وطنا اليوم _
كتب: ليث الفراية
حين تتحدث مع العاملين في القطاع الطبي عن الكفاءات التي تصنع الفارق بهدوء غالبا ما يذكر اسم الدكتور محمد أنور أبوكف كأحد تلك النماذج التي جمعت بين التخصص الدقيق والعمل المتقن والالتزام الأخلاقي العالي هو طبيب لا يقدّم نفسه بالكلام بل بالنتائج بنى مسيرته خطوة بخطوة داخل غرف العمليات وفي ممرات المستشفيات التي تعرف صمته أكثر مما تعرف صوره .
اختار طريق الجراحة الدقيقة في الدماغ والأعصاب والعمود الفقري وهو مجال يحتاج إلى يد ثابتة وعقل لا يخطئ الحساب لم يكن اختياره صدفة بل إيمانا منه بأن الطب ليس مهنة فحسب بل مسؤولية تتطلب أن تكون حاضرًا بكل ما تملك من معرفة وتركيز .
ينتمي الدكتور محمد أنور أبوكف إلى عائلة اقتصادية معروفة تركت بصماتها في أكثر من مجال غير أن حضوره الشخصي جاء مختلفا فبينما اتجه بعض أبناء العائلة نحو الاستثمار التقليدي كان هو يؤسس استثماره الخاص في الإنسان في العلاج والمعرفة والانضباط هذه الخلفية منحت تجربته توازنا واضحا بين الفكر العملي والدقة المهنية فخرج بأسلوب في العمل يجمع الانضباط بالرحمة .
منذ بداياته الأولى عُرف الدكتور محمد أنور أبوكف بدقته العالية في التعامل مع الحالات المعقدة وبإصراره على أن تكون الجراحة وسيلة للشفاء لا ساحة للعرض تلقى تدريبه في مراكز متقدمة في أوروبا وعاد إلى الأردن محملا بخبرة علمية واسعة وظفها في خدمة المرضى بروح وطنية واضحة ورغم حداثة تجربته مقارنة ببعض الأسماء المخضرمة استطاع أن يثبت أن الكفاءة لا تُقاس بالعمر بل بالمنهج وأن التطوير لا يعني التخلي عن الأساس الإنساني للمهنة .
يمتاز الدكتور أبوكف بحضوره المتزن وتعامله الهادئ سواء مع فريقه الطبي أو مع المرضى وذويهم في عيادته لا يُشعر المريض أنه أمام شخصية متعالية أو متعبة من تكرار المهنة بل أمام طبيب ما زال يؤمن بأن كل مريض هو قصة مختلفة تستحق الاستماع والفهم هذا الإيمان جعله يحقق نجاحا متكررا في العمليات الدقيقة للدماغ والعمود الفقري باستخدام تقنيات متطورة من ضمنها الجراحة بالمنظار واستخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص دون أن يسمح للتقنية أن تطغى على البعد الإنساني .
وفي كل محطة من مسيرته حافظ الدكتور محمد أنور أبوكف على حضور هادئ ومهني بعيد عن الأضواء لكنه قريب من الميدان عرفه زملاؤه بصفته الطبيب الذي لا يساوم على الدقة وعرفه المرضى بصفته الإنسان الذي لا يغادرهم بعد العملية بل يتابعهم حتى تستقر خطواتهم ورغم أنه ينتمي للمؤسسة الطبية العسكرية التي تقوم على الانضباط إلا أن طريقته في العمل تضيف إلى الانضباط بعدا إنسانيا يجعل من كل إجراء طبي موقفا أخلاقيا قبل أن يكون إجراء مهنيا .
قد لا يظهر كثيرًا في وسائل الإعلام لكنه حاضر في وجدان من تعاملوا معه فكل قصة شفاء تحمل بصمته هي شهادة صامتة على قدرته على الجمع بين الحرفية والرحمة إنه من ذلك الجيل الجديد من الأطباء الأردنيين الذين لا يكتفون بالعلم فقط بل يحملون رؤية تؤمن بأن الطبيب الحقيقي هو من يضيف إلى مهنته قيمة لا مجرد رقم في قوائم الاختصاص .
وفي خلفية هذا النجاح يبقى انتماؤه العائلي رافدا للقيم التي شكلت شخصيته فالعائلة التي عرفت بالاقتصاد والبناء غرست فيه معنى الالتزام والدقة والتخطيط وهو بدوره نقل تلك المفاهيم إلى عالم الطب ليجعل من غرف العمليات مختبرا للانضباط والإتقان .
الحديث عن محمد أنور أبوكف لا يتوقف عند كونه طبيبا بارعا في اختصاص صعب بل يتجاوز ذلك إلى كونه مثالا على أن المهنة حين تُمارس بضمير تتحول إلى رسالة هو نموذج للطبيب الأردني الذي يطور نفسه دون أن يتخلى عن قيمه ويحقق النجاح دون أن يرفع صوته وفي زمن يكثر فيه الظهور ويقل فيه الجوهر يبقى حضوره شاهدا على أن العمل الصادق لا يحتاج إلى إعلان وأن الكفاءة الحقيقية لا تبحث عن التصفيق بل تكتفي بأن تترك خلفها أثرا يستحق الاحترام .