قِيادَةُ الجامِعَةِ لَيْسَتْ غَنيمَةً

24 يوليو 2025
قِيادَةُ الجامِعَةِ لَيْسَتْ غَنيمَةً

بِقَلَمِ: الدُّكْتورِ مَعْرُوفٍ سُلَيْمانَ الرَّبِيعِ
جامِعَةُ الْيَرْمُوكِ

رِئاسَةُ الجامِعَةِ لَيْسَتْ غَنيمَةً، بَلْ مَسؤُولِيَّةٌ مُنْجَزَةٌ.
فِي زَمَنٍ يَضُجُّ بِالصِّرَاعاتِ عَلَى الْمَواقِعِ وَالْمَناصِبِ، تَغْدو بَعْضُ الْمَواقِعِ الأَكادِيمِيَّةِ، لا سِيَّما رِئاسَةُ الْجامِعاتِ، هَدَفًا لِضَغْطٍ وَتَأْوِيلٍ وَتَشْوِيهٍ، وَكَأَنَّهَا غَنيمَةٌ تُنْتَزَعُ، لا مَسؤُولِيَّةٌ تُؤْتَمَنُ وَتُحاسَبُ.

وَحِينَ نَتَحَدَّثُ عَنْ رِئاسَةِ جامِعَةِ الْيَرْمُوكِ، فَإِنَّنا لا نَقِفُ أَمامَ مَوْقِعٍ إدارِيٍّ عابِرٍ، بَلْ أَمامَ مُؤَسَّسَةٍ وَطَنِيَّةٍ عَرِيقَةٍ، كانَ لا بُدَّ أَنْ تُدارَ بِكَفاءَةٍ، وَأَنْ تُقَيَّمَ بِالْمُنْجَزِ، لا بِالصَّوْتِ الْمُرْتَفِعِ أَوِ الْحِساباتِ الْجانِبِيَّةِ مِنَ الْبَعْضِ.

خِلالَ السَّنَواتِ الأَرْبَعِ الْماضِيَةِ، شَهِدَتْ جامِعَةُ الْيَرْمُوكِ تَحَوُّلاتٍ هادِئَةً وَلَكِنْ جَذْرِيَّةً، بِرئاسة عُطُوفَةِ الأُسْتاذِ الدُّكْتورِ إِسْلامَ مَسّاد.
لَمْ تَكُنْ رِئاسَتُهُ صاخِبَةً، وَلَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مِنْ صِنْفِ الْمُتَصَدِّرِينَ لِلْمَشْهَدِ الإِعْلامِيِّ، وَلَكِنَّهُ – وَهَذا ما يُلْفِتُ النَّظَرَ – أَنْجَزَ بِصَمْتٍ، وَثَبَّتَ أَقْدامَ الْجامِعَةِ فِي مَحافِلَ أَكادِيمِيَّةٍ دَوْلِيَّةٍ، وَفَتَحَ أَبْوابَ التَّعاوُنِ، وَرَفَعَ مِنْ حُضُورِها فِي مُؤَشِّراتِ الأَداءِ، دُونَ أَنْ يُفَرِّطَ بِهَيْبَتِها، أَوْ يُقايِضَ عَلَى نَزاهَةِ الْقَرارِ الإِدارِيِّ فِيها.

فَمَنْ ذا الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ الْيَرْمُوكَ حَقَّقَتْ تَحْتَ قِيادَتِهِ قَفَزاتٍ نَوْعِيَّةً فِي التَّصْنِيفاتِ الدَّوْلِيَّةِ؟
وَمَنْ يُنْكِرُ حَجْمَ الِاتِّفاقِيَّاتِ الْبَحْثِيَّةِ وَمُذَكِّراتِ التَّفاهُمِ الَّتِي وُقِّعَتْ مَعَ مُؤَسَّساتٍ أَكادِيمِيَّةٍ مَرْمُوقَةٍ مَحَلِّيًّا وَدَوْلِيًّا؟
أَوْ يَغْفُلُ عَنْ بَرَامِجِ التَّبادُلِ الطُّلّابِيِّ وَالأَكادِيمِيِّ الَّتِي فَتَحَتْ آفَاقًا جَدِيدَةً أَمامَ الْجامِعَةِ وَأَبْنائِها؟
بَلْ مَنْ يَتَجاهَلُ أَنَّ الْجامِعَةَ أَصْبَحَتْ أَكْثَرَ حُضُورًا فِي الْمُجْتَمَعِ، وَأَكْثَرَ تَوازُنًا فِي إِدَارَتِها الدّاخِلِيَّةِ، وَأَكْثَرَ انْفِتاحًا عَلَى قِيَمِ حُقُوقِ الإِنْسانِ، وَالْجَوْدَةِ، وَالْحاكِمِيَّةِ الرَّشِيدَةِ؟

