يا لائمي كُفْ الملام عن الذي … أضناهُ طول سقامه وبلائه
أو، فدعهُ فما بهِ يكفيه من … طول الملام فلست من نُصحائهِ
بعد أن فشلت عشراتُ المنظمات الفلسطينية التي اسستها ومولتها ودربتها أنظمةٌ عربيةٌ وغربية وشرقيه في الاستيلاء على الحكم في الاردن خلال تسونامي ١٩٦٨-١٩٧٠ والذي كان سيؤدي حتماً لو أُبقي عليه الى اعطاء اسرائيل الذريعةَ لاحتلال الضفة الشرقية، لم يتوقف الاغبياءُ والظلاميون والجهلة والمؤدلجون والاقليميون والحاقدون ومن طُمِسَ على عقولهم وقلوبهم عن اتهام الاردن بشتى التهم غير الصائبة “اللاعروبية واللاسلامية واللانضالية والرجعية ” بدلا من اتهام تلك العصابات الفوضوية بالعمالة والتخريب والتآمر.
ما حدث في لبنان لاحقاً يُبَرهنُ على صحة هذا الطرح. فبعدَ أن رُحِّلَ رجال العصابات والمنظمات من الاردن الى جنوب لبنان اعادوا ممارسة مهزلة اضرب واهرب. لأنَّ ما تعلمته تلك العصابات من استراتيجية حرب العصابات وفلسفة وادبيات حركات المقاومة الثورية في العالم كفيتنام وكوريا والصين، هو فهلوة “اضرب واهرب”. هكذا هم الجبناء أدعياء النضال والبطولات الوهمية. وهم الذين ينطبق عليه وصف عوام اهل المدينة المنورة لمن عادوا بعد معركة مؤتة بقيادة خالد بن الوليد بالفُرار. أمَّا النبيُ فقد وصفهم الصحيح بالكُرار. لأنهم التحموا بجيش الروم وحاربوا على مدى ثلاث ايام واستشهد منهم العشرات قبل الانسحاب كما أنهم اثخنوا في جيش الروم. كان النبي على ثقة ان الذين رجعوا سيعاودون مناجزة الاعداء بنفس الجسارة والاخلاص والايمان عندما يُستدعونَ للجهاد.
بالمقابل، فإنَّ السلوكيات السلبية والعنتريات الغشيمة التي مورست على الحدود الاردنية الفلسطينية اعوام ١٩٦٨-١٩٧٠ تم معاودة ممارستها على الحدود اللبنانية الفلسطينية. أي أنهم لم يتعظوا. فقد كانوا يكتفون بإطلاق رصاص الكلاشنكوف عبر الحدود عشوائيا ثم يولون الادبار ويختبئون وسط المدنيين.
ورغم أنَّ ما كان ينجمُ عن سلوكياتهم العبثية لا يتجاوزُ ازعاج عساكر المحتل الصهيوني،
فإنَّ صبرَ اسرائيل نَفَذَ فهاجمَ الجيشُ الإسرائيليُ جنوبَ لبنان وهربَت العصابات الى بيروت. واضُطرَ سكانُ الجنوبِ الشيعة الى ترك قراهم ومزارعهم ومصادر رزقهم والهجرةَ الى بيروت والعيش فيما اصبحَ افقرَ حيٍّ فيها وهو الضاحية الجنوبية التي تحولت الى دمل في خاصرة لبنان كله.
لم يتوقف الجيش الاسرائيلي الغازي الا بعد ان وطأت بساطير جنوده كل ذرة تراب بدءاً من الحدود وحتى بيروت. وظلت عاصمة لبنان تحت الاحتلال عقدين من الزمن الى ان حررها حزب الله وليس فصائل العصابات والفهلوية والعملاء.
تلا فشل عصابات الفهلوة والتوريط والزعرنه في الاستيلاء على الاردن ومن ثَمَّ تسليمها للعدو الصهيوني كما فعلوا في بيروت، أن أَصَرَّ الشعب الفلسطيني على انهاء وحدة الضفتين والمطالبة بأن تكون منظمة التحرير الفلسطيني وجيشها جيش التحرير الفلسطيني هما نواة الدولة الفلسطينية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
بعد موافقة الاردن على قرار فك الارتباط بضغط من الدول العربية التي أنشأت ودربت ومولت العصابات المسلحة التي كان الهدف من تأسيسها وتسليحها هو اسقاط النظام الاردني وتسليمه للعصابات الفلسطينية لتتقاتل عليه الى ان تصفي بعضها بعضاً بُغية التخلص من هَمِّ ومسؤولية محاربة اسرائيل، حصل الشعب الفلسطيني على سلطة اتخاذ القرار الفلسطيني المستقل. وبموجب اتفاقية اوسلو السرية التي وُقِعت من وراء ظهر الاردن ومعظم الدول العربية عاد ابو عمار الى رام الله ومعه جيش التحرير الفلسطيني واصبح يطلق عليه لقب الرئيس وتفرش له السجادة الحمراء عندما يزور عواصم الدول الاخرى. لكن ذلك الجيش لم يفعل اي شئ لتحرير فلسطين.
