة أحمد الشرع شابًا في العراق منتصف العقد الأول من الألفية منخرطًا في التمرّد ضد القوات الأميركية، قبل أن يُفرج عنه ويعبر إلى سوريا عام 2011 مؤسِّسًا “جبهة النصرة” المرتبطة بالقاعدة.
أعلن القطيعة مع القاعدة عام 2016، وفي 2017 أعاد هيكلة تنظيمه إلى هيئة تحرير الشام وأطلق “حكومة الإنقاذ” لإدارة الشمال الغربي، وخلال 2017–2024 رسّخ حضورا إداريا وأمنيا في إدلب ومحيطها.
انقلب المشهد مع سقوط حكم بشار الأسد في ديسمبر 2024؛ إذ نقل الشرع إدارة “الإنقاذ” إلى دمشق كحكومةٍ مؤقتة وأُعلن رئيسًا للبلاد مع تعهّد بانتخابات خلال 3–4 سنوات، وخطةٍ لدمج الفصائل في جيش وطني مع إبقاء المرافق المدنية عاملة.
في مايو 2025، رعت الرياض لقاء قصيرا برعاية ولي العهد محمد بن سلمان، أعقبه إشادة علنية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأحمد الشرع وقرار بتعليق جزءٍ من العقوبات.
ثم شارك الشرع في سبتمبر 2025 في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ضمن مسار كسر العزلة الدبلوماسية.
وفي أكتوبر 2025، قدّم في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” رؤيته لـ”توازن العلاقات”، وتوازى ذلك مع زيارةٍ رسمية إلى موسكو في الشهر نفسه لتجنّب القطيعة مع الكرملين.
وأخيرًا، اختُتمت في الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 زيارةٌ تاريخية إلى البيت الأبيض – الأولى لرئيسٍ سوري – حيث مُدِّد تعليق معظم العقوبات لمدة 180 يومًا، وبُحث انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش والتعاون في مكافحة الإرهاب والتعافي الاقتصادي، مقابل مطالبٍ سورية بوقف الضربات الإسرائيلية جنوبًا وضع خارطة طريق لرفع القيود تدريجيا.
الى ذلك قال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى الإثنين إن سوريا وقعت إعلان تعاون سياسيا مع التحالف الدولي لهزيمة “داعش”.
وأضاف المصطفى على “إكس”: “الاتفاق سياسي ولا يتضمن حتى الآن أي مكونات عسكرية”.
وكان داعش قد سيطر في فترات على نحو 40 بالمئة من أراضي العراق وحوالي ثلث الأراضي السورية المجاورة.
عنونت صحيفة “فورين بوليسي”، الثلاثاء، على اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي بنظيره السوري في البيت الأبيض، قائلة إن “دونالد ترامب يستميل أحمد الشرع لتأمين حليف جديد في الشرق الأوسط”.
واستضاف ترامب، الشرع، الإثنين، في البيت الأبيض، في أول زيارة لرئيس سوري إلى واشنطن منذ نحو 8 عقود.
الصحيفة قالت إن اللقاء يشكّل تحولا كبيرا في مسار العلاقة مع دولة (سوريا) كانت تُعدّ منبوذة لسنوات.
ويسعى الشرع إلى عقد صفقة مع الولايات المتحدة تضمن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بشكل دائم.
ففي عام 2019، فرض ترامب عقوبات بموجب “قانون قيصر” لمعاقبة دمشق على ما وُصف بأنه انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في عهد نظام الأسد.
لكن ترامب علّق تلك العقوبات في يونيو الماضي عبر أمر تنفيذي، قائلاً إن الخطوة تهدف إلى “منح السوريين فرصة الازدهار”.
وحاول ترامب إظهار تجاوب مع مطالب الشرع، الإثنين، عبر إعلان وزارة الخزانة وقف معظم العقوبات المفروضة على سوريا، باستثناء تلك المرتبطة بالتعاملات مع روسيا وإيران.
غير أن الشرع يطالب بحل دائم، وهو ما يستلزم موافقة الكونغرس، فيما يبدو المشرّعون الأميركيون مترددين في منح ذلك ما لم تلتزم دمشق بشروط عدة، بينها ضمان التعددية الدينية في البلاد وتحسين العلاقات مع إسرائيل.
وفي المقابل، يسعى ترامب أيضاً بحسب الصحيفة إلى تحقيق مكاسب من الشراكة الأميركية–السورية الناشئة.
فهو يأمل بإقناع دمشق بالانضمام إلى التحالف الذي تقوده واشنطن ويضم 89 دولة لمحاربة تنظيم داعش — علماً أن الجيش السوري الجديد وقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية يقومان بذلك بالفعل.
كما يطمح إلى توسيع اتفاقات أبراهام عبر دفع سوريا إلى إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها مع إسرائيل، وإقامة وجود عسكري أميركي في قاعدة المزة بدمشق.
وقال الرئيس الأميركي الإثنين إنه على وفاق مع الرئيس السوري، وعبّر عن ثقته في أنه سيتمكن من أداء مهام منصبه.
وكتب ترامب على “تروث سوشيال”: “استقرار سوريا ونجاحها أمر بالغ الأهمية لجميع دول المنطقة. ناقشت مع الرئيس الشرع جميع جوانب السلام في الشرق الأوسط وهو من أبرز الداعمين له. أتطلع إلى لقاء الرئيس السوري والتحدث معه مجددا”.
من إدلب إلى واشنطن.. كيف بلغ الشرع البيت الأبيض؟






