الديمقراطية برلمانية الأردنية الواقع والينبغيات

18 فبراير 2021
الديمقراطية برلمانية الأردنية الواقع والينبغيات

المحامي د. مهند صالح الطراونة

إن الحديث عن واقع حال الديمقراطية البرلمانية الأردنية وماآل إليه حالها في النظام الأردني يسوقنا للحديث عن الصلاحيات الدستورية لسلطات الدولة الثلاث وبيان تخومها والتي تعتمد وبشكل أساسي على مبدأ الفصل بين السلطات القائم على توزيع السلطات في الدولة وعدم تركيزها في يد سلطة واحدة ،لأن تركيز السلطة بيد هيئة واحدة قد يؤدي على الأغلب إلى الاستبداد والتعسف، وبالتالي إلى إهدار التوازن الديمقراطي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أو إلى إهدار حقوق وحريات الأفراد، لذلك أن الأساس السليم لمبدأ فصل السلطات هو توزيع وظائف الدولة المتعددة على سلطات متعددة تستقل كل منها بوظيفتها عن الأخرى .

ومن المعلوم به أن مبدأ الفصل بين السلطات يرتبط ارتبطاً وثيقاً بالديمقراطية، حيث يحتل هذا المبدأ أهمية فائقة ومصانة من خلاله تأكيده على ترسيخ سيادة القانون الحقيقية و الممارسة الحقيقية للديمقراطية داخل الدولة.
هذا وقد بين الفقه الدستوري مفهوم الديقراطية بإختصار بأنها حكم الأغلبية مع احترام حقوق الأقلية وأعتبرها الغاية والطريق الأمثل لصون الحقوق والحريات العامة ، حيث عرف (جان لوك) (ومونتسكو) أن الديمقراطية بمفهومها سالف الذكر تقاس وترتبط بمدى التزام كل سلطة من سلطات الدولة باختصاصاتها المحددة لها .

هذا وأخذ النظام البرلماني الأردني معظم قواعده من النظام البرلماني المهد (النظام البريطاني) و خاصة تلك المباديء التي تتعلق بالعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ،والتي ترتكز على أساس إمتلاك كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية من الوسائل الدستورية ماتمكن به عدم هيمنة السلطة الأخرى، ولعل من أبرز هذه الوسائل هو حق المسؤولية السياسية الموجه للوزارة من قبل البرلمان، وكذلك حل البرلمان الموجه من قبل السلطة التنفيذية.

إلا أن التباين أضحى واضحاً بين ما هو منصوص عليه من الناحية النظرية وبين ما هو مطبق من الناحية العملية بشأن هذه الوسائل ، حيث تبين عدم فعالية تلك الوسائل في ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ،فمن خلال إستقراء مسيرة الحكومات الأردنية نجد أن معظم الحكومات الأردنية لم تتعرض لخطر المسؤولية السياسية الموجهة من قبل البرلمان إلا ما ندر، حيث حازت معظم هذه الحكومات على ثقة البرلمان، بإستثناء حالة واحدة سجلها التاريخي السياسي الأردني لم تحصل فيها الوزارة المشكلة على ثقة البرلمان وهي حكومة السيد سمير الرفاعي، وبرأي أن سبب ذلك ليس الانسجام التام في العلاقة بين السلطتين التنفيذية التشريعية ، بل وجود بعض الاختلالات في ميزان هذه العلاقة ،وبرأي ورأي العديد أن السبب في ذلك يعود إلى عدم نضج التجربة الحزبية والأحزاب الوطنية البرامجية التي تشكل حكومات برلمانية .

ولعل رسالة سيدي صاحب الجلاله للدولة الأردنية في مئويتها الثانية حول ضرورة أهمية الاصلاح السياسي وخاصة التشريعات الخاصة بهذا الإصلاح ولعل من أولها النظام الانتخابي الذي يعتبر من أهم الأسباب التي أضعفت وجود العمل الحزبي البرامجي داخل البرلمان الأردني،إضافة إلى عدم وجود ثقافة مجتمعية تبين ماهية الأحزاب وماهو دورها الحقيقي في بناء الدولة الدولة وإصلاحها .

ولقد تكررت هذه التوجيهات الملكية هذا الأمر في اكثر من موضع بين جلالة الملك من خلال ماقدمة من اوراق نقاشية أهمية دور الأحزاب في الدولة والتي يجب أن تكون نواتها الكتل البرلمانية ، و في التطبيق نجد أن هذه الأخيرة قد إنشغلت للأسف في المناكفات داخل المجلس والانتخابات على رئاسة المجلس في الوقت الذي يجب أن تكون فيه هذه هذه الكتل عاملا أساسيا لدفع عجلة الحياة الحزبية داخل البرلمان وأن تعمل هذه الكتل على شكل أحزاب تقدم برامج ، لنخرج من حالة الضعف التي تعتري العمل البرلماني بين الحين والآخر والتي أظهرت على السطح برلمانات هشة وضعيفة يقابلها حكومات معظمها تكنوقراط سيطرت على مجرى العملية التشريعية في الدولة .

وعلى صعيد آخر أثبت الواقع العملي الزيادة المضطردة لنسبة المقترحات التشريعية المقدمة من السلطة التنفيذية إذا ما قورنت بالمقترحات التشريعية المقدمة من السلطة التشريعية ، الأمر الذي أثر على علاقة هاتين السلطتين ،ولعل ذلك مرده إلى أن السلطة التنفيذية تمتلك من المقومات ومن الأجهزة الإدارية والفنية ما تمكنها من صياغة مشاريع القوانين بشكل أسرع، وأرى أننا بحاجة إلى تطوير الأجهزة الفنية والإدارية لدى السلطة التشريعية وأضاع النواب الجدد لدورات برلمانية تبين لهم طبيعة العمل البرلماني وآلية التعامل مع النظام الداخلي للمجلس بغية النهوض بالعمل التشريعي بشكل أفضل وإرجاع هذا الإختصاص للسلطة الأصل .

ومحصلة القول إن الحديث عن تحقيق مناخ ديمقراطي ودستوري سليم يعيد الإعتبار إلى السلطة التشريعية ويمكنها من أخذ دورها كمؤسسة دستورية ذات كيان، بحيث تعتبر المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تمثل الصالح العام للشعب،يحتاج منا نحن كأفراد تكثيف الجهود نحو نشر ثقافة الأحزاب السياسية ودورها في بناء الدولة ،وفي المقابل يقع على عاتق السلطة التشريعية دور كبير في تعزيز هذا الدور من خلال السعي نحو تكريس عمل اللجان وجعلها نواة لأحزاب سياسية تقدم برامج إصلاحية وصولاً لحكومات برلمانية تتحقق من منظومة التوازن والتعاون بين السلطات في الدولة.