من ناحيتها، رفضت حماس اعتبار المسألة الفلسطينية قضية فلسطينية او حتى قضية عربية. حماس الاخوانية لا تؤمن بالقومية العربية والبعد العربي، وإنما بالبعد الاسلامي، وترى أنَّ القضية الفلسطينية هي قضية اسلامية اولا وأخيراً. ولذلك قفزت الى حضن تركيا ثم الى حضن ايران اضافة الى حضن قاعدة العيديد في قطر. وحيث ان سكان الدول العربية يشكلون خمس عدد سكان العالم الاسلامي، فإن جهد ومؤازرة 75% من المسلمين تُغني وَتُعفي النسبة القليلة المتبقية 25% من أي مسؤولية تجاه القضية الفلسطينية الا اذا اختارت بعض الدول العربية عكس ذلك كرما ولطفا. فالجهاد فرض كفاية وليس فرض عين.
هناك من بين الفلسطينيين (وليس كُل الفلسطينيين) من يؤمنُ باستراتيجية الارض المحروقة. هذه الفئة تتمنى وتسعى لتوريط الدول العربية في حرب مع اسرائيل متغافلين عن الخلل في ميزان القوة الذي تُصر امريكا وروسيا والدول الغربية على استمراره لصالح اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط بأسرها.
أي أن هذة الفئة من الفلسطينيين لا يُزعجها تدمير الدول العربية وكأن الشعوب العربية هي من اعطت وعد بلفور، وكأن الشعوب العربية هي من سلح العصابات الصهيونية، وكأن الشعوب العربية هي من مول الاستيطان، وكأن الشعوب العربية هي من سمسر عمليات بيع الاراضي لليهود، وكأن الشعوب العربية هي التي باعت الاراضي لليهود.
هذا الموقف الحاقد واللامسؤول يعبر عنه الشاعر البدوي : اذا مِتُّ ظمآناً فلا نزل القطرُ
والمثل الشعبي “ما حدا احسن من حدا”.
كما ويؤخذُ على تلك الفرقة الشاذة من الفلسطينيين اصرارها على التنكر لما قدمته الشعوب العربية للفلسطينيين قبل حرب ١٩٤٨ وبعدها رغم ظروف تلك الشعوب الواقعة تحت استعمار الدول الغربية صانعة اسرائيل وراعيها.
حالة نكران الجميل، والهجوم الشرس من خلال ذباب الاخوان الالكتروني واشياعهم على الحكومات والشعوب العربية ادى الى تحول الحكومات والشعوب العربية من موقف التأييد والمناصرة والتبرع السخي وتوظيف مئات الالاف من شباب الفلسطينيين خاصة في دول الخليج، والموقف الاردني الذي لا مثيل له في استقبال المهاجرين الفلسطينيين وتجنيسهم ومعاملتهم معاملة المواطن الاصلي بل وفي كثير من الاحيان معاملة ورعاية افضل من معاملة المواطن الاردني الاصلي. هذا النكران والانتقاد الشرس ادى الى موقف عربي يتسم باللامبالاة والمتفرج.
وفعلا تحقق ما تريده تلك الفئة الشاذة. تم تدمير العراق وليبيا والسودان والصومال وسوريا واليمن وانهاك مصر والاردن بسبب التدخلات الاسرائيلية والغربية لمنع تمكن الدول العربية من التقدم والقوة التي تخل بميزان القوى نظرا لمواقف الدول العربية المناهض لوجود اسرائيل وحروبها الثلاث مع الكيان الصهيوني: ١٩٥٦، ١٩٦٧، ١٩٧٣.
في ضوء ما تقدم، فقد أُعذرت الدول العربية من مسؤليتها تجاه القضية الفلسطينية خصوصاً وأن الدول الاسلامية بقيادة تركيا التي يحكمها حزب العدالة الاخواني التوجه وايران بقيادة الملالي استلمت الراية وصادقت على رؤية حماس الثاقبة والعميقة والسليمة وتدافعت للدفاع عن الفلسطينيين ومقاومة الصهيونية وها هي على وشك الانتصار على اسرائيل.