وَلَمْ يَكُنِ الرَّئِيسُ يَوْمًا مِمَّنْ يَبْحَثُونَ عَنْ امْتِيازٍ مالِيٍّ أَوْ خاصٍّ، بَلْ إِنَّ حالَتَهُ الْمادِّيَّةَ مَيْسُورَةٌ، وَرُبَّما قَدَّمَ وَلَمْ يَأْخُذْ.

وَما أُثِيرَ مِنْ تَشْوِيشٍ حَوْلَ تَخْفِيضِ الْحَوافِزِ عَلَى بَعْضِ الْمُوَظَّفِينَ الأَكادِيمِيِّينَ وَالإِدارِيِّينَ، لَمْ يَكُنْ سِوَى قِراءَةٍ مُجَزَّأَةٍ لِقَرارٍ مُؤَسَّسِيٍّ صَدَرَ عَنْ مَجْلِسِ أُمناءِ الْجامِعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ قَرارًا شَخْصِيًّا.

وَقَدِ ارْتَبَطَ هَذا الْقَرارُ ارْتِباطًا مُباشِرًا بِعَوائِدِ الْبَرْنامَجِ الْمُوازِي، الَّتِي تَرْتَفِعُ وَتَنْخَفِضُ تَبَعًا لِأَعْدادِ الطُّلَّابِ وَرُسُومِهِمْ، إِلَى جانِبِ بَرَامِجِ الدِّراسَاتِ الْعُلْيَا، وَالدَّوْراتِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ.

وَكانَتْ نِسْبَةُ التَّخْفِيضِ مَحْدُودَةً، إِذا ما قُورِنَتْ بِإِجْمالِيِّ الرَّواتِبِ الشَّهْرِيَّةِ، وَلَمْ تَمَسَّ جَوْهَرَ الِاسْتِحْقاقاتِ الأَساسِيَّةِ لِلْعامِلِينَ.

وَمَعَ ذَلِكَ، قامَ بَعْضُ الْعامِلِينَ – مِمَّنْ تَأَثَّرُوا بِالْقَرارِ – بِوَضْعِ مَسْؤُولِيَّةِ هَذا الإِجْراءِ عَلَى الرَّئِيسِ، مُتَجاهِلِينَ السِّياقَ الْمُؤَسَّسِيَّ وَمَصْدَرَ الْقَرارِ الرَّسْمِيِّ.
وَهَذا يُعَدُّ تَقْيِيمًا غَيْرَ دَقِيقٍ لِلْمَوْقِفِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ واقِعِ الْمُعْطَياتِ أَنَّ الْجِهاتِ الرَّسْمِيَّةَ فِي رِئاسَةِ الْحُكُومَةِ تُدْرِكُ تَمامًا واقِعَ الْوَضْعِ الْمالِيِّ فِي الْجامِعاتِ عامَّةً، وَمِنْها جامِعَةُ الْيَرْمُوكِ، وَتُقَدِّرُ الْجُهُودَ الْمَبْذُولَةَ مِنْ قِبَلِ الْإِدارَةِ فِي مُواجَهَةِ التَّحَدِّياتِ الْمالِيَّةِ وَالإِدارِيَّةِ، مَعَ الْحِرْصِ عَلَى اسْتِمْرارِ سَيْرِ الْعَمَلِ بِكَفاءَةٍ وَمَسْؤُولِيَّةٍ رَغْمَ الظُّرُوفِ الصَّعْبَةِ.

