وطنا اليوم:تُعتبر موجة الاحتجاجات العنيفة التي اجتاحت إندونيسيا وأدت إلى مقتل ستة أشخاص اختبارًا كبيرًا لرئاسة الرئيس برابوو سوبيانتو.
وبدأت الاشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب والمتظاهرين الذين يرشقون الحجارة في جاكرتا الأسبوع الماضي، وسرعان ما امتدت خارج العاصمة.
وقام محتجون غاضبون في عدة مدن بإشعال النار في مبانٍ للبرلمان الإقليمي ومقرات للشرطة وألحقوا أضرارًا بالبنية التحتية، في اضطرابات سرعان ما تحولت إلى أعمال نهب وحرق للمركبات.
ويوم الأحد، أمر سوبيانتو قوات الأمن بالتصدي بحزم لهذه الاحتجاجات، وقال: “هناك مؤشرات على أفعال غير قانونية قد تصل إلى حد الخيانة والإرهاب.
إلى الشرطة والجيش، لقد أمرتهم باتخاذ إجراءات صارمة قدر الإمكان ضد تدمير المرافق العامة، والنهب في منازل الأفراد والمراكز الاقتصادية، وفقًا للقوانين”.
وألغى سوبيانتو رحلته البارزة إلى الصين لحضور عرض يوم النصر في بكين في 3 سبتمبر، مشيرًا إلى تصاعد الاحتجاجات على مستوى البلاد.
سبب الاضطرابات
وانفجر الغضب الشعبي في ثالث أكبر ديمقراطية في العالم بعد تقارير أفادت بأن جميع أعضاء مجلس النواب الـ580 يتلقون بدل سكن شهري بقيمة 50 مليون روبية (3,075 دولارًا)، بالإضافة إلى رواتبهم.
وهذا البدل، الذي تم اعتماده العام الماضي، يساوي نحو عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور في جاكرتا.
ويرى المنتقدون أن الامتياز ليس مبالغًا فيه فحسب، بل ويكشف عن انعدام حساسية في وقت يعاني فيه معظم المواطنين من ارتفاع تكاليف المعيشة والضرائب وتزايد البطالة.
حصيلة الضحايا
كما اتسعت رقعة الاحتجاجات وتصاعدت حدتها بعد وفاة أفان كورنياوان، سائق توصيل يبلغ من العمر 21 عامًا.
أظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لحظة مقتله خلال مظاهرة في جاكرتا يوم الخميس، ما صدم البلاد وأثار موجة غضب ضد قوات الأمن.
وكان كورنياوان في طريقه لإكمال طلب توصيل طعام عندما وقع في الاشتباكات. وقال شهود للتلفزيون المحلي إن مدرعة تابعة لوحدة الشرطة الوطنية الخاصة اندفعت بسرعة وسط الحشود وصدمته، ثم دهسته دون توقف.
ليل الجمعة، أشعلت حشود غاضبة النار في مبنى برلمان محلي في مدينة ماكاسار بجزيرة سولاويزي، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص ومحاصرة آخرين، بالإضافة إلى خمسة جرحى في المستشفى. وفي حادث منفصل بالمدينة نفسها، قُتل رجل يُعتقد أنه عنصر استخبارات متخفٍ في هيئة سائق توصيل بعد أن هاجمته الحشود.
وارتفع عدد القتلى إلى ستة بعد إعلان السلطات في يوجياكرتا عن مقتل طالب جامعي في اشتباكات الجمعة بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب.
تكلفة باهظة
وأوقفت السلطات 1,240 شخصًا بعد خمسة أيام من الاحتجاجات في جاكرتا. وقال حاكم العاصمة برامونو أنونغ إن أعمال الشغب تسببت بخسائر بلغت 55 مليار روبية (3.3 مليون دولار)، بعد أن أحرق المشاغبون حافلات وملاجئ للمترو وألحقوا أضرارًا بالبنى التحتية.
وأضافت إدارة الصحة في جاكرتا أن 469 شخصًا أصيبوا خلال الاحتجاجات العنيفة، بينهم 97 في المستشفى.
وتصاعدت أعمال العنف في إندونيسيا، ما دفع منصة “تيك توك” إلى تعليق خاصية البث المباشر (LIVE) طوعًا، في إطار إجراءات للحفاظ على أجواء آمنة.
كما أصدرت سفارات وقنصليات أجنبية، منها الولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وكندا ودول جنوب شرق آسيا، تحذيرات سفر لمواطنيها لتجنب أماكن المظاهرات أو التجمعات الكبيرة.
تنازلات حكومية
إلى جانب ثمانية من قادة الأحزاب السياسية الإندونيسية، أعلن سوبيانتو في مؤتمر صحفي متلفز من جاكرتا أن الحكومة ستقوم بخفض امتيازات النواب ومخصصاتهم، بما في ذلك بدل السكن المثير للجدل، إضافة إلى تعليق الرحلات الخارجية لأعضاء البرلمان.
وكان ذلك تنازلًا نادرًا استجابةً للغضب الشعبي المتصاعد.
كما أعلن أن الشرطة تحقق مع سبعة ضباط لهم صلة بمقتل كورنياوان، وأمر بإجراء تحقيق سريع وشفاف تحت متابعة الرأي العام، مؤكدًا أن إدارته ستوفر دعمًا ماليًا لعائلة الشاب.
ودعا الجنرال السابق المواطنين إلى التعبير عن تطلعاتهم بطريقة سلمية وبنّاءة، متعهدًا بأن أصواتهم ستُسمع.
واقع اقتصادي صعب
يرى المحللون أن الاحتجاجات العنيفة جاءت نتيجة تراكم الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إلى جانب انعدام حساسية المسؤولين الرسميين وخيبة الأمل السياسية.
وخلال حملته الانتخابية للرئاسة، وعد سوبيانتو بتحقيق نمو اقتصادي يصل إلى 8% خلال خمس سنوات، وجعل اقتصاد إندونيسيا – الأكبر في جنوب شرق آسيا – أكثر جذبًا للاستثمارات.
لكن مراقبين اعتبروا هذا الوعد مبالغًا فيه، خاصة بعد أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسومًا جمركية بنسبة 19% على السلع الإندونيسية، ما زاد من حالة عدم اليقين.
وتقدّر البنك الدولي نمو اقتصاد إندونيسيا عند 4.8% حتى عام 2027، أي أقل بكثير من وعود سوبيانتو.