وَما يَزِيدُ الْمَشْهَدَ وُضُوحًا، أَنَّ كُلَّ تِلْكَ الْخُطُواتِ تَحَقَّقَتْ دُونَ إِثارَةِ أَزَماتٍ، أَوِ الدُّخُولِ فِي مَتاهاتٍ إِعْلامِيَّةٍ، أَوْ إِشْغالِ الْمُؤَسَّسَةِ الْجامِعِيَّةِ بِقَضايَا جانِبِيَّةٍ.

لَقَدْ مَضَتِ الْيَرْمُوكُ فِي مَسارٍ هادِئٍ، وَلَكِنَّهُ عَمِيقٌ، وَهُوَ ما يَجْعَلُ الْبَعْضَ – مِمَّنِ اعْتادُوا الصَّخَبَ وَالتَّوَارِي خَلْفَ الْكَوَالِيسِ – يَشْعُرُونَ بِبَعْضِ التَّذَمُّرِ وَرُبَّما عَدَمِ الرِّضا.

وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ، فِي مَرْحَلَةِ تَقْيِيمِ الأَداءِ وَاقْتِرابِ نِهايَةِ الدَّوْرَةِ الرِّئاسِيَّةِ، أَنْ يُرَكِّزَ الْبَعْضُ عَلَى الْمَواقِعِ وَالْمَراكِزِ، لا عَلَى الإِنْجازاتِ وَالْمَعايِيرِ.
فَتَظْهَرُ الْحَمَلاتُ، وَتُنْسَجُ الرِّواياتُ، وَتُفْتَعَلُ الْمِلَفَّاتُ، بِغَرَضِ تَعْطِيلِ اسْتِمْرارِ مَشْرُوعٍ ناجِحٍ، وَاسْتِبْدالِهِ بِمَجْهُولٍ قَدْ يُرْضِي فِئَةً، لَكِنَّهُ يُرْبِكُ مُؤَسَّسَةً.

لَسْنا هُنا بِصَدَدِ تَمْجِيدِ شَخْصٍ، وَلا الانْحِيازِ إِلَّا لِلْمُؤَسَّسَةِ، وَلَكِنْ نُذَكِّرُ فَقَطْ بِأَنَّ الْقِيادَةَ لَيْسَتْ غَنيمَةً يُتَنافَسُ عَلَيْها، بَلْ مَسْؤُولِيَّةٌ تُسْنَدُ لِمَنْ يُحْسِنُ حَمْلَها، وَأَنَّ مَنْ أَنْجَزَ، وَثَبَّتَ، وَأَصْلَحَ، وَارْتَقَى، هُوَ الأَوْلَى بِأَنْ يُمْنَحَ الْفُرْصَةَ لِيُواصِلَ.

نُؤْمِنُ بِأَهَمِّيَّةِ الاسْتِقْرارِ الإِدارِيِّ، وَالتَّمْكِينِ مِنْ مُواصَلَةِ الْبِنَاءِ وَالتَّطْوِيرِ، بَعِيدًا عَنْ أَيِّ تَوَجُّهاتٍ قَدْ تَضُرُّ بِمَصْلَحَةِ الْجامِعَةِ وَمُجْتَمَعِها.

إِنَّنا، إِذْ نَكْتُبُ الْيَوْمَ، نَكْتُبُ دِفاعًا عَنْ قِيمَةِ الإِنْصافِ، وَعَنْ عَقْلِ الدَّوْلَةِ، وَعَنْ الْجامِعاتِ بِوَصْفِها مُؤَسَّساتٍ سِيادِيَّةً لا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَهِينَةَ حِساباتٍ ضَيِّقَةٍ.

وَنَقُولُ بِصَوْتٍ هادِئٍ، وَلَكِنَّهُ واثِقٌ:

الْيَرْمُوكُ تَحْتاجُ مَنْ يُكْمِلُ الْبِنَاءَ… لا مَنْ يَبْدَأُ مِنْ جَدِيدٍ لِمُجَرَّدِ التَّغْيِيرِ.